حوار روحي فني بين الثقافتين الإسلامية والمسيحية في معرض الغيب والشهادة للإسباني مورينو
08 تشرين الأول 2011
امتزجت في مخيلة الفنان الشاب الإسباني لويس مورينو صور الثقافة العربية الإسلامية في الأندلس مع الثقافة المسيحية الغربية لتكتمل الصورة في ذهنه مع مشاهداته واطلاعه على ثقافة التصوف الإسلامي في الشرق مع دراسته للثقافة المسيحية الشرقية مستفيداً من السنوات الخمس التي قضاها في المنطقة العربية ليقدم معرضه المقام حالياً في معهد ثربانتس بدمشق تحت عنوان «الغيب والشهادة».
وعبر خمس عشرة لوحة وبأسلوب خاص اقترب من الفن الأيقوني الشرقي والفن السريالي الغربي تمكن الفنان من تقديم شخصية فنية مميزة للجمهور السوري في معرضه الذي رسم لوحاته جميعها في سورية محملاً إياه بالكثير من التساؤلات والأجوبة الروحية والثقافية ما ولد إحساساً غريباً لدى المشاهد وخاصة أن اللوحات اقترنت بعناوين معبرة وملخصة لحالة ما أو حادثة دينية أو موقف محدد مثل «الوعد»، «رأيت من يراني»، «لا أريد أن أموت»، وغيرها.
وتركزت مواضيع اللوحات التي رسمها الفنان أثناء وجوده في دير مار موسى الحبشي في سورية حول النبي إبراهيم ومواقف جمعته مع ولديه النبي إسماعيل والنبي اسحق وزوجتيه سارة وهاجر، بالإضافة إلى لوحة للسيدة العذراء مع آية من القرآن الكريم وعدة مشاهد من قصص ومواقف لها قدسيتها في الديانتين الإسلامية والمسيحية.
وتنوعت اللوحات من حيث التقنية الفنية بين الزيت على القماش والزيت على الخشب والكولاج وبأحجام متنوعة جاء في بعضها كتابات بالحرف العربي من القرآن الكريم والإنجيل والشعر الصوفي كما ورد إلى جانب أغلب اللوحات قصائد لشعراء إسبان مثل روبيرت ديسينوس، وأخرى لشعراء متصوفين عرب أمثال أبو بكر الشبلي والحلاج، ما أكمل الصورة في أذهان المشاهدين وساعدهم للدخول بسلاسة إلى عالم اللوحات الغريب.
وقال الفنان مورينو لوكالة سانا: «إن بحثي في الأديان والثقافات أوصلني إلى أن الدين الإسلامي هو حامل لكل الأنبياء في الديانات السماوية الأخرى وكوني شاباً من الثقافة المسيحية الغربية وجدت أن هناك الكثير من التشابه والقصص المشتركة بين الثقافتين المسيحية والإسلامية وخاصة من الناحية الروحية».
وأضاف: «ان عنوان المعرض "الغيب والشهادة" جاء من المفهوم الإسلامي لعالم الغيب الذي لا يمكن رؤيته والمقصود بالشهادة ما يمكن مشاهدته وإدراكه بالحواس مبيناً أن هذا المعرض هو بالنسبة له يتمثل بشاب في الثامنة عشرة من عمره ويحمل الكثير من التساؤلات في رأسه حول العالم الذي من حوله، هذا العالم الذي يراه بنظرة متناقضة تعبر عن رؤيته الخاصة فهو إما كبير جداً أو صغير جداً».
وأوضح مورينو أن هناك ثلاثة أسئلة يطرحها المعرض بشكل عام وهي من أنا ومن أنت وما معنى المعاناة في هذا العالم مبيناً أن الشاب الباحث عن إجابات لتساؤلاته استطاع أن يجد ما كان يبحث عنه من خلال الصمت الكبير الذي كان يتضمن الغياب.
وأشار الفنان الشاب الذي يقيم منذ عام في دير مار موسى في سورية إلى أن لوحاته تعرف الإجابة على تساؤلاته أكثر منه شخصياً فهي توصلت لرؤية ما لا يمكن رؤيته بعين البشر واجتازت الحواجز المادية لتلامس الحقيقة الروحية.
وقال الفنان الاسباني: «إن الهدف من رسم هذه اللوحات هو حب الاطلاع والتعرف على الآخر مما يوصلنا لقبول بعضنا البعض لنتمكن من تشكيل حوار ثقافي حضاري حقيقي بين الغرب والشرق وبين الأديان كافة».
وأوضح مورينو أن العمل الفني ليس له نهاية وهو متواصل ويتأثر بالناس والثقافات والحضارات والفنون ليقدم شيئاً جديداً ومتناغماً مع الوجود البشري ويبقى أثره الحضاري في الأرض مع الزمن مبيناً أن الفن يجب أن يحمل قيمة تخدم الإنسانية وإلا فهو مجاني وليس له معنى.
وأشار مورينو إلى أن سورية نموذج لتآخي الأديان كونها احتضنت وحافظت على كل الأديان مع احتفاظ كل دين بشخصيته الخاصة مبيناً أن فن الأيقونات السوري فن مهم ويقدم للعالم قيمة روحية وفنية كبيرة.
وبعد افتتاح المعرض أقيمت محاضرة ألقى فيها بابلو أسوير مدير معهد ثربانتس دمشق كلمة قال فيها: «إن هذه اللوحات المعروضة اليوم تشبه إلى حد كبير الفن الأيقوني القبطي في أثيوبيا وهو فن نادر في أوروبا بالإضافة إلى شبهها الكبير بالفن السريالي الإسباني الذي انتشر في بداية القرن الماضي والذي اشتهر فيه الفنان الاسباني سلفادور دالي إلى جانب الأشعار الصوفية المقدمة والتي تشبه الأشعارالسريالية كقصائد الشاعر لوركا».
بدورها قالت الفنانة السورية نارة سركيس التي تعمل بترميم الأيقونات: «إن هذه اللوحات للفنان مورينو تجمع الجانبين الروحي والفني معاً ومن هنا تأتي قيمتها وأهميتها فهي أعمال تنقل مشاعر السلام والطمأنينة لمشاهديها مبينة أن تشابه هذه اللوحات مع الأيقونات يأتي من نقلها للحظات مقدسة لها خصوصيتها وهي موجهة لكل الناس في العالم أياً كانت أديانهم».
والفنان الاسباني لويس مورينو من مواليد مدينة مدريد عام 1986 وأصوله تعود لمدينة غرناطة الأندلسية بدأ تعلم الفنون الجميلة ولم يكمل دراسته ليعتمد على تجربته الخاصة في الفن واهتم بدراسة حوار الأديان ويقيم في المنطقة العربية منذ خمس سنوات وفي دير مار موسى بسورية منذ عام.
الوكالة العربية السورية للأنباء - سانا