روايات سورية تكشف عن أوراقها بالدار البيضاء

20 02

الرواية وتنوع مصادر التخييل

استكمالاً لقراءاته في جديد الرواية العربية وقضاياها الجمالية، عقد مختبر السرديات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية (بنمسيك) بالدار البيضاء ندوة حول الرواية السوريّة يوم الخميس المنصرم 18 شباط 2010 بقاعة الاجتماعات حول الروائيين: خالد خليفة، نبيل سليمان، سليم بركات، شهلا العجيلي، وليد إخلاصي، ماري رشو، خيري الذهبي، راغدة خوري، أسامة الفروي.

وبمشاركة النقاد كلّ من النقاد: نور الدين صدوق، إدريس الخضراوي، مصطفى مويقن، عبد الإله رابحي ، محمد بوعزة، شعيب حليفي، نور الدين محقق، محمد خفيفي، سعاد مسكين ، سلمى براهمة، عبد الغني عارف، حيث تداولوا من خلال الورقات النقديّة المقدمة في هذه الندوة، ما شيَّدته الرواية العربية بسورية من الأسئلة الفنيّة والثقافيّة المتصلة بقضايا الكتابة الروائية على مستويات جماليات الشكل ومغامرات الدلالات التي تضخ معان جديدة في الحكاية. وأيضا خصوبة التنوع في مقاربة مواضيع الهوية والواقع والذات من خلال أصوات تنتمي لكلّ تجليات الواقع والمتخيل ضمن آفاق رحبة تستمد شرعيتها من فرادة أصواتها ومتخيلها.

التنوع في التخييل:

في الجلسة الأولى التي ترأسها عبد اللطيف محفوظ تدخل نور الدين صدوق بورقة تحت عنوان: «الأدب العربي السوري المعاصر: تأملات وملاحظات» عرض فيها للسياق الروائي بين التفرد والتنوع، متوقفاً عند وفرة المتن الروائي السوري وتنوعه، والجرأة في ملامسة قضايا سياسيّة واجتماعيّة وثقافيّة فكريّة، بالإضافة إلى حضور الحس الساخر وقوة حضور شخص المثقف. كما استعرض الناقد صدوق مجموعة من الخصيصات الأخرى المميّزة للنصّ السرديّ العربي بسورية.

أما المداخلة التي قدمها إدريس الخضراوي فكانت في موضوع: «رواية مديح الكراهية التعبير الجمالي والجدليّة الاجتماعيّة» وقد استهلّها برؤية تأطيريّة أبرز فيها خصوصيات هذه الرواية قياساً إلى التجارب السرديّة العربيّة المعاصرة خاصةً في ما يتعلق بتبئير التحبيك على التاريخ، وإعادة قراءة تحولات الراهن المتسارعة، لينتقل بعد ذلك إلى تقديم العناصر الحكائيّة التي تُميز هذه الرواية خاصةً فيما يتعلق بارتباطها بتحولات المجتمع السوري في الفترة الحديثة والصراع الذي كان جارياً بين السلطة وجماعة الإخوان المسلمين، وما نجم عنه من كراهيات متبادلة. ولكن أهمية الرواية بحسب الخضراوي تكمن في انتصارها لسردية التسامح، وهذا ما يظهره المسار الخاص بالبطلة، ذلك أنّ تشبعها بقيم الكراهية في حضن أسرتها الأرستقراطية وانخراطها في مقاومة السلطة ومواجهة أطروحاتها لم يسلم من النقد والمساءلة خاصةً في تجربة السجن التي عاشتها، وتعرفها على رؤى ومواقف جديدة بيّنت لها أنّ الحياة أجمل من أن يتمّ وأدُها من خلال المقولات المغلقة والكليانية، وهذا الفهم ينطبق كذلك على السلطة. واختتم الخضراوي هذه المداخلة بالإشارة إلى الاقتراحات الجمالية التي يقدمها خالد خليفة في هذه الرواية التي تشتبك مع أسئلة متعددة تطرح على المجتمعات العربية اليوم أسئلة التعايش والتسامح بين المذاهب والطوائف والخلفيات المتعددة.

وفي موضوع «سمر الليالي لنبيل سليمان بين رفض الواقع وشعريّة اللغة» تدخل مصطفى مويقن، الذي افتتح مداخلته بوصف المسار المزدوج لنبيل سليمان الموزع بين كتابة الرواية والنقد، ومقدماً عدة ملاحظات حول المسارين واصفاً إياهما بالعمق والتميز، لينتقل بعد ذلك إلى تحليل رواية سمر الليالي، وقد وضح في البداية، مستنداً إلى صورة الغلاف وكلمة الناشر، أنّ الأمر يتعلق بسمر متفرد واستثنائي، سمر حزين تحكي فيه الذات عن همومها ومحنها، مضاعفةً ذلك بسرد زمن تهيمن فيه قيم منحطة، لا يسلم منها حتّى المشهد الثقافي. وقد عمل مويقن من خلال ذلك على إبراز الشكل المتميز الذي حضر وفقه السجن في هذه الرواية. وانتهى إلى توصيف اللغة التي عدها لغة شعريّة تعمل على جعل الدال يفيض على المدلول.

وحول نبيل سليمان أيضا ساهم عبد الإله رابحي بورقة «من البطل الإشكالي إلى إشكالية البطل في هزائم مبكرة لنبيل سليمان»، وقد افتتحها بفرش نظري تحدث فيه عن مفهوم البطل في الإرث السردي بوصفه يشكل النمط الاستثنائي من الناس، ونموذجاً دالاً على غيره بعده تجسيداً لفردانية مغلفة بروح الجماعة، تحمل بذرة النصر وتشخيص الأسطرة، وتكريس وهم العبقرية، موضحاً أنّ التصوّر أقرب إلى التاريخ منه إلى اللوحة الفنية الكاشفة عن صراع الأنماط الفردية، وولادة الأنماط المغايرة في تسلسل تعاقبي لا وجود فيه لكينونة قارة ولا لهوية متعالية تنهل من مجردات غائمة.

انطلاقاً من هذا التصور قارب الباحث رواية «هزائم مبكرة»، معتبراً إيّاها بحثاً عن محتمل سردي يُشخص التغيرات الجوهرية الخفية والظاهرة للمجتمع والذوات وحيواتها، مشيراً في الأخير إلى أنّها رواية بحث عن البطل المفقود أو بالأحرى رواية وضع مفهوم «البطل» موضوع تساؤل.

في الورقة الأخيرة خلال الجلسة الأولى قرأ محمد بوعزة رواية سليم بركات «كهوف هايدرا هوداهوس» من خلال إغواء الازدواج، وتقويض قانون السلطة. انطلق الباحث من سرد مجمل أعمال بركات، عاملاً على تنظيمها في نسق كتابي متناسق هو التفكير تخييلياً في الهويّة، مشيراً إلى تميّز الرواية المدروسة بكونها تشخّص عالماً متخيلاً بدون أيّ مرجع فِعْلي تثبت وجوده الموسوعة. حيث يتشكل من كائنات خرافية تتعايش في إمارة يحكمها ازدواج الحلم المحكوم بقانون تكامل الأحلام بين الشركاء. وحين يخرق الأمير القانون معوضاً الازدواج بإفشاء الأحلام يُدمر الهرم الحاكم ويستبدل بعالم سفلي على رأس هرمه شاعر لا يُفلح في تقليد دور الأمير إلا عن طريق المحاكاة الساخرة، وتغليب خيال الشاعر وأوهامه على أمراض السلطة وصلفها. ومن خلال ثنائيات النظام وخرقه، توزع الكائنات بين الإنسان والحيوان جراء تصويرها توليفة من إنسان وحصان، بين الشعر والسلطة، يحلل الباحث الرواية وتقترح دلالاتها السياسية والجمالية.

عين الحلبية:

في الجلسة الثانية التي أدار أشغالها عثماني الميلود، تدخل شعيب حليفي بورقة «الحكاية المضاعفة ولاوعي النص في عين الهر لشهلا العجيلي» مهنئاً الكاتبة على الفوز الذي استحقته عن هذه الرواية في الأردن والإقبال عليها في طبعتيها المصرية واللبنانية، قبل أن ينتقل إلى التفصيل في محاور بحثه والذي أضاءه من خلال تمهيد ومحورين حول ما شكّل إستيتيقا الإبداع في هذا النص الروائي، فتحدث عن معجم الحكايّة المنفتح على أسلوب اليوميات والاستبطان الذاتي في حكايتين تتبادلان الأدوار في وضع مرآوي يُفَتِّتُ الريبة والعجز والخوف.

وأشار أيضا إلى كون رواية «عين الهر» تشكلت بوعي صائغ الأحجار الكريمة لقول تاريخ مصغر يروي انكسار الوجدان عبر حكايتين تتناوبان على تشغيل الذاكرة في صوغ شطرنجي – لعبي تُمارس فيه الساردة التشويق والإيهام والترميز انطلاقا من حركتين، الأولى في مِرآة الذات، والثانية في ما خلف المِرآة، وبينهما تجري المعاني الخبيئة المكتنزة للاوعي النص.

ورقة نور الدين محقق جاءت بعنوان «شعريّة التناص في رواية دار المتعة لوليد إخلاصي»، حيث استعرض في البداية الحديث عن البنية السردية في «ألف ليلة وليلة» متوقفاً عند تجلّي هذه البنية بنوع من التناص التفاعلي في رواية دار المتعة لوليد إخلاصي، مشيراً إلى اختلافيّة السرد بين نصيّ ألف ليلة وليلة ودار المتعة ، ففي الأولى يأتي منفتحا أما في الثاني فهو مغلق.

كما قدم الباحث تحليلاً متدرجاً لكلّ مفاصل التناص في هذه الرواية الغنية بالمعرفة والحكاية، مقدماً مقارنة طريفة مع نص الليالي والرواية التي حاولت أن تتناص معه بشكل تحويلي مضاعف.

وتدخل محمد خُفيفي في موضوع «طفلة الكوليرا لماري رشو: ترجيع مأساة على هدي الحكاية» مقدماً في البداية العالم الممكن للرواية التي تشخّص عالماً موبوءاً تعمّره الشرور والقسوة والظلم، وتضيع في حوافه معاني الرحمة. ثمّ انتقل إلى تحليل علاقة العالم المتخيل للرواية بالتاريخ المؤشر عليها من قبله، حيث يسرد العديد من الفقرات التاريخيّة المؤازرة للعالم الممكن للرواية. وانتهى خُفيفي إلى اعتبار رواية «طفلة الكوليرا» انتصار الكتابة على مأساة الحياة، انتصار الضحية على الجلاد. إنّها إدانة الروائي لجرائم السياسي، ونداء أمل لتعيش الإنسانية في إخاء وحب وسلام.

في ورقة سعاد مسكين «ازدواجية العوالم الحكائيّة في رواية صبوات ياسين لخيري الذهبي» تطرقت إلى أن تردد ياسين بين الرغبة في التمرد ومحاولة الخنوع في الرواية، يعدُّ ملمحاً من الازدواجية في الشخصيّة والتي ستنعكس على البناء الحكائي للرواية، إذ سيتوزع بين ثلاثة عوالم: ازدواجية السيرة الشعبية والمحاكاة المعارضة، وازدواجية الشخصيّة الحكائيّة بين الأنا والقناع، وازدواجية الفضاء الحكائي بين الواقعي والتخييلي.

أما سلمى براهمة فتناولت رواية راغدة خوري «هيا بنا نتعرى» من رؤية كيفية تحويل الدردشة عبر الانترنيت إلى رواية متسائلة هل هي إثارة مجانية أم دعوة صادقة لإزالة الأقنعة؟ وقد جاءت مقاربة الباحثة تفكيكاً لكلّ هذه الأسئلة وما تولد عنها ابتداءً من العنوان والمفاصل السرديّة الحواريّة، قبل أن تؤطر ورقتها ضمن الكتابة النسائيّة بين المشترك والثابت.

وكان آخر متدخل هو عبد الغاني عارف، الذي قدّم مداخلة عن رواية أسامة الفروي وكانت تحت عنوان «قلق الحكي ودينامية الاسترجاع في رواية شعاليل». انطلق الباحث من تقديم عالم الحكاية، ثمّ ربطها بسياقات الكتابة المناظرة لها والتي تتجلى في الكتابة عن الهجرة وتجسيرها لتشخيص العلاقة الحضارية بين الشرق والغرب. ومن ثمّ ركّز تحليله على خصوصية طرحها للموضوع، وانتهى إلى التساؤل بالنظر إلى النهايّة التي تقترحها الرواية، والمتمثل في انضمام عمر الأمين إلى المجاهدين بأفغانستان، عن معنى الرواية هل هو التحذير من مصير عالم تنتفي فيه قيم الحرية والعقل والكرامة وتسود فيه قيم التعصب والإقصاء؟ أم يكمن في تجسيد الخيبة التي لاحقت أجيالاً ونخباً ظلّت تحلم بالتغيير لكن الواقع الفعلي ظلّ يغتال أحلامها؟ وانتهى الباحث إلى أنّ الفروي وهو يصوغ روايته، حرص على تركها منفتحة على دلالات شتى، مكتفياً بجعل شعاليل تشعل نار النقد وتدعونا جميعا، قبل أن تتفرق بنا السبل والاختيارات القاتلة، تدعونا إلى الانتباه اليقظ إلى الجمر الثاوي رماد الحريق.


عبدو الفيلالي

اكتشف سورية

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

اسمك

الدولة

التعليق

رائد:

جميل أن يجري الاهتمام بآداب البلدان العربية كل على حدة هذا يعني أن الحدود والأسلاك الشائكة السياسية تمنع وصول الكتاب وإلا ماكانت الندوة أغفلت الروائية الكبيرة أنيسة عبّود والتي فازت بجائزة الرواية العربية الأولى من المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة عن رواية (النعنع البرّي ) والتي ترجمت إلى عدة لغات وللكاتبةالمعروفة جدا في سورية وخارجها عشرات الكتب (رواية وشعر وقصة)وللكاتبة مئات المقالات الهامة .ومن رواياتها (باب الحيرة ,وركام الزمن ركام امرأة ,وحرير أسود وقميص الأسئلة (شعر )والكاتبة تتميز بعمق تجربتها وأسلوبها الرمزي .

سورية