ماجستير للباحث نذير جعفر من جامعة حلب عن شعر أمية بن الصلت

31 تموز 2011

الكاتب نذير جعفر ينال درجة الماجستير في الدراسات الساميّة قسم اللغة العربية عن رسالة بعنوان «لغة الشاعر أمية بن أبي الصّلت»

ناقش الزميل الكاتب والصحافي نذير جعفر رسالته لنيل درجة الماجستير في الدراسات الساميّة بقسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة حلب صباح يوم الأربعاء 27 تموز 2011 وهي بعنوان: «لغةُ أميّةَ بنِ أبي الصّلت: دراسةٌ تأثيليّةٌ دلاليّة مقارنة في ضوء اللغات السّاميّة». وتشكّلت لجنة الحكم من الأستاذ الدكتور صلاح كزارة عضواً ورئيساً للجنة الحكم، والأستاذ الدكتور مصطفى عثمان عضواً، والدكتور ظافر يوسف مشرفاً. ونال الزميل جعفر بعد المناقشة درجة الماجستير بتقدير جيد جداً.

وقدم جعفر في ورقة المناقشة تعريفاً بأميّة بن أبي الصّلت (.... ـ 626م) الذي عدّه واحداً من شعراء العصر الجاهليّ البارزين، ممن أُثير وما زال ُيثار حول حياته، وعقيدته، وشعره، ومنزلته، نقاشٌ واسعٌ. فقد شكّل علامةً فارقةً في دوحة الشّعر الجاهليّ، وذلك بما حمله شعره على مستوى المضمون من تصوّرات تتناسب مع ما جاء في الكتب السماوية عن التّوحيد، والرّسل، والبعث، والحساب، والجنّة والنّار! وما حمله على مستوى الشّكل من ظواهرَ أسلوبيّةٍ ولغويّة تتمثّل في توظيف الموروث الدينيّ، والعناصرِ القَصصيّة، والأسطوريّة، واستعمالِ الألفاظِ الدخيلة من السريانيّة والعبريّة والفارسية، التي وقفت حائلاً أمام الاحتجاج بشعره عند علماء اللغة.

وأشار جعفر إلى سبب اختيار لهذا الموضوع مبيناً أن النقّاد والدارسين وجامعي ديوانه ومحققيه من العرب والمستشرقين تناولوا حياة هذا الشاعر، وعقيدتَه، وشعرَه، من ناحية الموضوعات والأفكار والأغراض التي برع فيها، مثل: الحكمة، المديح، والشّعر الدينيّ، إلا أن لغته التي تجمع بين الأثيل والدخيل، وتكشف عن تأثر وتفاعل مع لغات الأمم المجاورة، لم تدرس بعد؛ وهذا ما دفعه إلى اختيار موضوع هذه الرسالة، وما عزّز لديه هذا الاختيارَ دعوةُ المؤرخ جواد علي في كتابه: «المفصّل في تاريخ العرب قبل الإسلام» إلى دراسة شعر أميّة وتلمّس تأثير اللغات السامية فيه، ولا سيّما الأثرِ السرياني.

أمّا عن الرسالة التي أعدها للمناقشة فهي تقع في مقدمة وتمهيد وأربعة فصول وخاتمة. يتناول التمهيد سبل التواصلِ الحضاريِّ بين العرب والأمم المجاورة في العصر الجاهلي، والتي تتمثل في التجارة، والأسواق، والهجرة والغزو، والسفارة والدواوين، وما نجم عنها من علاقات بين المناذرة والفرس، والغساسنة والروم، وما تركته هذه العلاقات المتبادلة من تأثيرات ثقافية، ودينية، ولغوية، انعكست بشكل أو بآخر في الشعر الجاهلي. كما يسلّط الضوء على حياة أميّة، وثقافته، وشعره، ولغته، ومكانته.

ويتناول الفصل الأول مفاهيم الأثيل، والدّخيل، والمعرّب، والمولّد، والغريب، لغة واصطلاحاً، ونظرة كلٍّ من القدماء والمحدثين إليه. ويتوقف عند أقسام الدّخيل ومعاييره، مُبْرِزاً من خلال ذلك تحوّلات الأصوات في اللغات السامية، وما يقابلها في اللغة العربية، عبر أمثلة تطبيقية توضيحيّة.

أما الفصل الثاني فيدرس الألفاظ السّامية الدخيلة في لغة أميّة بن أبي الصّلت محاولاً تأثيلها عبر ردّها إلى جذورها اللغوية البعيدة، موازناً فيما بينها في اللغات السامية، مثل: السريانية والعبرية والأكادية والفينيقية والأوغاريتية والحبشية والسبئية، وصولاً إلى تحديد هويتها. سالكاً في ذلك المنهج التاريخي التحليلي المقارن، الذي يرصد المفردة اللغوية وتطورها في مظانها المتعدّدة وسياقاتها المعنوية والدلالية المختلفة.

ويتوقّف الفصل الثالث عند الألفاظ السّامية المشتركة في لغة أميّة مُبرزاً أوجه التشابه فيما بينها، محللاً، ومقارناً، وكاشفاً عن الصلات العميقة بين هذه اللغات.

ويتناول الفصل الرابع التطور الدلالي للألفاظ فيحدّد مفهوم الدلالة، وأنواعها، وأسباب التطوّر الدلالي، وطرقه، معزّزاً ذلك بالأمثلة، ثم يدرس دراسة تطبيقية عدداً من الألفاظ في لغة أمية ممّا تغيّر معناه الأصلي أو انقلب أو اندثر تماماً.


الباحث نذير جعفر يناقش أطروحته حول شعر أمية بن الصلت

وتعرض الخاتمة أبرز النتائج التي توصل إليها البحث، ومنها:
1 ـ عمق تفاعل أميّة مع فكر التوحيد الذي مهّد لظهور الإسلام وانتشاره. ويعدُّ ذِكْرُ لفظِ الجلالة مُبَجَّلاً ستين مرّة في ديوانه مؤشّراً هامّاً على ذلك! وتأتي استعادته للقصص الديني مثل قصّة الطوفان، وعيسى بن مريم، وخلق السموات والأرض، وغير ذلك، تعزيزاً لهذا المنحى الإيماني في فكره وشعره.

2 ـ ثقافة أمية النوعية في توظيف الأساطير والمفردات الجديدة غير المسبوقة في شعر معاصريه، مثل: الكروبيّة، وهم سادة الملائكة، والسليطط وهو اسم لله، والصاقورة اسم أو صفة للسماء الثالثة، والساهور بمعنى القمر، وهي مفردات تدل على اطلاعه على بعض اللغات القديمة مثل السريانيّة والعبريّة وتأثره بها. ويبدو تأثّره بالجوار السّامي من آراميين وأكاديين أكبر من تأثره بالجوار الفارسي، على مستوى المفردات التي دخلت شعره من لغات هذه الشعوب، وعلى مستوى القصص والأساطير التي استثمرها في شعره.

3ـ ثراء المشترك السّامي الذي عدّه بعض الباحثين من قبل دخيلاً من العبرية أو السريانية أو الفارسية، مثل كلمة «الجون» و«عرش» و«قربان» و«قدّس» و«برَأ»، وسوى ذلك.

4ـ قدرة العربية على إلحاق الدخيل فيها بأنظمتها وأقيستها الصرفيّة، وصهرها في بنيتها حتى لتصعب معرفة الأصل الذي كانت عليه من قبل.

5ـ التحوّل الكبير في معنى المفردة بين عصر وآخر، وعمق تأثرها بالسياق الحضاري والديني لأي مجتمع كان.

6ـ ثراء العربية في معجمها اللغوي، وفي قدرتها على توليد الترادف اللفظي والدلالات المتنوّعة، قياساً إلى اللغات السّاميّة كلها.

7 ـ إن رصد الدخيل والمشترك، والدّلالي من الألفاظ في لغة أمية خاصّة وفي الشعر الجاهلي عامة يقدّم مادة معجمية للمشتغلين بالتأثيل وفقه اللغة المقارن، كما يعيد النظر في كثير من المفردات التي نُسبت إلى هذه اللغة أو تلك، لا بقصد ردّها إلى العربيّة أو السريانية أو العبريّة أو الأكّاديّة، بل بقصد ترسيخ اتجاه علمي في دراسة اللغة دراسة مقارنة بعيداً عن الهوى، والصراعات القومية والدينية والسياسية.

8 ـ لا خوف على اللغة العربيّة من الدخيل فيها، سواء أكان في الماضي أم في الحاضر، فهي قادرة على امتصاصه وإعادة صياغته بما لا يؤثر على بنيتها المعيارية المصانة عبر القرون. وبذلك يكون التعريب عن اللغات الأخرى مطلباً مُلحّاً في زمننا، فهو لا يضر باللغة العربية بقدر ما يثريها ويجعلها أكثر قوة في مواجهة تحديّات العصر.

وخلص جعفر إلى أن دراسة لغة أميّة بن أبي الصّلت في ضوء اللغات السّاميّة، أكّدت عمق التواصل الحضاري والإنساني بين العرب وجيرانهم، وعمق الصلات اللغوية، والفكريّة والدينيّة، والجذر المشترك لهذه اللغات التي كلّما تقدّمت الكشوف والتنقيبات الأثرية في ماضيها البعيد، وكلما تقدّم البحث العلمي في تناولها ازدادت المعرفة بلغتنا العربيّة وبقيمتها، بوصفها ذاكرة الأمة، وخزّان آدابها وعلومها وتراثها. مؤكداً أن بحثه يعزز الجهود الرامية إلى دراسة الشعر الجاهلي في إطار الحضارة العربية التي أنتجته، والحضارات المجاورة التي َيفترض أنها تبادلت معها علاقات التأثير والتأثر. وأن يوفّر مادة معجميّة مقارنة في مجال السّاميات، ويثير أسئلة جديدة في هذا الميدان بقدر ما يحاول الإجابة عن أسئلة عدّة سبق أن توقف عندها القدماء والمحدثون على حدِّ سواء.

وقد أوصت لجنة الحكم بعد المناقشة بإجراء تعديلات تتعلق بإعادة تخريج بعض الأبيات في البحث، وبكتابة الرموز الصوتية للمفردات السريانية والعبرية الواردة فيه، وبإعادة ترتيب المصادر والمراجع، وتصحيح الأخطاء المطبعية، ليكون البحث في صورته المثلى.


بيانكا ماضيّة - حلب

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق