سري طمبورجي

1915ـ1956

من العبقريات التي أضاءت زمناً في حياة قطرنا العربي السوري، ثم خبا نورها بعد أن توهج كالشهاب، المطرب الملحن "سري طمبورجي". و"سري طمبورجي" أرمني الأصل اسمه الحقيقي "سركيس طمبورجيان"، نزحت أسرته من كيليكيا في تركيا إلى سورية واستوطنت مدينة حماه، بعد الاضطهاد الذي تعرض له الأرمن في تركيا، وأدى إلى نزوحهم بالآلاف.
ولد "سري طمبورجي" في العام 1915، وعاش طفولة قاسية، وعمل في دكان أبيه صانعاً للأحذية، وكان حبه للموسيقا يدفعه إلى التردد على أجواء الطرب الشعبي، ثم تعلم العزف على الكمان في أوقات فراغه لوحده دون معلم، ثم علم نفسه أيضاً العزف على العود، وصار يتردد مذ غدا فتى على آل "الحريري" وهي أسرة كلفة بالفن والأدب، اشتهرت بحبها ورعايتها للأدباء والفنانين، فلفت أنظار الرواد اليوميين على منزل آل الحريري، بصوته القوي الذي تشوبه لكنة خاصة، والذي أمده فيما بعد بشعبية قوية، وكان كثيراً ما يرتجل ألحاناً لأشعار مرتجلة كان ينظمها آنياً الوجيه "نعسان الحريري" وغيره من الزوار وبخاصة نديم "آل الحريري" وصديقهم المفضل الشيخ "حمود الزبرؤوتي" الذي كان مجلسه قبلة أهالي حماة لظرفه وإيناسه وطيب معشره.
بعد نزوح "سري طمبورجي" وأسرته إلى دمشق في أواخر الثلاثينيات، اتصل بأهل الفن وعلى رأسهم الفنان صبحي سعيد آملاً أن يزيد من معرفته في العزف على العود، ولكن هذا أعلن بعد أن استمع إليه طويلاً، بأن سري طمبورجي من أمهر عازف العود على الإطلاق، ولا يقل عنه مقدرة، وبهذا التصريح من "صبحي سعيد" احتل "سري طمبورجي" مكانته الفنية عند أهل الطرب والفن في دمشق.
جلب "سري طمبورجي" معه من حماة، كل ذكرياته الغنائية الحميمة التي شب عليها في طفولته ومراهقته، والتي حفظها من حلقات الطرب الشعبي الفولكلوري التي كان يتردد عليها باستمرار، وقد انعكس هذا الطرب الفولكلوري الحموي على كل ألحانه الشعبية التي غناها من إذاعة دمشق في مرحلة ما قبل الجلاء وحتى نهاية الأربعينيات، وكانت أبرز الأغاني الفولكلورية التي حملت له الشهرة أغنية "سكابا يا دموع العين سكابا" التي راجت طويلا.
انجرف "سري طمبورجي" وراء التجديد الذي جاءت به الرياح المصرية، ومحمد عبد الوهاب، فصاغ ألحانه الجديدة في القصيدة والمونولوغ بأسلوب هدف فيه إلى التجديد والمحافظة على الروح السورية دون شطط، معتمداً في ذلك على شخصيته القوية، وعلى أدائه المتميز، اللذين رفعاه على سائر المطربين، وأحلاه في مركز الصدارة.
اهتم سري طمبورجي بالشعر، فلحن لأغلب الشعراء المعاصرين والقدامى، وكانت أولى أعماله في هذا المجال قصيدة الشاعر الحموي الكبير "بدر الدين الحامد" "دفنت أشجاني" وغناها في حفل الجامعة السورية عام 1944، فأقام الدنيا وأقعدها بتطريبه البليغ الذي حلق فيه بعيداً. ثم لحن قصيدة "أنا في سكرين" الرائعة، لبدر الدين الحامد أيضاً التي غناها وسجلها لإذاعة دمشق فيما بعد في أوائل الخمسينيات، ثم أعقب هاتين القصيدتين بقصيدة "ابن زيدون" الشهيرة "أضحى الثنائي" معارضاً فيها دون قصد لحن "زكريا أحمد" للقصيدة نفسها التي غنتها المطربة العريقة "فتحية أحمد"، فتفوق فيها على "زكريا أحمد".
غدا "سري طمبورجي" بين ليلة وضحاها، المطرب الأول، وأضحى قبلة الأنظار،وعلى الرغم من وسامته العادية، فقد أحبته سيدة من سيدات المجتمع البرجوازي، وكانت آنذاك زوجة أحد المسؤولين الكبار، وقد ساعدته هذه السيدة في أموره الفنية والمادية، فافتتحت له مخزناً في شارع الصالحية، قريباً من المجلس النيابي لبيع الأحذية، فأحيا بذلك مهنته الأولى التي مارسها في حماه وأتقنها، وغدا مخزنه محجاً لسيدات دمشق رغبة منهن في مشاهدة صاحب أجمل وأقوى صوت، واقتناء أجود حذاء.
شهرة "سري طمبورجي" الكبيرة، وفنه الناجح القوي، دفع بالإذاعات العربية في الأقطار المجاورة إلى التعاقد معه لتسجيل بعض أعماله، فسافر قبل النكبة إلى فلسطين وسجل لحساب إذاعتي الشرق الأدنى ـ لندن اليوم ـ والقدس عدداً من أغانيه الشعبية والقصائد. كذلك لبى دعوة "إذاعة الشرق" في بيروت، فسجل لها على اسطوانات خاصة بالإذاعات عدداً من أغنياته.
ساهم "سري طمبورجي" في احتفالات القطر بالجلاء، ودعم في السنوات القليلة التي تلت الجلاء صعوده الفني، وحافظ على مكانته أمام المطرب والملحن القوي "صابر الصفح" والمطرب "رفيق شكري" اللذين أخذا يزاحمانه على قمة القطر الغنائية، وبخاصة "صابر الصفح" الذي كان يمتلك مقدرة تلحينية كبيرة، وروحاً تجديدية، سبق بها أقرانه.
أغراه المال الذي كان يتدفق عليه من مخزن الأحذية، فقرر التوسع في أعماله التجارية فهجر من أجل ذلك الفن، ونزح إلى بيروت، ودخل في صفقات تجارية عديدة عادت عليه بالإفلاس والخراب، ولم يعش كثيراً بعد ذلك إذ توفي بالسكتة القلبية عام 1956 وهو في الواحدة والأربعين من عمره.
مكانته الفنية:
يمكن تصنيف "سري طمبورجي" كواحد من أعمدة الغناء العربي التقليدي، وما نملكه من آثاره يغلب عليه طابع الأغنية الشعبية التراثية، وفن القصيدة التقليدي.أما التجديد فلم يظهر عنده إلا متأخراً في المونولوغ، ولم يعتمد عليه كثيراً، لأن مفهوم التجديد عنده اختلط بين فن المونولوغ وبين فن الأغنية الدارجة الذي ساد في تلك الفترة، والذي كان يتطلب إيقاعات محددة تحصر الغناء فيها، وتجعله قاصراً عن تحقيق التطريب الذي هو الأساس في الغناء العربي، ولما كان بطبيعته ونشأته الفنية ميالاً للتطريب، فإنه لم يأخذ بالتطور الذي طرأ على الأغنية إلا فيما يعينه على ذلك وبخاصة في القصيدة، فقصر جهوده الفنية عليها وعلى الأغنية الشعبية والمونولوغ.
كان "سري طمبورجي" آخر أعلام الغناء، وبموته فقدت الساحة الفنية ملحناً بارعاً وصوتاً قوياً بقراراته النقية، وبجوابات لا تقل عنها نقاء، ولو أتيح له أن يدرس الموسيقا كما يجب لكان له فيها شأن كبير.
مؤلفاته:
نجح "سري طمبورجي" على الرغم من كونه أرمنياً في تلحين الشعر العربي تلحيناً خلاقاً سبق فيه الملحنين العرب مبنى ومعنى، واتبع في تلحينه  أسلوباً خاصاً به تبوأ من ورائه بدءاً من التلحين وانتهاءً بالإلقاء الغنائي مكانة لم يصل إليها سواه، ويبلغ عدد القصائد التي لحنها سبع قصائد، هي: "نداء المغترب، أنا في سكرين، دفنت أشجاني"، للشاعر الكبير "بدر الدين الحامد" وقصيدة "أضحى الثنائي"لابن زيدون، وقصيدتا "لا تسألوا، هل تذكرين"، للشاعر والقصاص المعروف "حسيب كيالي"، وقصيدة "أحبك لحناً" للشاعر "يوسف جمعة".
أما باقي الأغاني المسجلة والمحفوظة في مكتبة إذاعة دمشق الموسيقية فيبلغ عددها ثلاثاً وعشرين أغنية، منها أغنيتان شعبيتان تراثيتان "سكابا يا دموع العين" و"على دلعونا"، والباقي تتقاسمه الأغنية الخفيفة الدارجة، والمونولوغ، والأغنية الشعبية الدارجة. ومن الأغنيات الخفيفة الدارجة التي سبق بها الرحبانية ودلهم من ورائها على الطريق التي يجب أن يسلكوها أغنيات: "يا أسمر، طل علينا، كان في قمر، فكر فينا" وهذه الأخيرة من نظم عبد الجليل وهبة.
أما في المونولوغ فلحن وغنى من نظم "مسلم البرازي" أغنيتي: "مستني لقاك، تهجروه" ومن كلمات علي كنعان مونولوغ "المحبة" ومن نظم "إبراهيم صايه" "قلبي وفي، وقلبي بإيدي" وفي الأغنية الشعبية الدارجة غنى من نظم مسلم البرازي أغنيات: "يا شمسة الصبحية، سلام وألف سلام، من غير حبايب، صبرك علي، شو عم بتقولي، مع السلامة، ياللا على المرج الأخضر، بحياتك حاجة توعدنا" ومن نظم "أسعد السبعلي" غنى أغنية "الصبحية" و"كيف ها الحلوين" وعنده أغنية وطنية واحدة عناها بمناسبة أعياد الجلاء، هي أغنية "يا هلا بحريتنا" وهي من نظم "مسلم البرازي".
وبالرجوع إلى ما نشرته مجلة "الإذاعة"، والملاحق الإذاعية التي كانت تصدر عن مختلف الصحف الصادرة في الأربعينيات نستطيع أن نضيف الأغنيات التالية مع التاريخ التي أذيعت فيه من إذاعة دمشق التي أنشأها الفرنسيون زمن الاستعمار:
 














































































الأغنية

المؤلف

الملحن ـ المغني

تاريخ إذاعتها

طقطوقة مش قادر يوم أنساك

محمد كمال

سركيس طمبورجي

4 تموز 1943

قصيدة منية النفس

عدنان مردم بك

سركيس طمبورجي

18 تموز 1943

تانجو ما أقدرش أخبي

رسلان نوري

سركيس طمبورجي

21 تموز 1943

قصيدة تعالي

أحمد شوقي

سركيس طمبورجي

4 كانون أول 1943

طقطوقة ما عادش حبك

صلاح جبحنجي

سركيس طمبورجي

4 كانون أول 1943

طقطوقة تفوتني لوحدي

نهاد طرزي

سركيس طمبورجي

12 كانون ثاني 1944

قصيدة أشجاني

عدنان مردم بك

سركيس طمبورجي

12 كانون ثاني 1944

طقطوقة خاصمت قلبي

عزت الحصري

سركيس طمبورجي

 2 شباط 1944

قصيدة بي مثل ما بك يا قمرية الوادي

أحمد شوقي

سركيس طمبورجي

22 شباط 1944

قصيدة هات من الشفتين

عبد الله يوركي حلاق

سركيس طمبورجي

23 شباط 1944

طقطوقة جفيت يا قلبي

إبراهيم كريم

سركيس طمبورجي

23 شباط 1944

 


[1]السيدان نعسان وعز الدين الحريري، والثاني والد الشاعر المعروف المرحوم محمد الحريري، وكان منزلهما منتدى لأهل الأدب والفن.
[2]يقول الأستاذ أحمد الجندي أن ملحن قصيدة "دفنت أشجاني" هو الوجيه "نعسان الحريري" الذي كان يجيد العزف على العود، وان القصيدة المذكورة لحنت بحضوره وحضور سري طمبورجي ولفيف من أهل الطرب. وتسند الإذاعة السورية تلحين هذه القصيدة لسري طمبورجي.
[3]اسطوانة كرتونية، ذات وجه واحد، قياس 70سم و75 دورة في الدقيقة.


صميم الشريف

الموسيقا في سورية|

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق