حملة شعبية سورية تطالب باسترداد جمجمة ورفات سليمان الحلبي من باريس

08 كانون الثاني 2011

العريضة ممهورة بتوقيع ما يزيد عن مئة ألف مواطن سوري

حرّكت مقالة الأديب الروائي خيري الذهبي التي نشرها الأربعاء الماضي في صحيفة تشرين بتاريخ الخامس من كانون الأول الحالي في زاوية «آفاق» وتحت عنوان «أعيدوا شهيدنا إلينا»، حركت تلك المقالةُ الهادفة الأوساطَ الإعلامية مرة أخرى، بدءاً بالصحيفة المذكورة مروراً بوكالة «فرانس برس» الإخبارية التي بثت خبر حملة التواقيع التي قامت بها اللجنة الوطنية الشعبية والتي تطالب فيها باسترداد جمجمة ورفات الشهيد البطل سليمان الحلبي من باريس، ومن ثم قامت قناة BBC بإجراء حوار مع الكاتب خيري الذهبي حول قضية الشهيد البطل سليمان الحلبي، وحول حملة التواقيع ورغبة الشقيقة مصر في استرداد جمجمته ورفاته من باريس. وعن وكالة «فرانس برس» أخذت الصحف العربية هذا الخبر وتتناقله اليوم وسائل الإعلام المختلفة.


سليمان الحلبي

ما دعاني لكتابة هذا المقال أن العريضة التي تحدث عنها الروائي الذهبي في تلك الزاوية مشيراً إلى أن هناك آلافاً من السوريين يوقعونها الآن ليرفعوها إلى القيادة السياسية في سورية، وإلى القيادة السياسية في فرنسا يطالبون فيها بإعادة جمجمة سليمان الحلبي المعروضة في متحف شايّو وقد كتب تحتها بخط عريض «مجرم»، ليست حديثة العهد، إذ تعود إلى أربع سنوات، وتحديداً إلى عام 2006 حينما كانت حلب عاصمة للثقافة الإسلامية، إذ قامت اللجنة الوطنية الشعبية لاسترداد جمجمة ورفات سليمان الحلبي من باريس بحملة تواقيع شملت المحافظات السورية، لتنتقل من ثم إلى مصر (عبر الشابكة) وكذلك إلى دولة قطر، حتى وصل عدد الموقّعين آنذاك إلى مئة ألف مواطن، وقد جابت حينها تلك الحملة بالعريضة التي وجهتها اللجنة إلى الرئيس الفرنسي عن طريق السفير الفرنسي بدمشق، أرجاء سورية، مطالبة بإعادة جمجمة ورفات البطل الشهيد سليمان الحلبي من متحف الإنسان بباريس «وليس من متحف شايو كما ذكر الأستاذ خيري الذهبي وهذا للأمانة التاريخية»، وقد مُهرت تلك العريضة بتواقيع سوريين وغيرهم، ذلك أن جمجمة الحلبي قد وضعت بشكل مهين في أحد أروقة ذلك المتحف، وكتب تحتها «جمجمة مجرم: سليمان الحلبي» فيما تقابلها على الجهة الأخرى «جمجمة عبقري: ديكارت».


الجنرال كليبر

وقد ساند اللجنة الوطنية الشعبية العديد من المثقفين والصحفيين وأصحاب الأقلام الوطنية في أخذ تواقيع شريحة كبيرة من الإخوة المثقفين العرب، وكانت الجهود الشعبية والرسمية والمؤسسات الوطنية السورية والعربية قد تعاونت وأسهمت مع اللجنة في تكوين رأي عام عربي موحد، كان له أثر كبير في تسليط الضوء على قضية الشهيد العربي سليمان الحلبي على المستويات العربي والإقليمي والعالمي.

وأود في مقالي هذا أن أنقل إلى القارئ الكريم نص تلك العريضة، إذ كنت واحدة من أعضاء اللجنة الوطنية الشعبية لاسترداد الجمجمة والرفات، فقد جاء في تلك العريضة ما يلي:

«فخامة رئيس الجمهورية الفرنسية المحترم
عن طريق سعادة السفير الفرنسي في الجمهورية العربية السورية.

تحية وبعد ..

إنه وبما عرف عن مبادئ جمهوريتكم العريقة المستندة إلى مبادئ الثورة الفرنسية من العدالة والمساواة وحقوق الإنسان، فإننا نثير فيكم مشاعر الإنسانية حول مصير شهيد الحرية سليمان الحلبي.

وسليمان الحلبي الذي يعتبر في نظر الفرنسيين مجرماً يستحق العقاب، فهو في نظرنا بطل من أبطال الحرية، فكما كانت جان دارك مجرمة في نظر الإنكليز كانت بطلة من أبطال الحرية في نظر الفرنسيين.
وحيث أن ما تعرّض له جثمان سليمان الحلبي من ظلم وبشكل يعارض أبسط قواعد حقوق الإنسان، وخاصة في حقه أن يدفن وبشكل يتوافق مع الإنسانية والمشاعر الدينية.

وحيث أن جسده لا يزال معروضاً في متحف حديقة الحيوانات والنباتات في باريس وجمجمته في متحف باريس الجنائي.

لذلك واستناداً إلى مبادئ حقوق الإنسان والشرعة الدولية، فإننا نطالبكم وبما عرف عنكم من الدفاع عن حقوق الإنسان والمحافظة على مصيره، بتسليم جثمان سليمان الحلبي وجمجمته إلى وطنه، ليدفن بالطريقة اللائقة ووفقاً للشعائر الدينية.



اللجنة الوطنية الشعبية المطالبة باسترداد رفات البطل الشهيد سليمان الحلبي:
- هاني الخيّر (مؤرخ وصحافي).
- محمد ماهر وقّع (رئيس تحرير جريدة الجماهير).
- محمد كامل قطان (مدير الثقافة في حلب).
- المحامي فواز الخوجة (قانوني وباحث جنائي).
- الدكتور محمد منير الشويكي الحسيني (الأمين العام لأنساب السادة الهاشميين في سورية).
- أديل برشيني (شاعرة من حلب).
- بيانكا ماضيّة (إعلامية من حلب).
- ليث المصري (باحث من دمشق).

وهكذا بدأت الحملة من دمشق لتنتقل إلى حلب وإلى سائر المحافظات، وقد نشرت صحيفة الثورة في العدد 13001 تاريخ 4 أيار 2006 خبراً بعنوان «حملة التواقيع لرفع الظلم عن الحلبي تصل إلى حلب» قالت فيه: «مواكبة للجهود العالمية لمحاولة لتعويض عن المظالم التاريخية وإنصاف أصحابها، لا تزال حملة التواقيع في حلب مستمرة من أجل استرداد جمجمة ورفات البطل السوري سليمان الحلبي التي تعرض في متحف الإنسان في باريس بصورة مزرية. وكانت حملة التواقيع قد ابتدأت بدمشق في بداية العام الحالي وقد أشارت صحيفة الثورة إلى هذه الحملة آنذاك تحت عنوان «مثقفون سوريون يطالبون برفع الظلم التاريخي عن الحلبي» بعد ذلك انتقلت حملة التواقيع إلى حلب بمناسبة اختيارها عاصمة للثقافة الإسلامية، حيث حظيت هناك بدعم شعبي وبتعاطف طلابي لا حدود له. وكانت فكرة استرداد الجمجمة والرفات قد وردت في كتابات المؤرخ د. شاكر مصطفى ثم تبنّاها الزميل هاني الخيّر بالتعاون مع لجنة شعبية تشكلت لهذا الغرض النبيل. وبعد الحصول على التواقيع التي تمثل شرائح المجتمع كافة، ترسل إلى الحكومة الفرنسية من أجل إعادة الرفات ليدفن البطل الحلبي وفقاً للتقاليد والشعائر المتبعة، وبما لا يؤذي المشاعر الإنسانية».

بقي أن نذكر بأن سليمان الحلبي اغتال الجنرال كليبر قائد القوات الفرنسية في مصر عام 1800م.

وانتهت الحملة بحفل توقيع كتاب كاتبة هذا المقال «سليمان الحلبي أول منتقم للعرب من العدوان الغربي الحديث» والذي أقيم في مطعم القصر الأموي بدمشق بالتعاون مع دار الشرق الجديد لنشر العلوم الإنسانية، ودار الفتاة للطباعة والنشر والترجمة، حضر ذلك الحفل جمهرة من مثقفي مدينة دمشق وإعلامييها، وقامت بتغطيته وسائل إعلام متعددة مقروءة ومسموعة ومرئية، وفيه أعلنت اللجنة برئاسة الأستاذ الصحفي هاني الخيّر انتهاء الحملة التي كانت حلماً للمفكر الراحل الدكتور شاكر مصطفى، وقد أشار آنذاك الأستاذ الخيّر إلى أنّ هذه الحملة جزء من صحوة عالميّة لرفع المظالم عن أبطال الشعوب، حيث تسعى كلّ أمّة ليأخذ أبطالها المكانة التي يستحقّونها، مذكّراً فرنسا ببطلتها القوميّة جان دارك التي تعامل معها الإنكليز كمجرمة.


متحف الإنسان في باريس
(الصورة للكاتبة بيانكا ماضية)

وفي أواخر العام الفائت 2010 قامت دار عبد المنعم ناشرون بحلب بطباعة روايتي «هو في الذاكرة» وقد تضمنت سيرة حياة هذا البطل الشهيد ورحلة بحث البطلة «كارمن» الكاتبة الصحفية عن جمجمته ورفاته في باريس. وقد كتب عنها الناقد نذير جعفر دراسة نقدية بعنوان «هو في الذاكرة انكسار الأنوثة في عراء الرجل» نشرتها جريدة «شرفات الشام» الصادرة عن وزارة الثقافة السورية، العدد 88 تاريخ 1 تشرين الثاني 2010 وقد قال عنها: «تنسج الكاتبة هذه التجربة العاطفية المرّة والقاسية عبر حبكة سردية تبدأ من الزمن الراهن لحظة لقاء "كارمن" وتعرّفها إلى "رياض الزهر" أمام مدخل قلعة حلب، ثم تنعطف عبر تقنية الاسترجاع إلى الماضي مستعيدة حكايتها مع "غسّان"، وما تبعها من أحداث تتعلّق بالبحث مع زميلها "مراد" عن جمجمة سليمان الحلبي في متاحف باريس، ومحاولة إعادتها إلى حلب. معمّقة بذلك الخطّ العاطفي المحوري للرواية بخطّ الهاجس الوطني والسياسي. ويتخلل هذين الخطّين خط ثالث ذو بعد نقدي تنظيري يبرز عبر تعليقات الناقد الروائي على فصول الرواية الخمسة التي تعرضها عليه صديقته الكاتبة وتطلب منه إبداء الرأي فيها».

الحلم هل يتحقق؟
كانت فكرة استرداد الجمجمة حلماً (كما أسلفنا) قد راود الدكتور شاكر مصطفى بعد أن راعه رؤية جمجمة سليمان الحلبي في متحف الإنسان بباريس وتحتها دمغة الإجرام، ذلك الحلم يتبين للقارئ فيما دونه الدكتور مصطفى في كتابيه «بيني وبينك» الصادر عن دار الرواد بدمشق عام 1950، و«قضايا من التاريخ» الصادر عن دار طلاس بدمشق عام 1996، وفيهما قارن بين جمجمتي «سليمان الحلبي وديكارت»، وقد ذكر في الكتاب الأول في الصفحة الثامنة والثلاثين منه، مايلي: «كل من سليمان وديكارت الآن علبتان من العظم الفارغ! وأقسم – ولو أبى الأتنولوجيون – أني ماوجدتُ بينهما من فارق أذكره! لقد فرغت جمجمة سليمان من الهوس الديني ومن آيات الجهاد والشهادة كما فرغت الأخرى من "الأنا أفكر فأنا موجود" ومن الهندسة التحليلية وقوانين الضوء، وحلّت العتمة في ذينك الجوفين اللذين رأى بهما سليمان لآخر مرة جلاديه الوحوش، ورأى بهما ديكارت دموع مودعيه وإجلالهم في اللحظات الأخيرة! وذهب رواء تلك الملامح التي تقلصت من الألم الشنيع في وجه سليمان وانبسطت للراحة الكبرى في وجه ديكارت. استوت الجمجمتان الآن في كل شيء إلا في شيء واحد: فابن وطني: سليمان هو هناك، في قصر شايّو، مجرم وهو عندي، في دروسي، بطل، وعملاق الفكر الفرنسي: ديكارت جعلوه هناك نموذج العبقري وليسوا بالقلائل أولئك الذين يجدونه من أكبر الحمقى والمغفلين!! وألف عذر بعد من شيخنا ديكارت فأحد المفكرين من أبناء وطنه، باسكال، هو الذي علمني هذه الكلمة: "الحق أمام البرهنة خطأ وراءها"! ولئن عدّوا ديكارت مطلع عصر جديد في الفكر الغربي فسيأتي اليوم الذي يكتب فيه مؤرخ منا تاريخ العصر الحديث ويضع في مطلعه اسم أول متمرد منتقم للعرب من العدوان الغربي: سليمان الحلبي!».

أما في كتابه الثاني، فقد كتب في الصفحة السادسة بعد المئة: «في باريس، ذات يوم، فاجأني منظر لا أنساه، كنت أتجول في متحف الإنسان في أحد ممراته الضخمة ولفت نظري في إحدى زواياه جمجمة وحيدة في جام من البلور واقتربت منها فإذا قد كتبوا تحتها: "جمجمة عبقري" وهذا العبقري هو ديكارت، فيلسوف فرنسا المشهور، وما كدت أتحرك حتى لفتت نظري جمجمة تناظرها على الطرف الآخر ودفعني الفضول إليها واقتربت منها فإذا قد كتبوا تحتها: "جمجمة مجرم"! ومن المجرم؟ إنه سليمان الحلبي! وانفجر نهر من الدماء في عيوني، وعادت صورة سليمان الحلبي ابن بلادي، إلى خاطري عبر 195 سنة! في سنة 1800 ارتفع فجأة اسم سليمان الحلبي الشاب ذي الأربعة والعشرين ربيعاً من نكرة من النكرات ليصبح شخصية يعرفها تاريخ المشرق الإسلامي كله، كما يعرفها تاريخ فرنسا ولتبقى قضيته معلماً بين الطرفين إلى اليوم!». إلى أن يقول في الصفحة 109 بعد أن وقف على تلك القضية متحدثاً عن الحملة الفرنسية التي قادها نابليون على مصر سنة 1798 وعن هروب نابليون بعد فشله أمام عكا تاركاً الحملة للجنرال كليبر أحد القادة المقربين له، والذي عاث في أرض مصر فساداً فدمّر وأحرق وأذاق الشعب العربي المصري الظلم والجور: «..... وأعود إلى الجمجمة الحبيسة في جام من البلور في متحف الإنسان وأتساءل: من المجرم يا ترى: سليمان المدافع عن بلاده أم كليبر المحتل؟!».

كلمة لابد منها!!!
ما حصل بعد أن انتهت حملة التواقيع أنه لم تحالفنا الظروف لتسليم العريضة للسفير الفرنسي بسبب الانتخابات الجديدة التي كانت قائمة في فرنسا آنذاك، والتي على إثرها تسلّم السيد نيكولا ساركوزي رئاسة فرنسا، وكنا حينها نتوق ونتمنى على الجهات الرسمية السورية أن تساندنا بالمطالبة بالجمجمة والرفات، ليتم دفنهما بشكل لائق وحسب الشرائع الدينية في حلب مسقط رأس الشهيد سليمان الحلبي.


بيانكا ماضيّة - حلب

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

متحف الإنسان في باريس: صورة التقطتها الكاتبة بيانكا ماضية في رحلة بحثها عن جمحمة الحلبي في متاحف باريس

لوحة فنية تمثل سليمان الحلبي

غلاف كتاب سليمان الحلبي للكاتبة بيانكا ماضية

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

إسماعيل عبد النبي:

البطل الشامخ الشهيد سليمان الحلبي نعتذر اليكم
هذا البطل يجب أن يأخذ حقه بعد ثورة 25 يناير ولا يجب أن تطالب سوريا وحدها بعودة رافاته وجمجمته فما فعله كان دفاعا عن الدين والوطن العربي وعن كرامة الانسان حينما يقتل محتلا ويتهم بالإجرام فهذا حرام
فرنسا التي أرسلت حمتلتها لسفك دماء المصريين وسلب ثرواتهم كان هذا اقل واجب يفعل مع قائد حملتها الخنزير كليبر

مصر