محمد ضياء الدين ـ الهاشمي

دمشق 1933 ـ القاهرة 1978

قبل ما يزيد عن خمسة وثلاثين عاماً، دخل إلى مكاتب مجلة "النقاد" الأسبوعية الثقافية، شاب خجول لم يتجاوز العشرين من عمره، وأهدى قلم التحرير تدويناً موسيقياً مطبوعاً على ورقة واحدة، حمل وجهها الأول مقطوعة بعنوان "لونغا رياض" لرياض السنباطي، ووجهها الثاني مقطوعة أخرى بعنوان "لونغا ضياء" لمحمد ضياء الدين، فمن هو الفنان محمد ضياء الدين؟
ذات يوم دعي الأستاذ "عبد الهادي البكار" الذي كان يعمل مذيعاً في إذاعة دمشق للاستماع إلى موهبة موسيقية جديدة للاستفادة منها في برنامجه الإذاعي "ركن الطلبة"، وبعد أن استمع إليه ملياً، قرر تقديم صاحبها "محمد ضياء الدين الهاشمي" في برنامجه الإذاعي، واختار له اسم محمد ضياء الدين، الذي عرف به الفنان الراحل طوال حياته الفنية فيما بعد، ليدرأ عنه غضب أسرته المحافظة التي تعود في أصولها القريبة إلى أسرة الهاشمي العراقية.
كانت أولى أغانيه التي قدمها في برنامج "ركن الطلبة" من إذاعة دمشق، هي أغنية خفيفة بعنوان /س.ع/ وقد استطاعت هذه الأغنية أن تلفت إليه الأنظار، وأن تشجعه على الاستمرار في عمله الفني بدأب الطالب المجد، ولكن الأغاني التي ظهرت له فيما بعد لم تحقق ما يصبو إليه من الشهرة التي يرجو من ورائها أن يتابع طريق الفن المحفوفة بالصعاب.
وفي تلك الفترة من حياته ـ فترة منتصف الخمسينيات ـ شاعت في دمشق أغاني الأفلام الهندية، واشتهرت منها بنوع خاص أغنية /تام تام/ وسرعان ما وجدت هذه الأغنية بإيقاعاتها المرحة الطريفة تجاوباً عند محمد ضياء الدين، فطورها بما يلائم ويتماشى مع الأغنية الخفيفة الدارجة "الطقطوقة" ووضع لها نصاً غزلياً خفيفاً،وقدمها لأول مرة من إذاعة دمشق بعنوان "مهلك مهلك" لتصبح على مدى سنوات الأغنية الشعبية الوحيدة في برامج ما يطلبه المستمعون وفي برامج الإذاعات العربية كافة.
انصرف محمد ضياء الدين بعد نجاحه المذهل في أغنية "مهلك مهلك" إلى نوع جديد من الأغاني الذي لم يحقق نجاحاً إلا في القطر العربي المصري من وراء ما أعطاه محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي ومحمود الشريف ومحمد فوزي وسائر الملحنين الكبار. وقد عرف هذا النوع من الغناء الذي وفد على الغناء العربي من الغرب باسم "ديالوغ ـ Dialogue". والديالوغ عبارة عن محاورة غنائية لا تعتمد قالباً معيناً في بنائها الفني، وإنما على سرد موسيقي يصاغ وفق الحوار المبني في الغالب على سؤال وجواب يتضمنان عتاباً وتبريراً وتغزلاً وما إلى ذلك من خلال حادثة عاطفية أو حوار غزلي أو اجتماعي آني.
عندما عالج محمد ضياء الدين هذا النوع من الغناء، حاول أن يطبعه بالطابع الخفيف الذي يحبه ويميل إليه، فنجح في ذلك وتفوق، ويعتبر محمد ضياء الدين أول من عالج هذا النوع من الغناء في القطر العربي السوري بجدية ليحقق في مجال الحوارية الخفيفة سبقاً على جميع الملحنين بما فيهم المصريين. وأول حوارية ظهرت له بالاشتراك مع المطربة السورية أحلام، هي حوارية "هالة".
كان محمد ضياء الدين يعيش في الخمسينيات حالة عاطفية خاصة، عانى منها الكثير، إلى أن تحقق له ما أراد وتزوج من التي أحب.. وزوجته هي المطربة "ندى" واسمها الحقيقي "نعمت قسومة" وشكلت معه بعد زواجها منه، ثنائياً جميلا عرف في الوسط الفني بالثنائي "ضياء وندى"، وقد غنى بالاشتراك مع ندى عدداً كبيراً من الحواريات منها "حكاية حبنا".
لم يوقف محمد ضياء الدين فنه في الديالوغ على زوجته ندى، بل اشترك مع غيرها في أداء الكثير من الحواريات الغنائية، فغنى مع "لبلبة وأحلام ومواهب" وغيرهن، كثيراً من الحواريات منها "محاورة الفقير" الهادفة نوعاً ما مع المطربة "مواهب".
نزح إبان الوحدة بين مصر وسورية مع زوجته إلى القاهرة، واستطاع بجهوده الخاصة أن يصبح موضع اهتمام الوسط الفني، وتمكن من أن يخضع لفنه أصواتاً لم تخضع لتجربة الغناء قبلاً، فغنى من ألحانه كل من يوسف وهبي والممثل الكبير حسين رياض.
استفاد "محمد ضياء الدين" من تجربة "محمد فوزي" في أغاني الأطفال، فأغنى خياله لتغتني بدورها أغاني الأطفال التي وضع والتي حققت نجاحاً ما كان يتصوره، وكان لترسمه خطى "محمد فوزي" في ذلك من العوامل التي أدت إلى ازدهار ذلك الفيض من أغاني الأطفال التي أعطى للإذاعة والتلفزيون والتي اشتهرت منها: "قطتي لولو، ست الحبايب، واتفرج يا سلام".
وإلى جانب عنايته بأغاني الأطفال، اهتم بالأغنية الشعبية ـ الفولكلورية ـ التي حاول أن يمزج فيها بين الفولكلور العربي السوري، والفولكلور العربي المصري في الأغنية الواحدة بأسلوب جديد، وخير مثال على ذلك نجده في أغنية "سكابا يا دموع العين" التي جعل فيها الموسيقا لحناً شعبياً معروفاً في صعيد مصر تؤديه آلات الإيقاع والناي والمزمار البلدي والمجوز دون تحريف أو تغيير، وترك الغناء يتردد على اللحن الأصلي الشعبي للأغنية / سكابا يا دموع العين / المعروف في القطر العربي السوري وبخاصة في مدينة حماة دون تغيير، وبذلك أعطى المعنى الحزين الذي يريد من وراء تطابق اللحن المصري الحزين مع دموع الحبيب في /سكابا يا دموع العين/ التي كانت تعتمد في الأصل على لحن مرح لا يتطابق وكلام الأغنية، وحقق الهدف في نقل فولكلور الصعيد وفولكلور حماة إلى الشعب العربي في وحدة انسجامية بليغة.
تأثر محمد ضياء الدين بموجة الألحان الجديدة، وبالتحديد بمدرسة الموجي وكمال الطويل، فغنت "شريفة فاضل" من ألحانه أغنية "سنيه" كما غنى بدوره عدداً من الأغنيات الناجحة من أبرزها أغنية "كروان" التي كتب كلماتها "مجدي نجيب".
تزوج ثانية من فتاة أعجب بها من خلال أغاني الأطفال التي كانت تشارك في أدائها، وكانت تصغره بعشرين عاماً على الأقل، وقد استغل موهبتها، استغلالاً طيباً، أهلها لأن تغدو بعد وفاته من ممثلات التلفزيون والسينما الشهيرات، هذه الفتاة هي الممثلة التلفزيونية المعروفة "نسرين".
لقد مضى محمد ضياء الدين الهاشمي كما مضى غيره من الفنانين، وأعطى ما أعطاه في الحياة الفنية، وقد لا يكون هذا العطاء على المستوى الذي يريده النقاد، ولكنه مع هذا يظل محاولة صادقة لبعث المسرة والفرح، وذكرى للناس الذين أحبوا عطاءه، وغاب عنهم ومهما قيل فيه وفي فنه فسيظل واحداً من الذين حملوا مشعل الفن وأخلصوا له في الحدود التي يتقنون ويملكون.


صميم الشريف

الموسيقا في سورية|

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق

عادل القاضي:

السيد الفاضل صميم الشريف احييك اطيب تحية اشير المطرب المرحوم محمد ضياالدين -الهاشمي 1933دمشق 1978القاهرةلااستطيع ان اضيف اكثر مما قلت لهذا الفنان الكبير والذي ترعرعنا علي صوته الجميل بكلمات الطفولةالرقيقةالعذبه ولكن الذي يلفت انتباهي عدم ذكرك اغنيته المثالية(سامح قد ما تقدر سامح شوف ازاى تبقي بكرة ويا قلوب بتتسامح)علما باننى احاول الحصول عليها منذ25عام عبثا و مع العلم باننى قد بحثت عنهاايضا فى شوارع وازقة دمشق والقاهرة وللاسف لم اعثر عليها ختاما استودعك الله وحييك اطيب تحية عادل القاضي .درنة- ليبيا

درنة- ليبيا

حموده:

ال للزمان ارجع يزمان

الاردن

ONSI:

عامل الناس بما تحب ان يعاملوك به

egypt

نادية عزت :

رحم الله السيد/محمد ضياء الدين الهاشمي.فالذي جعلني ابحث عن اية معلومات عنه هو انني قد شاهدت اليوم فيلم شارك فيه تمثيلا وغناءا مع السيده زوجته/ندي ضياء الدين .حقيقة فنان رائع رحمة الله رحمة واسعة وقد استمتعت جدا اثناء مشاهدتي لادائة الاكثر من رائع مع صوته الرخيم الدافئفي فيلم ياحبييبي امام الممثل القدير رشدي اباظة ومحمود عزمي وحسن فائق رحمهم الله جميعا واسكنهم فسيح جناته

مصر

سهر الليالى:

فى الحقيقة الاستاذ ضياء دين ده استاذ جميل فعلا وياريت نهتم بالزمن ده لان فيه ناس خسارة يتنسوا وانا من ضمن الاطفال اللى كنت فى اغنيته (أ ب ت ث)ومازلت بحبها ونفسى اعرف اكتر عن حياته وانا بشكرك على الاهتمام وعلى المعلومات الجميلة دى اللى افادتنى كتير وبتمنى المزيد فيه ناس ماينفعش ننساهم واللى مالوش ماضى مالوش حاضر ولا مستقبل

القاهرة

القاهرة

عبدالحليم الباهي:

بصراحة الفنان محمد ضياء الدين يمتاز بصوت قوي جدا وانا استغرب لماذا لا تكون هناك مكتبة أو أرشيف لهذا الفنان النادر ... اللهم اغفر له وارحمه .
اسمعنى والدي الله يرحمه اغنية للفنان محمد ضياء الدين في فترة الثمانينات بعنوان والذي أشار اليها الأخ / عادل القاضي قبلي .

مصراته ـ ليبيا