خط الحجاز

.

مقدمة


يعتبر الباحثون أن الخط الحديدي الحجازي كان شاهد عصر، خاصة وأنه وُلد في وقت كانت فيه بلاد الشام تشكل وحدة جغرافية واقتصادية وديموغرافية مع عمقها الجنوبي الطبيعي في شبه الجزيرة العربية، ومهما كانت الأسباب والغايات من إنشائه في ذلك الحين، فقد شكّل شرياناً حيوياً ضرورياً يربط شمال البلاد بجنوبها، محققاً أكثر من هدف.

كانت رحلة الحج قبل إنشاء الخط الحديدي الحجازي تستغرق نحو خمسين يوماً من دمشق إلى المدينة ومكة، ومثلها أثناء العودة، أما الحاج التركي أو حجاج آسيا الوسطى فقد كانت تستغرقهم هذه الرحلة ضعف هذا الزمن.

في بداية عام 1900، قرر السلطان العثماني عبد الحميد الثاني مد خط حديدي يصل الشام بالحجاز لتسهيل سفر الحجاج وتوسيع نفوذه المعنوي وكسب فوائد مادية للدولة. وطلب من الأفراد والدول والممالك التبرع لإنشاء هذا المشروع الضخم، وانهالت الهبات والتبرعات لصالح هذا المشروع من السلطان نفسه وتلاه شاه إيران وخديوي مصر وأهالي البلاد والممالك الإسلامية من هنود وصينيين وأفارقة، حتى أن بعض الأوربيين المسيحيين تبرعوا من أموالهم الشخصية لصالح المشروع. وكانت التكاليف المتوقعة لهذا الخط خمسة ملايين ليرة عثمانية.

في عام 1908 وصلت أول رحلة للمدينة المنورة، وفي نفس العام تم إنشاء محطة الحجاز في دمشق، وامتد الخط الحديدي الحجازي لمسافة تقارب 1350 كم.

أثناء الحرب العالمية الأولى تم تخريب أجزاء من هذا الخط (الجسور والمحطات والمستودعات ونقاط التقاطع) من قبل الجيوش العربية والحلفاء بهدف قطع طريق إمداد المؤن والذخيرة عن الفرق والحاميات العثمانية المتركزة في الجزيرة العربية.

وفي عام 1919، بعد الحرب العالمية الأولى، تم تقسيم الخط الحديدي الحجازي إلى أقسام متعددة يتبع كل قسم للدولة الواقع فيها بما يحتويه، ورغم المحاولات التي قامت بها الحكومات المختلفة على طول الخط لإعادة إعماره وتسيير الرحلات عليه إلا أن خط سيره اقتصر على سورية والأردن.

تاريخ الخط الحديدي الحجازي



ولدت فكرة إنشاء الخط الحديدي الحجازي للمرة الأولى عام 1864م أثناء العمل على فتح قناة السويس التي ربطت بين البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، عندما تقدم الدكتور زامبل، وهو مهندس أمريكي من أصل ألماني. باقتراح مد خط حديدي يربط بين دمشق وساحل البحر الأحمر، لكن الاقتراح لم يلق الاهتمام الكافي، إلا أنه سرعان ما عاد إلى الظهور عام 1880م عندما قدم وزير الأشغال العامة في الأستانة مشروعاً أوسع يقضي بمد خط حديد من دمشق إلى الأراضي المقدسة. غير أن المشروع لم ينفذ بسبب الصعوبات المالية وبقي حبرا على ورق.

وبعد سنوات وفي عام 1900م أحيا الفكرة من جديد السوري عزت باشا العابد الذي كان يشغل منصب الأمين الثاني للسلطان العثماني عبد الحميد، عندما اقترح على السلطان تنفيذ المشروع والذي بدوره تحمس له فأقام دعاية واسعة له في العالم الإسلامي مركزاً على مسألة سهولة نقل الحجاج إلى أرض الحجاز.

واجه المشروع في البداية صعوبات تمويلية، منها ضخامة تكلفته التي قدرت بنحو 3.5مليون ليرة عثمانية في الوقت الذي كانت الدولة العثمانية تواجه أزمة مالية طاحنة، فضلاً عن ذلك فإن السلطان عبد الحميد أراد أن يضفي على مشروعه الطابع الإسلامي؛ ومن ثم أراد أن يتم إنشاء المشروع دون اللجوء إلى بيوت المال الأجنبية. لذا وجه عبد الحميد نداءً إلى العالم الإسلامي عبر سكرتيره عزت باشا العابد للتبرع للمشروع، ولقي هذا النداء استجابة تلقائية من مسلمي العالم.

بعد قرار السلطان عبد الحميد تشكلت لجنتان للإشراف على تنفيذ المشروع، الأولى برئاسة عزت باشا العابد ومقرها اسطنبول. والأخرى للتنفيذ ومقرها دمشق برئاسة والي الشام، حيث قام مختار بيك المهندس العثماني بمسح المنطقة التي يمر بها الخط بين دمشق والمدينة المنورة.
وتتبع الخط الحجازي بصفة عامة الطريق القديم الذي كانت تسلكه قوافل الحجاج.

بدأ العمل في انشاء الخط في سبتمبر 1900 في منطقة مزيريب من أعمال حوران، ثم قررت الحكومة العثمانية إيصال الخط الحجازي إلى دمشق فعملت على إنشاء خط درعا-دمشق، وباشرت العمل من دمشق ومزيريب في وقت واحد.

ولمواجهة نقص العمال وتوفير النفقات استخدمت قواتٌ من الجيش العثماني بلغ عددها زهاء ستة آلاف جندي ومائتي مهندس كانوا يعملون في الخط بصفة دائمة، وكانت السيول الجارفة إحدى العقبات التي شكلت خطورة كبيرة على الخط الحجازي في مرحلتي البناء والتشغيل؛ لذلك قام المهندسون بإنشاء مصارف للسيول على طول الخط الرئيسي.

تُعدْ تكاليف الخط الحجازي من أقل تكاليف خطوط السكك الحديدية في الدولة العثمانية على الإطلاق رغم ضخامة وكثرة منشآته، فقد بلغ مجموع تكاليفه «بما في ذلك القطارات والعربات وسائر المباني على طول الخط» حوالي أربعة ملايين و283 ألف ليرة عثمانية، كما تميّزت معدلات الإنجاز في إنشاء الخط بارتفاع ملحوظ؛ إذ وصل متوسط معدل الإنجاز السنوي حوالي 182 كيلومتراً وهو معدل مرتفع جداً آنذاك، مقارنة بمعدلات الإنجاز الأخرى.

وصل أول قطار إلى المدينة المنورة في 23 آب 1908م وأقيم الاحتفال الرسمي لافتتاح الخط الحديدي بعد ذلك بأسبوع ليصادف ذكرى تولي السلطان عبد الحميد الثاني السلطنة.

أدى الخط الحجازي خدمات جليلة لحجاج بيت الله الحرام؛ حيث استطاع حجاج الشام والأناضول قطع المسافة من دمشق إلى المدينة المنورة في خمسة أيام فقط بدلاً من أربعين يوماً. مع العلم أن الوقت الذي كان يستغرقه القطار هو (72) ساعة فقط. أما بقية الأيام الخمسة فكانت تضيع في وقوف القطار في المحطات وتغيير القاطرات.

تخريب الخط الحديدي


استمرت سكة حديد الحجاز تعمل بين دمشق والمدينة المنورة ما يقرب من تسع سنوات نقلت خلالها التجار والحجاج، وعندما نشبت الحرب العالمية واشتعلت الثورة العربية الكبرى بقيادة الشريف حسين واستولت على معظم مدن الحجاز، لم تستطع هذه القوات الثائرة السيطرة على المدينة المنورة بسبب اتصالها بخط السكة الحديدية ووصول الإمدادات إليها، واستطاعت حامية المدينة العثمانية أن تستمر في المقاومة بعد انتهاء الحرب العالمية بشهرين؛ فما كان من لورانس العرب ضابط الاستخبارات البريطاني وتحت ذريعة احتمال قيام أحمد جمال باشا --قائد الجيش العثماني الرابع- باستغلال سكة حديد الحجاز في نقل قواته لضرب الثورة العربية في عقر دارها، فقام بتدمير الخط ونسف جسوره وانتزاع قضبانه في عدة أجزاء منه.

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية تغيّرت الخريطة السياسية لكل من الشام وشبه الجزيرة العربية وأصبح خط سكة حديد الحجاز يمر بأراضي أربع دول هي: سورية والأردن وفلسطين والسعودية. فسيطرت كل دولة على الجزء الذي يمر في أراضيها، وأيّدت عصبة الأمم ذلك التقسيم على يد القانوني السويسري (أوجين بورل) 1925، وقد تعددت محاولات إعادة الحياة لهذا الخط الحجازي، ومنها مؤتمر الرياض عام 1955 الذي ضم سورية والأردن والسعودية، ولكن لم توضع قراراته موضع التنفيذ، وما تزال الجهود تبذل حتى اليوم لاستعادة مجد هذا الصرح الحضاري ليعود شريانا نابضا بالحياة.

محطات الخط الحديدي الحجازي


تعد محطة القدم أول وأكبر محطة على الخط، حيث يوجد فيها أكبر معمل لصيانة القطارات والعربات، و«صينية تدوير» للقاطرات، وهي اليوم بمثابة متحف حي للعيان من حيث أقسام المخارط القديمة والمكابس وقسم الحدادة والسكب ومستودع للقاطرات.

تلي محطة القدم محطة درعا والتي تضم مستودعا للقاطرات ومعملاً صغيراً للصيانة و«مثلث تدوير» للقاطرات، وهي محطة يتفرع منها خط آخر إلى حيفا ويمتد الخط ليصل إلى وادي اليرموك. ويصل الخط في عمان إلى محطته الثالثة، حيث يوجد مستودع للقاطرات ومعمل صيانة و«صينية تدوير للقاطرات».

تلي عمان محطة «معان» ثم محطة تبوك، وجميعها تحتوي على مستودعات للقاطرات ومعامل صيانة، ليتابع الخط سيره إلى «مدائن صالح» والتي تحتوي على ثاني أكبر مستودع للقاطرات يتسع لـ 6 قاطرات بخارية، وآخر محطات الخط هي محطة المدينة المنورة وفيها مستودع قاطرات يتسع لـ 12 قاطرة بخارية بالإضافة إلى أكبر خزان ماء على الخط الحجازي أما باقي المحطات على الخط فهي صغيرة أو متوسطة تضم أماكن مبيت للمسافرين.

محطة الحجاز في دمشق:


يعكس بناء محطة الحجاز كل أهمية خط سكة الحديد الحجازي، ويتميز بطابع محلي ومفردات محلية، وعظمة إنشاء الخط في زمنه جعلت فرناندون دي أراندا يتشبع بروح العمارة المحلية بعد تشبعه بروح عمارة الأندلس، فصمم بناءً صبغته محلية ولم يخرج عن ذلك إلا في حلبة واحدة توضعت في قمة سنام البناء. وأملت عليه عظمة المناسبة التماثل التام على محور مدخل البناء فإن دخلت بدت إليك الصنعة المحلية والتفنن الحرفي المحلي في فضاءات البناء المتعددة.

هذا المكان المعبر الذي تم بناؤه عام 1908 على مساحة 925 متراً مربعاً. يكاد يختزل تاريخ سورية المعاصر بدءاً من السنوات الأخيرة للمرحلة العثمانية مروراً بالحرب العالمية الأولى (1914-1918م) ومرحلة الإنتداب الفرنسي وصولاً إلى الاستقلال والمرحلة الراهنة.


متحف الأدوات المحركة والمتحركة


أوجدت المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي بهذه المناسبة أيضاً متحفاً للقاطرات البخارية القديمة المتوقفة منها والتي لازالت على رأس عملها بالإضافة إلى قاطرات الديزل والعربات. أما المتوقفة منها فقد نالت شرف الخدمة يوماً ما في القرن الماضي، إذ كانت آنذاك من أكثر الوسائط حداثةً وتلبيةً وسرعةً في نقل الركاب والبضائع، كما أنها واكبت الكثير من المراحل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحساسة التي مرت بها المنطقة عبر تلك الحقبة.
بالنسبة للقاطرات التي لا تزال تعمل فقد أثبتت أن دورها لم يكن مرحلياً قط إذ استمرت في تأدية واجبها جنباً إلى جنب مع القطارات الحديثة.

تحكي كل قاطرة عن نفسها من خلال لوحة التعريف المسندة إلى جانبها وبمجرد أن ينظر الزائر إلى هيكلها الزاخر بالإرث التاريخي العريق فكأنما يرى فيلماً وثائقياً عن مسيرة حياتها.

بلغ عدد القاطرات التي عملت على الخط الحجازي إلى أوائل الستينات من القرن الماضي مئة واثنتان وثلاثون قاطرة بخارية من مصادر مختلفة.

تمت الاستعانة بخبرات العاملين القدامى لصيانة وإعادة تعمير العربات والقاطرات البخارية المعروضة وذلك بمشاركة كوادر المؤسسة المؤهلة التي زادت خبرة فوق خبرة لمتابعة مسيرة العمل في المستقبل.


الخط الحديدي الحجازي متحف المقتنيات


كما أقامت المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي متحفاً للمقتنيات تعرض فيه الكثير مما يخص القاطرات والعربات والمعمل والمحطات من عِدد وأدوات أضحى بعضها أثرياً ذو قيمة تاريخية أما البعض الآخر فقد أثبت جدارته بالاحتفاظ بعمله إذ استمر حتى اليوم بتسهيل مهام موظفي المؤسسة.


الخط الحديدي الحجازي المتحف الحي


أشرف الخبراء العثمانيون والألمان على تجهيز أول معمل مختص بصيانة القاطرات البخارية وعربات الركاب في دمشق بمنطقة القدم، وكان هذا المعمل نموذجاً مصغرا عن معمل «كيم نيتس» في ألمانيا والذي عرف في تلك الحقبة باعتماده على أحدث تقنيات العصر العاملة على البخار، ما يبرز أهمية معمل القدم وفرادته في الشرق الأوسط من حيث العدة والعتاد، ومن الجدير بالذكر أن أقسام هذا المعمل لا زالت في الخدمة وتعمل بكفاءة عالية حتى وقتنا الحالي بالرغم من مرور أكثر من مائة عام على دخولها معترك العمل، وبعض آلاتها تمتاز بتفردها في طبيعة عملها على الصعيد المحلي.

وانطلاقاً من هذه الأهمية قامت المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي بإدارتها الحالية وبمناسبة الذكرى المئوية لتسيير الخط الحديدي الحجازي بإعادة توضيب أقسام المعمل المهمة، مثل قسم البخار، والمكابس، والمخارط، والحدادة، والسكب والتي تعد مجتمعة مركزاً متكاملاً لتعمير وصيانة القاطرات البخارية والديزل، إضافة إلى الأقسام الأخرى التي عملت على تعمير عربتي السلطان عبد الحميد الثاني، وعربات الحج.

ومن هذا المنطلق حولت المؤسسة هذا المعمل بأقسامه إلى متحف للعيان لتشارك به الزائرين متعة مشاهدة مئة عام ونيف من الإرث المستمر بالعطاء حتى الآن وأطلقت عليه تسمية المتحف الحي.


شبكات الخط الحديدي الحجازي الحالية والمستقبلية



الشبكة الحالية


هذه الشبكة قديمة بخطوطها وتجهيزاتها المحركة والمتحركة، وقد أصبح عمرها في معظمها يناهز المئة عام...
تقع الشبكة الحالية للمؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي في المنطقة الجنوبية بطول تقريبي يبلغ 336كم موزعةً على الشكل التالي:
- خط دمشق، قطنا
- خط دمشق، سرغايا (الحدود اللبنانية).
- خط دمشق، درعا (الحدود الأردنية).

أما مشاريع الأنفاق التي يتم تنفيذها حالياً فهي:


1- مشروع نفق الحجاز – القدم: وهو نفق مكشوف في بعض أجزائه يتسع لثلاث خطوط نظامية كهربائية بطول 4كم تقريباً يربط محطة الحجاز بمحطة القدم.

2- مشروع نفق الحجاز – جسر الشيراتون الحديدي: وهو نفق مكشوف في بعض أجزائه أيضاً يتسع لخطين نظاميين كهربائيين بطول 2كم تقريباً.

الشبكة المستقبلية


لقد وضعت المؤسسة العامة للخط الحديدي الحجازي ضمن خططها المستقبلية إنشاء شبكة للنقل الجماعي (شبكة نقل الضواحي) وفقاً لاقتراحات أولية على الشكل الآتي:
- مسار دمشق، المطار، المدينة الحكومية.
- مسار دمشق، الكسوة، دير علي.
- مسار دمشق، دمر، الهامة، (الشام الجديدة).
- مسار دمشق، المعضمية، عرطوز، قطنا.