تيسير عقيل

1924

من أبرز الفنانين الذين لعبوا دوراً هاماً في حياة القطر العربي السوري الموسيقية الفنان القدير تيسير عقيل الذي ولد في دمشق عام 1924.
بدأ تيسير عقيل حياته الفنية بعد أن مارس عزف العود زمناً، عازفاً عادياً على آلة "الفيولونسيل" الكمان الجهير ـ وتنقل بين عدد من الأندية الموسيقية كالفارابي ونادي دمشق ومعهد أصدقاء الفنون ومعهد الآداب والفنون ودار الموسيقا الوطنية والمعهد الموسيقي التي كانت تحاول كلها استقطابه لندرة العازفين على هذه الآلة غير أنه آثر عدم الارتباط لأنه أدرك بأنه سيظل عازفاً عادياً ومغموراً إن لم يتسلح بالعلم الموسيقي الذي يستطيع عن طريقه من ممارسة نشاطه الفني على صعيدي العزف والتأليف ليحقق الطموح الذي يصبو إليه.
نزح تيسير عقيل إلى فلسطين في الأول من كانون الثاني 1946 إبان الاحتلال البريطاني، فعمل في إذاعة القدس كعازف على "الكمان الجهير" ـ فيولونسيل ـ في فرقة الإذاعة، وفي الوقت نفسه تتلمذ ودرس الموسيقا والعزف على آلة الفيولونسيل بالأسلوب الأكاديمي على يدي المعلم النمساوي الشهير "كاجان" وعلوم الموسيقا الغربية على يدي "رودولف"، حتى إذا تم له ذلك، وأخذت رياح النكسة تهب على الوطن العربي من خلال الاضطرابات التي سادت فلسطين كلها، حزم أمتعته وعاد إلى دمشق في أوائل العام 1949 ليتابع دراسته في بيروت وليستأنف في الوقت نفسه نشاطه الموسيقي، فأسس مع عدد من رفاقه الموسيقيين على أنقاض نقابة الموسيقيين المنحلة، أول جمعية موسيقية تتمتع بالحصانة النقابية وتدافع عن حقوق الموسيقيين.
طلب إليه المعهد الموسيقي الشرقي التابع لوزارة المعارف ـ التربية اليوم ـ تدريس العزف على آلة "الكمان الجهير" والعمل على تكوين فرقة موسيقية تابعة للمعهد، فتمنع بادئ ذي بدء ووضع شروطاً قبلت بها إدارة المعهد، وبعد شهور قليلة على بدئه التدريس والعمل على تكوين الفرقة، استطاع تأليف فرقة موسيقية من ستين عازفاً، انتقاهم بنفسه بعيداً عن المحسوبيات والوساطات ولكن الفرقة التي قدمت العديد من الحفلات الناجحة، لم تعش طويلاً لأن إدارة المعهد الجديدة كان لها رأي آخر، واضطر تيسير عقيل إلى الاستقالة.
تمكن "تيسير عقيل" في مستهل الخمسينيات من تأليف فرقة موسيقية كبيرة أخرى، استطاعت أن تزاحم فرقة "معهد أصدقاء الفنون" التي كانت تعتبر آنذاك من أكبر الفرق وأقواها، وتمكنت عن طريق عنايتها بالموسيقا العربية، في الإسهام في إحياء التراث الموسيقي العربي والغنائي، وما لبثت هذه الفرقة حتى أضحت بما ضمته من أسباب القوة الفنية، والشهرة، الفرقة الرسمية للإذاعة السورية الفتية.
استطاع "تيسير عقيل" بعد إسناد رئاسة الدائرة الموسيقية إليه في العام 1954 بالإضافة إلى قيادة الفرقة، من تقديم أعمال التراث الموسيقية والغنائية، والأعمال الموسيقية الأخرى للمؤلفين العرب المعاصرين بإتقان لم يسبق إليه، فأغنى مكتبة الإذاعة الموسيقية بتسجيلات نادرة ما تزال حتى اليوم على الرغم من التقنيات الحديثة التي أدخلت على وسائل التسجيل من أفضل ما تحتفظ به الإذاعة نقاء وعزفاً.
أسهم "تيسير عقيل" بتزويد هذه الفرقة ببعض مؤلفاته الموسيقية التي يظهر فيها تأثره الكبير بدراسته للموسيقا الغربية، ويمكن القول على ضوء مؤلفاته الأولى، أنه ظل تائهاً بين الموسيقتين الغربية والشرقية زمناً طويلاً، وكان يتوق إلى تقديم موسيقا عربية معاصرة تتحدث بلغة عصره، ومن هنا كرس ما يعرف من علوم الموسيقتين لخدمة الموسيقا العربية، وكانت باكورة أعماله في هذا الاتجاه "كونشرتو للكمان الجهير والأوركسترا الصغيرة" وهذا الكونشرتو الذي صاغه بلغة عربية صافية، هو أول كونشرتو من نوعه في الموسيقا العربي لآلة الكمان الجهير ـ فيولونسيل ـ، ونجاح هذا الكونشرتو يعود إلى كون "تيسير عقيل" نفسه من أمهر العازفين على هذه الآلة. والكونشرتو المذكور بعد هذا، تسمية أطلقها تيسير عقيل على تلك المقطوعة في محاولة جادة منه لوضع "كونشرتو" غير أن تسمية هذه المقطوعة بالكونشرتو، أكبر من المقطوعة نفسها.
وإذا نحن تركنا جانباً، الاتجاه الغربي الذي كتب فيه كثيراً من المقطوعات بلغة عربية صافية، وألقينا نظرة على أعماله الموسيقية في قوالب التراث لوقفنا بإعجاب أمام عمل كبير من أعماله الموسيقية هو مقطوعة "حنين"، ومقطوعة "حنين" هي في واقع الحال "سماعي من مقام حجاز كار كرد" لأنه لجأ فيها إلى استخدام وزن السماعي من جهة، ولأنه عالج المقطوعة عند تأليفها على غرار ما هو متبع في تأليف السماعي كعمل تراثي من جهة ثانية، "فالتسليم" يقطع بين الخانات الأربع، وإذا نحن سمينا مقطوعة حنين بسماعي مقام حجاز كار كرد، لما غيرت التسمية من واقع الحال شيئاً، ولكانت التسمية الأخيرة أقوى وأشمل، لأن الموسيقا أولاً وآخراً تجريد، ولأن العمل من أوله لآخره كلاسيكي بحت.
إن نجاح الفنان "تيسير عقيل" في عمله الفني على مدى ثلاثين عاماً، دفع بعدد من الإذاعات العربية، التي تتوق إلى تحسين وضعها الموسيقي كي تتعاقد معه، ولكنه ظل ينأى بنفسه عن كل الإغراءات، إلى أن خضع لتأثير الأصدقاء فتعاقد مع إذاعة إمارة قطر العربية، وخلال السنوات القليلة التي أمضاها في إذاعة قطر استطاع أن يحقق نصراً كبيراً عندما حصدت الأغنيات التي شاركت فيها الإذاعة المذكورة في مهرجان دمشق للأغنية العربية الإذاعية والتلفزيونية في آب 1977 عدداً من الجوائز الأولى.
انتخب عضواً في مجمع الموسيقا العربية التابع للجامعة العربية الذي يرأسه الموسيقار الدكتور صالح المهدي، إلى جانب جميل بشير، وأحمد أبو عوف، ومازال حتى الآن عضواً في هذا المجمع الذي يعتبر في أعماله وأبحاثه كمجمع اللغة العربية.
لم يهتم الفنان تيسير عقيل بالتلحين، وآثر التأليف الموسيقي، وأهم أعماله عدا التي تطرقنا إليها مقطوعة "رومانس" العاطفية بالإضافة إلى عشرين مقطوعة موسيقية تحتفظ بها كلها مكتبة إذاعة دمشق الموسيقية، ومن بين هذه المقطوعات ثلاث مقطوعات قومية هي:
"من فرحة الوحدة" وألفها بعد إعلان الوحدة بين مصر وسورية مباشرة عام 1958 وكان واقعاً تحت تأثير ذلك الحدث الهام في تاريخ العرب، ثم مقطوعة "يوم النصر" التي كتبها في أعقاب الانتصار على العدوان الثلاثي، و"فجر جديد" ووضعها إبان احتفالات الشعب العربي في مصر وسورية بعيد الوحدة الثاني.
انتخب في العام 1954 نقيباً للموسيقيين، وظل يشغل هذا المنصب إلى أن استقال في أعقاب تعاقده مع إذاعة قطر ليفسح المجال أمام الفعاليات النقابية من متابعة ما بدأه من أجل الحفاظ على حقوق الموسيقيين.
اهتم بالصحافة اهتماماً كبيراً، لأنه وجدها الطريق الأمثل للدفاع عن الموسيقيين وفي الوصول إلى تشريع يحميهم ويحمي حقوقهم، وقد حقق عن طريقها كثيراً من الانتصارات وكان آخر تلك الانتصارات، فصل نقابة الفنانين عن نقابات العمال، واعتبارها نقابة مستقلة تقوم على الإبداع الفني.
وعلى الرغم من اتصاله الوثيق برجال الصحافة ومحرريها، فإنه كان يتجنب الحديث عن نفسه، ويخص الحركة الفنية ونقابة الفنانين جل أحاديثه، ومع ذلك تمكنت مجلة "الدنيا" من انتزاع حديث مطول، أدلى فيه بآراء شخصية عن الموسيقا الشرقية وعن محمد عبد الوهاب نورد منها ما يلي:
سؤال: يقال أن الأوزان الغربية التي أدخلها محمد عبد الوهاب طورت الموسيقا الشرقية، ويقول آخرون أنه السبب في فقدانها لهويتها، ما رأيك في ذلك؟
جواب: عبد الوهاب فنان كبير... فنان بكل ما في هذه الكلمة من معنى، ولكنه أصبح تجارياً، أو مرتزقاً، يميل إلى الإقطاعية المرتزقة إن صح التعبير، وهذا هو السبب الذي دعاه للتخلي عن مواهبه القيمة وعن الطريق الفني الذي سار به عشرين عاماً، ليسير في طريق التجارة المادية والمعنوية.. وهو ملام على كل حال في هذه الناحية.. ثم إن هذه أكبر جريمة يمكن أن تلصق بعبد الوهاب لأنه فنان قادر، ولكنه تجاهل مؤخراً مقدرته ليساير أهواء المراهقين عامة في الوطن العربي، فابتعد بذلك عن أصالته التي عودنا عليها في أعماله الموسيقية والغنائية الخارقة.
سؤال: ما رأيك بالتجديد الذي نلمسه في ألحان الفنانين الشباب؟
جواب: أنا أؤكد أن اللون الفني الخاص (الغريب) ينتشر بسرعة بين الناس، لأن الشعب يتذوق التجديد ويهوى الإبداع غير المألوف، ودليلي على ذلك، ما نلمسه في أعمال الأخوين رحباني..
آخر أعمال تيسير عقيل النشيد الرسمي لدولة قطر، وهو أول نشيد يسجل بعيداً عن الفرق المصرية التي اعتادت أن تطبع كل عمل عربي غير مصري بطابعها.



[1]كونشرتو ـ نوع من قوالب التأليف الغربي، أصل الكلمة لاتيني (كونسرتاري) وتعني مباراة وفي الموسيقا يتبارى في توازن خلاق عازف الآلة الإفرادية مع الأوركسترا وفق تصورات المؤلف.
[2]راجع مجلة "الدنيا" العدد 542 ـ تاريخ 1 تشرين ثاني عام 1957.


صميم الشريف

الموسيقا في سورية|

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق

منير مصطفى:

منير مصطفى اذاعي مصرى يعيش في الولايات المتحده يعتبر هذا المقال من أدق وأشمل ماعرف به الفنان الكبير الراحل تيسير عفيل ، الذى تشرفت بمصاهرته والتعرف اليه عن كثب من خلال العمل في اذاعة قطر في السبعينيات . لقد أسدى الراحل العظيم خدمة بالغة الأهمية لدولة قطر عندما أفنى سنوات من عمره يبحث ويدقق في جواهر الفن الخليجي وألوانه وأشكاله وركز في هذا المضمار على الفن القطرى الشعبي وله في هذا المضمار مؤلفات موسيقيه وأبناء من الفنانين الذين تخرجوا على يديه عندما كان رئيسا لفسم الموسيقى والغناء بالاذاعه. لقد خرج تيسير عقيل من دمشق الى العالم العربي مازجا جميع ألوانه فأصبح بحق أحد عبافرة الموسيقى العربيه في عصره . منير مصطفى

الولايات المتحدة

Hannah Akil:

Tayseer Akil ( Abu Samer )he is my grandfathther and I miss him verry much. Years before I was born he passed away in 1994, and I have heard about him and his love to music his family, his country, and may his legacy live for ever.

Love, Hannah

United States/Maryland