صبحي سعيد

1897 ـ 1960

الفنان الراحل "صبحي سعيد" عازف قدير جداً على العود، ولكنه كالفنان "عمر النقشبندي" يفتقر إلى الشخصية الفنية المميزة لفنه، والتي تمكن المستمع من التعرف عليه من خلال عزفه، إذ من المعروف، بأن شخصية العازف المتميز تطبع أسلوب عزفه بشخصيته، ويكون عزفه على ضوء ذلك كبطاقة التعريف الشخصية. والعازفون الذين يستطيع المستمع التعرف عليهم من وراء عزفهم كثر، فعدا فريد الأطرش الذي تميز بريشة خاصة في عزفه الجماهيري، ومحمد عبد الكريم الذي طبع عزفه وألحانه بشخصيته، ورياض السنباطي ومحمد القصبجي وجورج ميشيل الكلاسيكيين، ومنير وجميل بشير الإبداعيين، يمكن التعرف بسهولة على المرحوم عزيز غنام وعلى صفوان بهلوان وقدري دلال من وراء عزفهم.
والعازفون البارعون ليسوا بالضرورة من الفنانين الذين طبعوا فنهم بشخصياتهم الفنية، لأن البراعة في العزف من دون العطاء الشخصي في ارتجال أفكار موسيقية، تترجم ما يختلج بنفس العازف من مشاعر وأحاسيس، لا تعطي سوى عازف بارع يشهد الجميع ببراعته، دون أن يقروا بتأثيره، لأن الارتجال لمجرد الارتجال ـ التقاسيم ـ والتدليل على فهم المقامات الموسيقية والغوص وراء نغماتها دون حافز أو مؤثر ذاتي، يظل يدور في إطار البراعة وحدود المعرفة الموسيقية العلمية فحسب.
ولد الفنان الراحل صبحي سعيد في طرابلس الشام عام 1897، واستوطن مدينة دمشق في العام 1915 إبان الحرب العالمية الأولى، واشتهر منذ ذلك التاريخ كعازف عود لا يجارى أمام النخبة من العازفين الدمشقيين.
في فترة الثلاثينيات، وهي فترة الاضطرابات التي سادت القطر العربي السوري ضد الاستعمار الفرنسي بعد فشل الثورة السورية الكبرى، قام بتلحين كل مونولوغات الفنان الشعبي المرحوم "سلامة الأغواني" تقريباً، وتوجه في العام 1933 إلى العاصمة اليونانية مع إحدى الفرق الموسيقية العربية لتسجيل بعض الأعمال التي قام بتلحينها على اسطوانات ثم عاد إلى دمشق لتستقطب شخصيته الفنية جميع العاملين في الأندية الموسيقية القليلة، بالإضافة إلى المطربات والمطربين من المحترفين الذين كانوا يؤمون دمشق من مختلف الأقطار العربية وخاصة من مصر.
في مستهل الأربعينيات لبى الدعوات والعقود التي كانت تعرض عليه، مساهمة منه في تنشيط الحركة الموسيقية، ويمكن القول إن الرحلات التي قام بها إلى بيروت والقدس، أعطت نتاجاً فنياً مثمراً تردد من خلال مؤلفاته الموسيقية الكلاسيكية والألحان التي أعطى لعدد من المطربين والمطربات والتي كانت تذاع باستمرار من إذاعتي القطرين المذكورين.
عاد صبحي سعيد من رحلاته في أوائل العام 1948، ليصبح واحداً من أقطاب فرقة الإذاعة السورية الناشئة التي تسلم فيما بعد رئاستها بتوجيه من الفنان شفيق شبيب.
ولكنه لم يلبث طويلاً حتى شد رحاله إلى مصر، بعد أن أغراه المطرب "محمد عبد المطلب" الذي كان يزور دمشق في إحدى رحلاته الفنية، بترؤس فرقته، وظل يعمل رئيساً لفرقة محمد عبد المطلب مدة عامين، ثم قفل إلى دمشق بدافع الحنين إلى الوطن.
وفي دمشق التف الفنانون حوله من جديد وانتخبوه نقيباً لهم، وعمل من جديد عازفاً على العود في فرقة الإذاعة، وانصرف إلى التأليف، عازفاً عن المناصب الفنية التي عرضت عليه.
كتب صبحي سعيد عدداً كبيراً من المقطوعات الموسيقية في القوالب التراثية، وتعتبر السماعيات التي ألف من مقامات النهاوند والراست والصبا والسيكاه والبياتي والحجاز، بالاضافة إلى أعماله في اللونغا مثل "لونغا هيام" والمقطوعات الأخرى التي تزيد عن الأربعين مقطوعة من أجمل ما كتب في هذا الضرب من التأليف التراثي على الرغم من افتقارها إلى الشخصية الفنية المميزة لها.
كذلك أولى قوالب الغناء التراثية اهتماماً خاصاً، فلحن عدداً من الموشحات من أشهرها موشحة "يا أسيل الخد" التي غناها "بهجت الأستاذ" المعروف فنياً باسم "فتى دمشق" وعدداً آخر من القصائد والأغنيات الخفيفة والشعبية وبخاصة تلك التي غناها سلامة الأغواني وهاجم فيها الاستعمار الفرنسي وانتقد الحالة الاقتصادية والاجتماعية، ومن أشهر تلك المونولوغات: "بلا حسبك" و"ماشفت متل بلادي" و"يا جراد" ولحن للمطربة القديرة ماري عكاوي مونولوغ "أين الحبيب" شعر "د. ممدوح حقي"، "يا طيرة اللي بتغني" من نظم "سلامة الأغواني" وقد كتب الأستاذ هشام الشمعة تحت توقيع الناقد المجهول في مجلة "الراديو والسينما" نقداً موضوعياً جاء فيه:
"أسمعتنا المطربة ماري عكاوي يوم الثلاثاء الماضي أغنية "يا طيرة" من تلحين الأستاذ "صبحي سعيد" كانت من نغمة "البستنيكار" ومع أن المقاطع جميعها بلحن واحد، إنما نجح الملحن في جعله قوياً، وأعجبني منه الوقوف على مقامي العجم والكرد دو كاه، ثم الرجوع إلى النغمة الأصلية بمهارة. والآنسة عكاوي ارتفعت فيها فنياً بقدر ما فشلت في حفلتها الأولى. وهنا لابد لي أن أنبه هذه المطربة إلى أن صوتها يصلح لألحان خاصة عليها أن تعلم كيف تنتقيها، نصيحتي إلى عازف الفيولونسيل أن لا يجعل هدفه إظهار آلته بشكل مزعج وإلى عازف القانون ألا يملأ الأوزان الخاصة بضابط الإيقاع.
ولحن أيضاً للمطرب "أحمد ميرزا" عدداً من الأغنيات منها "ما أحلى الحبيب" من نظم الفنان الراحل "توفيق العطري" و"يا سالبة قلبي" من نظم "أحمد ميرزا" بالذات. كما أعطى للفنان الراحل وضابط الإيقاع الشهير "محمد العاقل" أغنية واحدة من نظم "محمد فريد راضي" وهذه الأغنيات أذيعت كلها من إذاعة دمشق في عامي 1943 و1944.
وبالإضافة إلى هذا كله، اشتهر "صبحي سعيد" من وراء فرقته المكونة من ستة عازفين والتي عرفت باسم "سداسي صبحي سعيد" ومن وراء حفلاتها الأسبوعية التي أعطتها منذ العام 1943 في إذاعة دمشق الفرنسية ولغاية العام 1949 من إذاعة دمشق الوطنية التي أسست بعد الجلاء.
وكما تعلَّم "صبحي سعيد" عزف العود في بداياته على يدي الفنان المصري "أحمد البدوي" علم بدوره عدداً كبيراً من الفنانين الموهوبين، منهم على سبيل المثال: رفيق شكري، محمد محسن الناشف، عبد الغني الشيخ، عزت الحلواني وغيرهم.



[1]راجع مجلة "السينما والراديو" ملحق يصدر عن جريدة السياسة تموز 1943.
[2]عازف الفيولونسيل كان آنذاك الفنان القدير تيسير عقيل ـ فرقة الإذاعة الموسيقية ـ راجع العدد الثاني من مجلة الإذاعة، ملحق مجلة الأحد 9 كانون ثاني 1943.
[3]عازف القانون ـ هو الفنان فوزي القلطقجي ـ المصدر السابق.


صميم الشريف

الموسيقا في سورية|

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق