جامع السلطان إبراهيم بن الأدهم

09 حزيران 2012

.

يعتبر جامع السلطان ابراهيم بن الأدهم الذي شيد من الحجر الرملي في القرن الثامن الميلادي وسط مدينة جبلة من أروع المساجد فخامة في الساحل السوري حيث ذاع صيته لدى المؤرخين القدامى ونظمت عنه ملاحم شعرية وقصائد وروايات كتبت بلغات عديدة.

ويجمع هذا المسجد الذي يحتوي ست قباب متفاوته الاحجام بين قوة البناء ورصانته وجمال تصميمه ويحمل اسم سلطان افغاني ترك الملك واستقر في جبلة زاهدا ودفن فيها وبني له مسجد بجانب قبره لتتحول حياته وتاريخه إلى ما يشبه الاسطورة.

ويشير مدير آثار اللاذقية الباحث جمال حيدر إلى ضخامة هذا الصرح الذي اجتمع فيه الانسجام والتناسب ما جعله في المرتبة الأولى للعمارة العربية الإسلامية ويتسم تصميمه بطابع العمارة العربية المملوكية مع تأثيرات شرقية وفارسية ويشبه بتفاصيله المعمارية كالزخارف وعناصر العمارة مساجد القاهرة إذ أن إقامة الأضرحة المساجدية تقليد مصري قديم تطور في العهد المملوكي بحيث يتحول الضريح شيئا فشيئا إلى مجموعة مساجدية تضم مسجدا ضخما ومدفنا يضاف اليها سبل وخانات وحمامات.

وبين حيدر أن هذا المقام يضم ضريح ابراهيم بن الادهم الذي يمتد في حجرة مربعة تقع في الزاوية الجنوبية الشرقية من المسجد ويقصده الزوار للتبرك وكانت تعقد فيه حلقات الصوفية والمنشدين ويتلى فيه القرآن الكريم وإلى يمين المدفن توجد لوحة تاريخية مؤرخة في عام 415 هجرية 1024 ميلادية منقوشة ومزينة تحمل هذين البيتين من الشعر:

قد نال ابراهيم من ربه ما نال أدهم من قبله
والناس تأتي لأبوابه ويطعمون الطعام على حبه

وإلى الشمال من الضريح يوجد بناء لضريح اصغر يضم صاحب السلطان وهو ابراهيم بن بشار وهذا البناء فسيح الارجاء يتكون من حرم للصلاة مؤلف من ثلاثة ايوانات تعلوه سبع قباب حجرية محمولة على عقود واكتاف داعمة بينما يحوي الايوان الجنوبي المحراب يجاوره إلى اليمين منبر رخامي بديع.

ويشير حيدر إلى أنه يوجد داخل جامع السلطان مجموعة من اللوحات تؤرخ زمن إنشاء المقام والرواق والبلاط والاصلاحات المتعاقبة التي اجريت فيه ويتبع للجامع حمام يقع في الزاوية الجنوبية الغربية منه يطلق عليه اسم حمام السلطان ابراهيم.

وعن هندسته بين الباحث ابراهيم خير بك مدير اثار جبلة أن المسجد مر بعصور عدة ومراحل متتابعة حيث يأخذ شكلا مستطيلا باتجاه شرق غرب ويقع المقام في الجهة الجنوبية الشرقية منه ضمن غرفة لها قبة ومحراب ويحوي المصلى على منبر ومحراب مبنيين من الرخام مزينين بالزخارف الهندسية ونوافذ كبيرة زين اطارها الخارجي بزخارف هندسية بالإضافة إلى نوافذ صغيرة مزينة بالزجاج المعشق ويوجد في الجهة الغربية منه مئذنة اسطوانية الشكل يغلب عليها الطابع العثماني.

ولفت إلى أن بناء الجامع تم على ثلاث مراحل الأولى تضمنت بناء غرفة الضريح وتعود للمرحلة السلجوقية والثانية بناء المسجد والمنارة والبركة والبلاطة والبوابة حيث أخذ الجامع أبعاده القريبة من الوضع الراهن وتعود للفترة المملوكية أما الثالثة فسميت بالمرحلة العثمانية وتم فيها إنشاء القباب الاربع الرئيسية في حرم الجامع وترميم الواجهات وتجديدها مع النوافذ والاقواس وتجديد المنارة الحالية لتأخذ شكل المآذن العثمانية الاسطوانية المدببة بارتفاع 26 مترا إلا أن المئذنة القائمة الآن اقل ارتفاعا ورشاقة من القديمة بفعل العوامل الطبيعية القاسية.

ويشير خير بك إلى أن الجامع الذي خضع قبل سنوات لأعمال ترميم واسعة ما زال بكامل رونقه حيث تتلألأ أنوار مئذنته وقببه في شهر رمضان المبارك مستقبلة المصلين في صلاة التراويح ويتميز باتساع بنائه مستطيل الشكل وبمئذنته البديعة وبعدد من القبب الرائعة ويتألف من حرم للصلاة وصحن ويتم الدخول إلى حرمه عبر بوابتين اضافة إلى الصحن الاخر الذي يضم بركة مياه من الحجر الكلسي مربعة الشكل فرشت ارضيتها بأشكال هندسية من الالوان الحجرية تتوسطها نافورة مياه .

كما يحيط به أروقة وغرف حديثة وله مدخلان خارجيان أحدهما من الجهة الشمالية ملاصق لجسم البناء ويشكل امتدادا لعمارته القديمة يؤدي إلى صحنه وتتشكل عتبته الخارجية على شكل قوس من احجار مدببة تعلوها مفصصات حجرية مقرنصة وداخلية تعلوها زخارف هندسية أما المدخل الثاني فيقع في الجهة الجنوبية من صحن المسجد وتمت ازالته بعد التوسع بالملحقات التي اضيفت إلى المسجد عند اعمال الترميم التي شملت قببه واروقته واسست به قاعات استقبال ومكتبة وغرفة للإمام واستراحة ورواق وتم تجديد دورات المياه وملحقات خدمية اخرى وكذلك تم بناء مسجد صغير للنساء يتم الدخول اليه عبر درج خارجي.

ولفت خير بك إلى ان مدخل المسجد يتألف من بوابة مستطيلة الشكل عتبتها من حجر الغرانيت الماوردي يعلوها زكزاك حجري اما سقف الحرم فيتألف في جهته الجنوبية من اقواس حجرية متقاطعة على قاعدة مستطيلة بينما تتألف جهته الشمالية من اربع قباب فضلا عن المئذنة الاسطوانية التي تقع بين مدخلي حرم المسجد ويتوسط المنبر حرم المسجد الذي يتألف من بوابة رخامية مزينة بورقتي خشب من الخيط الهندسي العربي الملون تكسو جانبيه وتعلو عتبته قطع ومقرنصات رخامية ويعلو كرسي الخطيب قبة صغيرة رخامية ترتكز على اربعة اعمدة رخامية دائرية وتيجان مقرنصة اما المحراب فيتشكل من تجويف محفور بالجدار من احجار رملية ومزين بقوس يرتكز على تاجين في حين بنيت واجهات المسجد بالحجر الرملي ولها اقواس نافرة وبأشكال هندسية ونباتية مؤطرة بافاريز منحوتة تحيط بنوافذ الجامع التحتية التي يبلغ عددها /67/ نافذة منها /37/ نافذة خاصة بالتهوية والانارة.

ويشير خير بك إلى أن اسم جبلة ارتبط على مر العصور باسم جبلة الادهمية ويؤكد ذلك ابن بطوطة في اخبار رحلاته حيث زار قبر السلطان ابراهيم لدى مروره في جبلة وكانت تقام طقوس احتفالية وخاصة عند الضريح ويشارك فيها زوار من جميع المناطق.

وأوضح أن مدينة جبلة التي تحتضن اليوم رفات السلطان ابراهيم بن الأدهم تعد واحدة من أجمل المدن التي تقع على الساحل السوري والأكثر شهرة بجمالها وكثرة آثارها وعمق جذورها الموغلة في القدم والتي ذكرتها ألواح أوغاريت المكتشفة.


الوكالة السورية للأنباء - سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق