التراث السوري في عيونهم: محاضرة لمدير معهد ثربانتس

21 شباط 2012

في المتحف الوطني السوري

شهدت القاعة الشامية في المتحف الوطني بدمشق محاضرة ألقاها الدكتور بابلو مارتين أسويرو مدير معهد ثربانتس بدمشق تحت عنوان «التراث السوري في عيونهم» في لقاء هو الثالث ضمن البرنامج الثقافي لمعهد الآثار والمتاحف والمتضمن لمواضيع تخص التراث والآثار، ويأتي هذا البرنامج في إطار تنشيط مشاركة طلاب المعهد في الحركة الثقافية وكداعم للمناهج الدراسية في المعهد. وكان قد سبق هذا اللقاء لقاءان أولهما تحدث فيه الباحث طوني بريباك عن تجاربه في سورية وخارجها بما يتعلق بترميم المباني الحجرية والمشافي، والثاني للدكتور نائل حنون بعنوان «سورية ونشوء الحضارات» تحدث فيه عن المميزات غير العادية لهذه البقعة من الخريطة العالمية.

والدكتور أسويرو يحمل إجازة في فقه اللغة الإسبانية ودرجة الدكتوراه في الأدب الإسباني من جامعة الباسك، كما شغل مناصب علمية وإدارية عدة، وشغل منصب مدير معهد ثربانتس في بيروت ثم في اسطنبول، قبل أن يتولى إدارة المعهد في دمشق منذ العام 2007. وللدكتور أسويرو اهتمام كبير بالشرق وعلاقته بالغرب، خصوصاً من الناحيتين الثقافية والحضارية، وله كتب في هذا المجال أهمها: «دمشق العثمانية» (2004)، و«مصر العثمانية» (2007)، وله مقالات عدة حول بلاد الشرق وثقافتها بالإنكليزية والفرنسية والإسبانية والتركية، كما أنه يتكلم اللغة العربية. وحاز الدكتور بابلو أسويرو على وسام الشرف المدني من الحكومة الإسبانية، وعلى وسام من الحكومة التشيلية تقديراً لأعماله.

تطرقت محاضرة الدكتور أسويرو لرؤية الشعب الإسباني (والغرب عموماً) وكذلك المتحدثين بالإسبانية في أمريكا اللاتينية لسورية والشرقي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وهي رؤية ظهرت في عدة مجلات وكتب، منها مجلة العالم المصور التي كانت تصدر في برشلونة. والتي التقط منها الدكتور أسويرو مقالة عن سورية-فلسطين (والتي كان معناها آنذاك لدى القارئ الغربي أوسع من خريطتها الجغرافية اليوم، إذا كانت تعني الأرض المقدسة التي عاش عليها السيد المسيح).

وأشار الدكتور أسويرو إلى اهتمام الطبقة البرجوازية النامية في أوروبا آنذاك إلى التعرف على حضارة المشرق (وخصوصاً ما يتعلق بالأراضي المقدسة)، فسجل توثيق أحد الرحالة الإسبان بالصورة للكنيسة القديمة في دمشق (وهو الباب الموجود حالياً خلف المسجد الأموي) وأجزاء من سوق الحميدية. ويشير المحاضر إلى مناظر معروضة في كتاب بعنوان «الجغرافيا المتنوعة» لمجموعة من المؤلفين والمترجم للإسبانية عام 1840م، وتظهر فيه مشاهد لمدن محاطة بالحدائق في وسط الصحراء، قد تمثل الجنة، والتي كانت دمشق أحد تجلياتها (إحالة إلى شيوع قصة قتل قايين لأخيه على جبل قاسيون) في صورة تظهر سيطرة التيار الرومانسي في التصوير في ذلك الوقت.


من الحياة الإجتماعية الدمشقية
من كتاب رحلة إلى سورية ومصر

يتابع الدكتور أسويرو في عرضه ليشير إلى تطور التصوير خلال 40 عاماً، فمن خلال رسم يظهر التكية السليمانية نجد دراسة أكثر كمالاً لصانعي هذا العمل من حيث الشخصيات البشرية والهندسة المعمارية للمكان، فنرى المسجد والمئذنتين، كما نميز الأشجار وحتى وجوه الأشخاص. تظهر نفس العناية بالتفاصيل في رسومات تمثل القلعة وجزءاً من سور دمشق، وفي مشاهد لسوق يظهر مدينة ضاجة بالحركة التجارية، ورسمين أولهما لباب شرقي وبدو مع جملهم، وآخر لباب توما وحرفيين وكلب ينام وسط الشارع، ونجد في صورة أخرى تصويراً لأحد فروع نهر بردى، ورسماً يوثق الحياة في دمشق القديمة، كل ذلك في سعي الرحالة والكتاب آنذاك لالتقاط ملامح من يوميات المدينة السورية.

ومن ناحية أخرى أثار البيت الدمشقي (من خارجه وداخله) وطبيعة الحياة الدمشقية اهتمام المؤرخين والرحالة وقرائهم، فنجد في إحدى الرسومات صورة للفناء الداخلي لأحد البيوت الدمشقية، يظهر فيه الديكور الداخلي للغرفة وجدرانها المكونة من أحجار متعددة الألوان وفي الوسط تظهر نوفرة المياه والتي تشير إلى الحياة والثراء، ويظهر رب المنزل يشرب النرجيلة (الأركيلة) ما يشير إلى الثراء وحياة الشرق الوادعة.

تتوالى بعد ذلك الرسومات والصور عارضة جوانب من حياة دمشق في القرن التاسع عشر من سوق الصاغة إلى سوق الخيل، وساحة الجامع الأموي والمدافن الإسلامية، مبينة بعضاً من اهتمام الغرب بالحياة المشرقية في جوانبها الاقتصادية والدينية والعقائدية.

ثم عرج المحاضر على واحدة من أهم عناصر الاهتمام الغربي بالمشرق وآثاره، ألا وهي الآثار القديمة، فنجد كتاب بولينه عن تدمر والرسومات التي نشرها عن هذه المدينة العظيمة والعبرة التاريخية في قيام ونشوء الأمم والحضارات وزوالها. وقد انتشرت نتيجة لهذه الصور وغيرها السياحة الأثرية، وتكونت رؤية عن الشرق ما تزال قائمة إلى الآن. وكان من نتيجة هذه الرحلات والكتب أن ازدادت اعتباراً من القرن الثامن عشر وتيرة إصدار الكتب التي تتحدث عن الجغرافيا والآثار والحضارات القديمة.

كما أشار المحاضر إلى اهتمام إسبان القرن التاسع عشر (والأوروبيين عموماً) بالشخصية المسيحية الشرقية وانبارهم بذلك الذي استطاع الحفاظ على إيمانه الديني على أرض المسيح رغم وجودهم في بلاد المسلمين. فنرى رسوماً تصور أسقفاً مارونياً وأخرى لأناس عاديين وصوراً لسرياني يبيع السجاد.

كما تصدرت صورة البدوي (الرجل الحر في بيئة قاسية مقابل الأوروبي الخاضع لشروط مجتمعه الصناعي) اهتمام القارئ الغربي، ومما زاد من اهتمام الرحالة الغربيين بالحياة المشرقية الاعتقاد السائد بأن أهل الشرق يعيشون بالصورة التي كان يعيش عليها السيد المسيح في زمانه.

تبين محاضرة الدكتور أسويرو مدى الاهتمام العميق لدى الجمهور الغربي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بحضارة الشرق وثقافته، كجزء من الاهتمام بالتراث المشترك لدى الطرفين، والمتأتي عن تاريخ مشترك امتد لأكثر من 3000 سنة.


اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق