فؤاد محفوظ

1900ـ1976

العازفون الماهرون على العود في القطر العربي السوري عديدون، ولكن المتميزين منهم قلة، والمستمعون يستطيعون التعرف على العازفين المبدعين من طريقة ارتجالهم لأفكارهم الموسيقية، وحتى في طريقة الارتجال التقليدية المعروفة، لأنهم يسبغون على ارتجالاتهم شخصياتهم التي تميزهم عن غيرهم، وهم ـ أي المستمعين ـ لا يستطيعون التعرف على عازفين بارعين لا يملكون من الصفات الشخصية ما يميز عزفهم، فهم ـ أي العازفين ـ عندهم سواء. والفنانون العازفون المعروفون: صبحي سعيد، فؤاد محفوظ، عمر النقشبندي، محمد النحاس، هم من هذا النوع، وقد نستثني منهم "عمر النقشبندي" على الرغم من أننا لا نملك من الشواهد السمعية الشيء الكثير ـ على وفرتها ـ الذي تجعله ينفرد عنهم بشخصية ذات ملامح واضحة، لأن الشواهد التي بين أيدينا لا تزيد عن 5% من مجموع تسجيلاته التي تدرجه شئنا أم أبينا في عداد العازفين البارعين الذين يفتقرون إلى مقومات الشخصية الفنية.
ويعتبر الفنان المرحوم "فؤاد محفوظ" واحداً من أمهر العازفين على العود في القطر العربي السوري. ولد في معرة النعمان عام 1900، أبوه هو الشيخ "صالح شعبان" من شيوخ الطريقة القادرية الصوفية البارزين، وعلمٌ من أعلام فن الموشحات، وسيداً من سادة "الرقص الشيخاني الصوفي" الخاص بالطريقة القادرية التي وجدت لها مرتعاً خصباً في محافظة إدلب وما جاورها.
ورث فؤاد محفوظ حب كل هذه الفنون من إيقاعات وموشحات ورقص شيخاني ورقص السماح عن أبيه، وبرع فيها وهو بعد مازال غلاماً يافعاً. بعد موت أبيه الذي لم يترك له شيئاً من حطام الدنيا سوى الاسم العطر، تجول وهو مازال في بداية حياته الفنية مع مختلف الفرق الفنية بما فيها فرق مسرح الظل، كعازف عود يترجم بارتجالاته الموسيقية مشاهد التمثيليات.
استمع إلى عزفه أحد الموسيقيين الأتراك، فألحقه بفرقته ـ وهي خليط من الأتراك والسوريين ـ فاكتسب عزفه الطابع التركي السائد آنذاك، وأغنى في الوقت نفسه معارفه الموسيقية بعلوم جديدة لم يكن يعرفها قبلاً.
أحب آلة النشأة كار ـ العود الصغير ـ ومال إليها حتى أتقن العزف عليها ليغدو في برهة وجيزة واحداً من أعلامها.
أراد أن يسبر أغوار العلوم الموسيقية الشرقية كافة، فترك عمله في الفرقة ونزح إلى حلب، واتصل فيها بالشيخ علي الدرويش، وأخذ عنه علم التدوين الموسيقي والإيقاع. وتعمق معه بالمقامات حتى أذهل الشيخ علي الدرويش بسرعة التهامه للعلوم الموسيقية كافة، وعندما قرر الشيخ علي الدرويش الدائم الترحال السفر إلى مصر، وكان تلميذه مضطراً للعمل من أجل كسب عيشه اليومي، أوصى به الشيخ عمر البطش فأسند إليه هذا عملاً في فرقته التي كانت تعمل على أحد مسارح حلب، واستغل فؤاد محفوظ الفرصة ليستفيد من علم الشيخ عمر البطش، فلم يبخل عليه هذا بما أراد ولقنه ما يعرف من أصول الموشحات وأوزانها وضروبها الصحيحة.
انتقل الفنان فؤاد محفوظ بأسرته إلى دمشق إبان الحرب العالمية الثانية، فافتتح في بيته مدرسة لتعليم الموسيقا على العود والآلات الموسيقية الأخرى بعد أن اعتزل العمل نهائياً في المسارح، وانتسب للنقابة الموسيقية، وعمل على إصدار مجلة موسيقية بعنوان "الثقافة الموسيقية".
اختاره المعهد الموسيقي التابع لوزارة المعارف ليدرس العزف على آلة العود، فكان قبلة أنظار المعهد طلاباً وأساتذة، كما اختارته الإذاعة السورية ليترأس فرقتها الموسيقية، ثم انتخب نقيباً للموسيقيين لمدة عامين، وظل بعد ذلك يتنقل في وظائف عديدة إلى أن استقر كأمين لمكتبة الإذاعة الموسيقية.
وفي العام 1976 وافته المنية، دون أن يفتر نشاطه في خدمة الموسيقا والموسيقيين.
أحبت ابنته "أمينة شعبان" وهي كنية الفنان فؤاد محفوظ الأصلية أن تتابع مسيرة أبيها فاحترفت الغناء معتمدة في ذلك على العلوم التي تلقتها من أبيها وعلى ملحنين شباب من أبرزهم الملحن المعروف "سعيد القطب".
وضع فؤاد محفوظ عدداً من الكتب الخاصة بتدريس آلة العود والنشأة كار "العود الصغير" كما وضع كتاباً في أصول تدريس الموسيقا الشرقية، وتعتبر هذه الكتب من الكتب المتداولة بين المدرسين، لسهولة الأسلوب المتبع بها. وهي بصورة عامة لم تقدم جديداً لطلاب الموسيقا الشرقية.
مؤلفاته الموسيقية:
تحتفظ مكتبة الإذاعة السورية في دمشق، بعدد كبير من مؤلفاته الموسيقية التي سار فيها في خطين متوازيين، الأول مؤلفاته التي كتبها في قوالب التراث، والثاني مؤلفاته التي ساير فيها الموجة الدارجة في التأليف الموسيقي والتي اصطلح على تسميتها بالموسيقا المعبرة.
أشهر مؤلفاته في قوالب التراث هي سماعيات من مقامات "الصبا والعراق والحسيني عشيران" وسماعي أزهار، وفانتازي من مقام الراست، ولونغا من مقام زنجران، وأخرى من مقام الراست ولونغا فرحة العيد وتقاسيم مختلفة على العود والنشأة كار من مقامات الحجاز والسيكاه والراست. كذلك سجل سماعي من مؤلفات صديقه الموسيقي "شوقي أفزا".
أما مؤلفاته الأخرى التي يتسم أغلبها بالروح التراثية على الرغم من عناوينها فهي تنقسم إلى رقصات وإلى موسيقا معبرة.
وأشهر الرقصات التي ألفها هي: دلع، والزنبقة، وفرحة. أما مؤلفاته التي تندرج تحت أسماء مختلفة فهي مقطوعات: ذكرى، نسيم الصباح، أجواء الملحن، زهرة النغم، طرف، نظرة، لقاء، حنين، أشواق الصغيرة، لهفة، فكرة، عيون.
وإلى جانب هذه الألحان أعطى مقطوعة حماسية واحدة بعنوان "مارش الوثبة" وانفرد بمقطوعة متميزة هي "بوليرو رجاء" على إيقاعات البوليرو.


صميم الشريف

الموسيقا في سورية|

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق