حلب تكرم الأديب والمبدع رياض حلاق
12 حزيران 2010
وتفتتح معرضاً توثيقياً عنه يستمر لأربعة أيام
تكريم 80 عاماً من عمر مجلة «الضاد» و70 عاماً من عمر الأديب رياض حلاق، و50 عاماً من رحلة رياض حلاق في مجال الأدب والإعلام.
كانت تلك ببساطة مفردات الأمسية التكريمية التي أقيمت مساء يوم الخميس 10 حزيران 2010 ضمن مديرية الثقافة في مدينة حلب في سلسلة أمسيات التكريم التي أخذت مجراها لتكريم مبدعي مدينة حلب مؤخراً، بدءاً بالأستاذ الموسيقي نوري إسكندر مروراً بالأستاذ عبد الله موصللي، وليس انتهاء بالأديب رياض عبد الله حلاق، حيث ما زالت عمليات التكريم مستمرة في مدينة أخرجت مبدعين متميزين والآن تقوم بتكريمهم.
وقد امتلأت الصالة بمحبي هذا الكاتب والشاعر والأديب الكبير، والذي تابع مسيرة والده شاعر حلب عبد الله يوركي حلاق في إدارة واحدة من المجلات الأدبية المتميزة والمرموقة في العالم العربي والمهجر، والتي هي مجلة «الضاد» التي أتمت عامها الثمانين، حيث تم تكريم الشاعر بالعديد من الكلمات التي ألقاها محبوه القادمون من سورية، لبنان، الأردن، وصولاً إلى قصائد أرسلت من بلاد المهجر من أناس عاصروا هذا الأديب وكتبوا في مجلته المعروفة، وإن كانت الظروف وحدها هي التي حالت دون تواجدهم في المدينة لحظة هذا التكريم.
شهادات كبيرة من محبي هذا الرجل:
شهادات عديدة قدمها محبو هذا الرجل تقديراً لمسيرته وعمله الدؤوب في خدمة اللغة العربية، منهم مفتي الجمهورية الشيخ أحمد بدر الدين حسون الذي يقول بأن تكريم الأديب رياض حلاق في هذا اليوم هو تكريم لوالده حامل راية الضاد ويضيف: «كنا في منزل والد المكرم السيد عبد الله حيث سألت مرة أستاذنا الجليل وقلت له: أستاذنا، لماذا أسميتها الضاد؟ فقال لي: أقرأت أشعار شوقي؟ فرددت عليه بالقول بأني قرأت له. فقال: ألم تقرأ البيت الذي يقول: يا أفصح الناطقين الضاد قاطبة حديثك الشهد عند الذائق الفهم. قلت له: بلى قرأته. فرد علي بالقول: أردتها "الضاد لكل ذائق فهم". وقال لي بعد ذلك أنه قام بتسمية ابنه رياض بهذا الاسم لأنه أراد غرسه في أرض الضاد».
ويختم بالقول بأن الكلمة هي الإنسان، وأن خزان الأموال ماتوا وهم أحياء، أما حملة لواء الكلمة باقون ما دامت الكلمة موجودة في الكون، ومنهم الأديب رياض حلاق.
أما نيافة المطران يوحنا إبراهيم مطران مدينة حلب لطائفة السريان الأرثوذكس فيقول بأن مجلة «الضاد» كانت وما زالت مجلة جمعت على ساحتها أمراء الشعر وكبارهم من شعراء الوطن والمهجر مثل إيليا أبو ماضي وزكي قنصل وغيرهم، حيث يأتي تكريم اليوم تكريماً لهذا المجهود المميز ويضيف: «الذي يكرم اليوم هو شخص منذ نشأته جعل هذه المجلة همه الأول، وحاول أن يجعلها كما كان والده يريدها، مجلة لناطقي الضاد، فهي مجلة ليست للسوريين وحسب، هي جسر لعرب الشرق وعرب الغرب حيث كان يكتب فيها العديد من شعراء المهجر والذين كان لهم مكانة خاصة فيها، حيث أبقى المجلة جسراً أدبياً وصلنا مع أدبائنا في المهجر، وجعل شعراءنا وأدباءنا وراء البحار مهتمين بنتاج الفكر العربي ومرتبطين بالوطن الأم».
ويضيف نيافة المطران إبراهيم بأن المكرم اليوم كان شخصاً خدوماً حيث قدم من وقته الكثير من خلال عمله في عدد من الجمعيات الخيرية والاجتماعية حيث ابتعد عن المال ومغريات الحياة طوال مسيرته، وكان طوال الوقت بسيطاً كريماً يخدم الناس بدون مقابل: «كنت تراه حاضراً في كل المهرجانات انطلاقاً من رغبته في مشاركة أفراح الوطن، حيث كان يشعر بضرورة حضوره هذه المهرجانات انطلاقاً من فكرته التي تقوم على أن الفرد يجب عليه المساهمة في بناء الوطن. تكريمه اليوم هو تكريم لأفراد عائلته من ناحية، وتكريم لكل من عمل لأجل مجلة الضاد من ناحية أخرى، وتكريم للوالد المؤسس وصاحب مجلة الضاد الكاتب عبد الله يوركي حلاق من ناحية ثالثة».
من لبنان والأردن:
ولم يقتصر الحضور على سكان مدينة حلب وحدهم، بل تعداه إلى أناس جاؤوا من دول أخرى لمشاركة الأديب الكبير حفل التكريم هذا، منهم المفكر ونقيب المحامين السابق عصام كرم والذي جاء خصيصاً للمشاركة في هذه الاحتفالية برغم مشقة الطريق والتي يقول عنها بأنها لم تكن بالمشقة في سبيل التواجد والاحتفال مع هذا الرجل المميز حيث يقول: «لم يكن الطريق طويلاً وشاقاً علي لأن تكريم رياض حلاق هي مناسبة غالية جداً علي نظراً للوشائج التي تربط بين والدينا (كرم ملحم كرم وعبد الله يوركي حلاق) فضلاً عن أنه كان أقرب إلى الواجب علي التواجد هنا تقديراً لهذا الإنسان. رياض حلاق رجل يستحق كل تكريم فهو الشاعر والأديب والقيّم على الكلمة، وراعي مجلة الضاد التي خلفها له والد كبير هو عبد الله يوركي حلاق والتي ما يزال هو متابعاً لها بطريقة مميزة وبالكلمة الجميلة والأسلوب الذي يشوق القارئ بما فيها من مواضيع متنوعة».
ويضيف بأن لهذه المجلة انتشارها الواسع في لبنان وذات قراء متعددين مضيفاً بأن التكريم الذي يناله رياض حلاق تكريم مستحق ويختم بالقول: «إن كان لابد من أن أقدم شهادة في صديق وأخ، فإنني أود القول أن بأنه رجل استطاع أن يستمر في الإشراف على التراث الذي تركه له والده الأستاذ عبد الله بمثابرة كبيرة وبتألق كبير».
ومنذ سنوات طويلة، وصل إلى مسمع الشاعر عبد الله حلاق بأن هناك طالباً صغيراً في الأردن يهوى الشعر والأدب أحب مجلة «الضاد» وكان يتوق لاقتنائها، فكان أن قام الأديب عبد الله بتقديم الأعداد لهذه الطالب وأصر أن تكون هدية ما يزال يتلقاها بعد أكثر من ثلاثين عاماً وحتى هذا اليوم. هذا الطالب هو الأديب والباحث كايد هاشم الذي جاء من الأردن خصيصاً للمشاركة في احتفالية التكريم حيث يتابع بالقول: «ماذا أقول في عميد الضاد؟ شهادتي فيه قاصرة لأنني من المحبين، إنما أحمد الله على تواجدي هنا في مناسبة تكريمه خصوصاً وأنها المرة الأولى لي التي آتي فيها إلى مدينة حلب لألتقي بأهل الفكر فيها. حلب من المدن التي يعرفها كل عربي حتى لو لم يزرها كونها جزء من وجداننا التاريخي العربي حيث عرفت هذه المدينة منذ وعيت على الدنيا، وأزعم باني عاشق لها منذ تلطف عميد الضاد الأكبر قبل ثلاثين عاماً فأخذ يرسل لي أعداد المجلة هدية حتى هذا اليوم».
ويضيف بأن الرسالة التي حملها رياض المتمثلة في المجلة كانت كبيرة، حيث يتذكر معنا قول رياض والذي قال له ذات مرة: «ربيت مع الضاد وستبقى الضاد ما دمت حياً»، ويضيف: «كانت علاقتي مع والده علاقة المراسلة ولم ألتقه يوماً. أما الأستاذ رياض فقد أسعدتني الأيام بمعرفته وأسرته الكريمة، وتوطدت صلتي به منذ عشرين عاماً. عرفته شاعراً مبدعاً متأملاً مخلصاً لفنه ومترفعاً عن تفاهات الدنيا كريماً عزيز النفس. كما عرفته صحفياً مفكراً مسؤوليته الإخلاص في الكلمة وهاجسه نقاء الضمير حيث التقيته في ندوات عديدة شارك بها في الأردن».
معرض عن حياة الأديب رياض حلاق:
وقد رافق حفل التكريم، إقامة معرض عن حياة الأديب والشاعر المحتفى به رياض عبد الله حلاق أعده ونظمه الكاتب والباحث حسين المدرس والذي قال لنا عن المعرض: «المعرض من إعدادي، حيث يحوي وثائق مستقاة من مجلة الضاد ومطبعة الضاد بشكل عام، ويضم أشعار وكتابات مؤسس مجلة الضاد الشاعر عبد الله يوركي حلاق، ومن ثم ابنه الذي جاء لاحقاً على رأس هذه المجلة حيث يحوي المعرض أيضاً أشعاره والمناسبات التي حضرها والأدباء والشعراء الذين التقى بهم هذا الأديب، إضافة إلى نشاطات مجلة الضاد في المجالات الاجتماعية والثقافية واللغوية. كما يحوي المعرض الصور التي استخدمت والمراسلات التي قام بها عبد الله يوركي حلاق مع شعراء وأدباء من العالم العربي وصوره معهم هو ومن ثم ولده السيد رياض لاحقاً».
ويضيف بأن فكرة المعرض ــ المستمر لمدة أربعة أيام ــ جاءت في البداية قبل خمس سنوات تقريباً مع الاحتفالية التي تمت بمناسبة مرور خمسة وسبعين عاماً على تأسيس مجلة «الضاد»، حيث أقيم معرض كبير في إحدى صالات فنادق مدينة حلب كان فيه التركيز وقتها على المجلة أكثر وعلى مؤسسها أيضاً. ويضيف بأن هذا المعرض مختلف قليلاً عن المعرض السابق كون التركيز حالياً هو على المكرم السيد رياض حلاق، وبالتالي فإن نواة المعرض هي نفس نواة المعرض السابق ولكن مع التركيز على تفاصيل وحياة رياض حلاق أكثر في مجال الثقافة، ومشاركاته في مؤتمرات أو ندوات مختلفة، ويتابع السيد حسين المدرس فيقول: «لمجلة الضاد إسهامات كبيرة على مستوى العالم الأدبي. كانت هناك مجلات مهمة كبيرة ومميزة في مدينة حلب مثل مجلة الحديث التي كان يديرها الأستاذ سامي الكيالي، إلا أن ما يميز مجلة الضاد هو أنها الوحيدة التي استمرت في الصدور، وهي الوحيدة التي كانت لها مساهمة في كل مكان فيما يخص اللغة العربية اجتماعياً وثقافياً».
ويضيف بأن شهادته في الأستاذ رياض حلاق تعتبر شهادة مجروحة لأنه صديق عزيز بالنسبة له، وفي نفس الوقت فهو متابع قديم للمجلة منذ أعدادها الأولى حيث يقول: «لدي الأعداد الأولى من المجلة حتى من قبل ولادتي كون أبي وجدي كانا من المشتركين بالمجلة ومن المتابعين لها. قرأتها منذ بداياتها من العدد الأول وبقيت متابعاً ومستمراً فيها ومطالعاً لها. وأود أن أقول بأنه لولا الأستاذ رياض لكانت هذه المجلة قد توقفت مثل المجلات الأخرى التي توقفت بموت أصحابها. ولكن بعد وفاة الوالد تابع الابن العمل في المجلة، حيث أستطيع هنا أن أقول بأنه لولا القراء لم تكن لتقرأ المجلة، ولولا رياض حلاق ما كنت المجلة لتستمر».
من الجميل أن نحتفل بالمبدعين في حياتهم:
المحتفى به الأديب والكاتب رياض عبد الله حلاق كان ممتناً لكل من تواجد في حفل تكريمه حيث يضيف قائلاً: «اليوم وضعوا على صدري وسام التكريم، ولكن من واجب الوفاء وإحقاق الحق أن أنزع هذا الوسام وأن أضعه على صدر صاحبه الحقيقي، والدي عبد الله يوركي حلاق، وعلى صدر شقيقتي الكبرى "الضاد" لأنها تكبرني عقداً كاملاً».
ويقول الأديب الكبير بأنه يشعر بالسعادة لوجود عدد كبير من الأصدقاء والمحبين في يوم تكريمه والذين كان حضورهم بحد ذاته تكريماً له ويضيف بأن عادة الاحتفال بتكريم المبدعين في حياتهم هي عادة حميدة ويتمنى استمرار فكرة تكريم المبدعين في أثناء حياتهم وليس بعد مماتهم. ويختم بالقول بأن أجمل تكريم هو تكريم المدينة لأبنائها ومبدعيها.
يذكر بأن رياض عبد الله حلاق هو من مواليد مدينة حلب عام 1940، وهو ابن الشاعر الراحل عبد الله يوركي حلاق مؤسس مجلة «الضاد» الحلبية والتي كانت من المجلات الرائدة في سورية، خريج كلية الحقوق من جامعة حلب، ودرس بعد ذلك اللغة العربية حيث عمل مدرساً لهذه اللغة في عدد من مدارس المدينة. ترأس إدارة مجلة «الضاد» عام 1962 بالتوازي مع جهد والده فيها، ومن ثم تابع المسيرة لوحده بعد وفاة والده. متزوج وله ولد وبنت. عضو في اتحاد الصحفيين العرب منذ تأسيسه عام 1969. وعضو في مجلس إدارة أكثر من جمعية من بينها: جمعية العاديات، وجمعية مشاريع الكلمة الخيرية، وله عدة كتب منها «حصاد السنين»، «قطاف الأربعين»، «رحلة العمر» وغيرها.
أحمد بيطار - حلب
اكتشف سورية
صورة تذكارية للأديب رياض حلاق في يوم تكريمه |
جانب من معرض تكريم الأديب الكبير رياض حلاق ومجلة الضاد |
جانب من معرض تكريم الأديب الكبير رياض حلاق ومجلة الضاد |