محمود عجان

اللاذقية 1916-2006

إذا ذكرت مدينة اللاذقية، برز على الفور اسمان علمان كبيران لعبا دوراً في حياة مدينتهما وحياة القطر الثقافية والفنية، هما "جبرائيل سعادة" و"محمود عجان" وعائلة العجان، عائلة عريقة عراقة اللاذقية، إذ على أيدي أفرادها قامت الحياة الموسيقية فيها، وقلما التقى المرء بفنان لم يتفاخر بأستاذه "محمود عجان" الذي جعل منه هاوياً للموسيقا إن لم يصنع منه عازفاً متمكناً.
و"محمود عجان" في اللاذقية، هو صنو الفنن الراحل "مصطفى الصواف" في دمشق، على تباعد الشقة فيما بينهما بالنسبة لاتجاهيهما، فكلاهما ربيا أجيالاً، ونميا مواهب، وأذكيا مشاعر وأحاسيس ودفعا إلى الشهرة أسماء ما كانت تستطيع الوصول إلى ما وصلت إليه لولا عنايتهما ودأبهما المتواصل في تدريسها وتدريبها وإمدادها بالعلوم الموسيقية التي تحتاج إليها.
و"محمود عجان" هو أول من أسهم في تأسيس النوادي الموسيقية في اللاذقية، وكذلك فعل مصطفى الصواف في دمشق، وهو وإن لم تتح له الفرصة ليدرس في أوروبا كالأستاذ الصواف، إلا أن موهبته مكنته من تلقف كل شيء حتى غدا معلماً في كل شيء.
يقول الأستاذ "جبرائيل سعادة" في محمود عجان ما يلي:
ولد محمود عجان في اللاذقية عام 1916 من عائلة تضم عدداً كبيراً من هواة الموسيقا، وقد هام بهذا الفن منذ حداثته، وكان صغيراً جداً عندما بدأ يعزف على الكمان والعود، وفي سن الرابعة عشرة، عزف أمام "سامي الشوا" فانتزع إعجاب هذا الفنان المشهور وكان عليه أن ينمي معلوماته الموسيقية بنفسه، فعكف على المطالعة، والاتصال بالموسيقيين المشهورين خارج اللاذقية، وما لبث حتى تضلع في قواعد الموسيقا العربية والغربية وتاريخهما. وإلى جانب ذلك كان يلحن قطعاً موسيقية صامتة، وأناشيد عزف معظمها، ولكن مع الأسف، لم تنشر أية قطعة من هذه المؤلفات، وهو أحد مؤسسي النادي الموسيقي في اللاذقية، وقد أصبح هو وأخوه "عبد القادر عجان" من ألمع عازفي هذا النادي.
لعب محمود عجان دوراً هاماً في النادي الموسيقي، وكان له تأثير كبير في أبناء الجيل الجديد الذين كثيراً ما يعكف على تعليمهم الموسيقا، وتنمية الذوق فيهم، فهو من هذه الناحية جدير بأن يخلد اسمه للأجيال المقبلة وقد منحته وزارة الثقافة والإرشاد القومي ميدالية تقديراً لفنه ونشاطه.
شارك محمود عجان في العديد من المؤتمرات والمهرجانات الموسيقية، كان آخرها مهرجان الأغنية العربية الذي شارك فيه ببحث هام حول الأغنية العربية، وإلى جانب هذا البحث عالج في أبحاث مستقلة موضوعات هامة تناولت "الإيقاع والمواليا، والدور والموشحة" إلى جانب بحثه المستفيض عن فاصل "اسق العطاش".
أما مؤلفاته الموسيقية فأكثر من أن تحصى، خص فيها قوالب التراث من "سماعيات ولونغا" أغلب أعماله. كذلك اهتم بالأناشيد الوطنية والقومية ولحن منها عدداً وفيراً وعنده غير ذلك "مسرحية غنائية" ومقطوعات مختلفة.
ومحمود عجان بعد هذا، دمث، طيب القلب، مديد القامة، حلو الحديث، لطيف غاية اللطف في معاملته للناس، وهو عندما يبدأ حديث الموسيقا وكأنه يغرف من بحر لا يتوقف ولا يستريح ولا يهادن في علم يعرفه تمام المعرفة. نأى بفنه من أن ينحدر إلى مستوى الملاهي، فالموسيقا بنظره لها محراب خاص لا يجوز لها أن تغادره إلا لمعابد الذين يتذوقونها ويفهمونها ويجيدون الاستماع إليها وهو في هذا يفرق بين الفن الموسيقي الراقي والآخر الذي لا يحمل من الفن سوى الاسم.
ذلكم هو الفنان القدير محمود عجان، الذي عمل طوال حياته بصمت ومازال يعمل، بعيداً عن الأضواء وعن الشهرة، وهو يأمل وقد تجاوز السبعين من عمره، أن تساعد أعماله الموسيقية ومؤلفاته وأبحاثه، الموسيقيين الحقيقيين والجادين في تقدم الموسيقا...
تلك الأعمال التي يجب على الدولة وبخاصة وزارة الثقافة أن تعمل على نفض الغبار عنها والبحث فيها، بعد أن تعبت من الرقاد في مكتبة محمود عجان.



[1]راجع كتاب محافظة اللاذقية لجبرائيل سعادة ـ مطبوعات وزارة الثقافة عام 1961.
[2]عالج هذا الموضوع أيضاً الفنان الراحل "أحمد الأوبري".
[3]ظهر له حديثاً مؤلف قيم وضخم بعنوان "تراثنا الموسيقي" وهو دراسة في الدور والصيغ الآلية العربية لحنا وقالباً.


صميم الشريف

الموسيقا في سورية|

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق