رسالة الأب الياس زحلاوي إلى وزير خارجية فرنسا آلان جوبيه

23 حزيران 2011

أنا كاهن عربي من سورية، بلغني للتو تصريحك في الولايات المتحدة المتعلق بالشرعية في جمهوريتنا. لا يسعني بوصفي مواطناً سورياً، أن أحتفظ بالصمت حيال مثل هذا التدخل في شؤون بلدي. بوصفك أستاذاً جامعياً، لا يجوز لك أن تجهل أن شرعية رئيس جمهورية تتوقف على إجماع شعبه فقط، وليس على مزاجية دولة ما. و بوصفك وزيراً لخارجية دولة مثل فرنسا يجب عليك أن تعرف أن سوريا بلد ذو سيادة، وهي عضو مؤسس في هيئة الأمم المتحدة.

ولكن بوصفك ناطقاً باسم بعض سادة العالم الراهن ، بدا لك أنك تستطيع أن تقرر، وفق هواك ، مصير بلدان أخرى ، ومنها سوريا. دعني أقول لك باسم ملايين الضحايا التي سحقها الغرب منذ قرون: لقد آن الأوان للكف عن القيام بدور الآدميين المتوحشين، كما آن لكم أن تكفوا عن امتهان جميع حقوق الشعوب الأخرى ، حتى تدمير وجودهم بالذات ، كما يحلو لكم أن تفعلوا منذ عقود، في العراق و أفغانستان و باكستان ، وفي أفريقيا كلها ، ولا سيما في ليبيا.

السيد الوزير
لنعد إلى سورية...هل نسيت أن الهدف الأبعد لجميع المناوارات،السياسية منها والديبلوماسية و الفتنوية،التي أعدت ضد سورية ...منذ أكثر من شهرين ،قد كشفته بكل صفاقة وكيلة وزارة الدفاع الأمريكية ،السيدة «ميشيل فلورنوي»، وقد كانت على ثقة من نجاح المؤامرة المدبرة ضد سوريا ، حيث أعلنت على الملاْ: «إن بوسع سوريا أن تستعيد كل أمنها ،في اليوم الذي تلغي فيه ارتباطها بإيران و حزب الله، وتبرم عقد سلام مع اسرائيل!؟»

يا أيها المشاهير من دبلوماسيين و سياسيين و غربيين ، هل بتم مجرد ناطقين مأجورين باسم الإرادة الإسرائيلية؟ أم تراكم نسيتم في فرنسا و أوروبا،الشرف العظيم الذي جلبته لكم مقاومتكم للإحتلال النازي؟ إنه يجب على ذاكرتكم التاريخية، مهما أصابها من نسيان أو تناس ، أن تذكركم بذلك.

هل كان على الإحتلال النازي أن يطبق على فرنسا و أوروبا أكثر مما فعل ، حتى يبقى شعوركم بمعنى الظلم و القهر حياً حتى الآن؟ ولكن إن كنت بوصفك وزيراً لفرنسا الجنرال دوغول،قادراًعلى التغاضي ،لأسباب تعيسة ،عن هذا الشرف التاريخي، عندها، دعني أقول لك، بوصفي مجرد مواطن سوري، أن سوريا لن تقبل، بأي حال، أن تتغاضى عن واجبها الحيوي في الدفاع عن وجودها بالذات ، أولاً ضد الإحتلال الإسرائيلي، ثم ضد الخطر القاتل الذي تشكله الصهيونية على الأمة العربية كلها.

ومع ذلك، فإنه يبدو لي أن الغرب يصر على الإستمرار غرباً ، مع أنه لم يعد كذلك. والحقيقة هي أن الغرب مرهون بماض استعماري ،مثقل، بل مثقل جداً باحتلالاته الدامية، وبحروبه الإجرامية ، وبترحيلاته الاإنسانية لشعوب برمتها، و بسرقاته المنتظمة للبلدان المستعمرة، من الشرق الأدنى إلى الشرق الأقصى، و إفريقيا و أستراليا، و بتقطيعاته العشوائية و الملغومة على المدى البعيد، للعديد من الشعوب و البلدان، و بإبادته المنظمة للشعوب الأصلية، ولا سيما في مجمل القارة الأميريكية و قارات المحيط الهادىء. ولذلك كان الغرب دائماً مدفوعاً بشهية لا حدود لها ، لفرض سيطرته على الأخرين.

ولأنكم، أيها الغربيون، تدوسون بأقدامكم جميع الحقوق، كما تحاولون اليوم أن تفعلوا في سورية، لم تشعروا يوماً بأدنى خجل من ادعائكم امتلاك الحق كله. فالقوي في عرفكم لا يخطىء البتة.

ولكن، أيها السادة الأوروبيون، لقد حدث أن انتقلتم فعلاً من طور السادة إلى طور الأجراء. وفي الواقع، هل يسعكم الإدعاء بأنكم تجهلون أن أوروبا كلها باتت تجر أذيالها وراء الولايات المتحدة؟

إن ذلك لم يعد سراً. و أنتم تعرفون جيداً عدداً كبيراً من المفكرين الأوروبيين الذين لا يكفون عن الدعوة للإسراع إلى تحرير أوروبا من «الفخ الأمريكي».

ولكن ما حدث هو أن الولايات المتحدة بدورها باتت ضحية لفخ آخر، يدعى اللوبي الإسرائيلي الذي بسط نفوذه الكلي عليها. وحسبي أن أذكر بما كتب بهذا الشأن، كل من نعوم تشومسكي و بول فيندلي و ستيفن والت و جون ميرشايمر، لأجنبك محاولة التنصل من هذه النتيجة المرة. افلستم بذلك، إذاً في أوروبا، أجراء أجراء الصهيونية؟

السيد الوزير
لنقر بأن الغرب، على الرغم مما يملك من قوة جبارة، قد فقد رصيده. في الواقع، ففي الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن، وفي غيرهما من المؤسسات الدولية المزعومة، بات واضحاً أن الأمور المتعلقة بالدول غير الغربية، تحول ممثلي الغرب، إلى أسود متغطرسين، يجيزون لأنفسهم جميع أنواع التدخلات، و يبلغون حد تدمير بلدان بكاملها، رأساً على عقب. حسبي أن أذكر أفغانستان و العراق، وما يحدث اليوم في ليبيا. وكل ذلك يجري باسم «الديمقراطية و كرامة الإنسان و حقوقه !».

أما إذا تعلق الأمر بإسرائيل، فإن جميع الدول الغربية من دون استثناء، من «أعظمها» إلى «أصغرها» وعلى رأسها الولايات المتحدة، تتحول إلى كتل من عدم، كتل عمياء، صماء، بكماء.

مع أن التحقيقات الصحفية التي أجريت حتى في أوروبا، انتهت إلى أن إسرائيل هي القوة الإرهابية بامتياز، بل ذهبت إلى أن إسرائيل تشكل الخطر الأكبر على السلام في العالم!
و الصهيونية كانت إرهابية حتى قبل الإعلان عن نشوء إسرائيل عام 1948. و إذا ما راودك أي شيء في هذا الشأن، فإني أحيلك إلى كتاب مرعب حقاً، لمؤرخ فرنسي، وهو يهودي صهيوني، يدعى «شارل أندرلان». في العنوان ما يكشف عن مضمون هذا الكتاب : «بالنار و الدم» «باريس 2008».

وقد ظلت إسرائيل : قاتلة، سارقة، محاربة، متوحشة، متغطرسة، تنتهج العنصرية و التوسع و الإبادة، مع أن اليهود عوملوا بالحسنى، في البلدان العربية و الإسلامية، و إن لدى مؤرخيهم من النزاهة ما يجعلهم يعترفون بذلك. إلا أنهم وجدوا طرقاَ لتحميل جميع البلدان العربية و الإسلامية، ضريبة باهظة جداً على ما حل بهم من عنف غربي و محرقة نازية. ولقد خططوا منذ «بن غوريون» لتدمير هذه البلدان، في الوقت الذي أنزلوا فيه على عرب فلسطين، بمسيحييهم ومسلميهم، محرقة تجاوزت الستين عاماَ.

السيد الوزير
اسمح لي بطرح سؤال أخير عليك:
أنت وزير خارجية بلد هو فرنسا، يتباهى بتمسكه الصلب بعلمانيته، فكيف تسوغ الدعم الغير مشروط الذي تقدمه فرنسا لبلد يريد أن يكون يهودياَ صرفاَ؟

أخيراَ، دعني، بوصفي كاهناَ كاثوليكياَ، أقدم لك التعازي من أجل كنيسة فرنسا، لأنها كما تبدو لي، قد ماتت و أنتهت، بسبب صمتها الآثم، إزاء الكوارث المتلاحقة، التي لا يكف الغرب عن ارتكابها بحق العالم العربي و الإسلامي، و تالياَ، على حساب وجود المسيحيين، و هم أبناؤه الأصلاء، في سبيل توفير شروط البقاء لإسرائيل.

لكم كان على حق، البابا يوحنا بولس الثاني، عندما افتتح خطابه في إحدى زيارته لكم: «فرنسا...فرنسا، أين معموديتك ؟!».

السيد الوزير
دعني أطالبك بالحد الأدنى من النزاهة و الكرامة.


اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق