حفل كورال الحجرة للمعهد العالي للموسيقى

23 11

حول العالم في تسعين دقيقة

حظي الحضور مساء يوم الثلاثاء 11 تشرين الثاني على مسرح مجمع دمر الثقافي بتجربة موسيقية فريدة دارت حول العالم، ضمن برنامج مميز تمّ اختياره بطريقة جعلت الجمهور مشدودَ الانتباه ومتفاعلاً منذ اللحظة الأولى إلى اللحظة الأخيرة، وذلك في الحفل الذي أحياه «كورال الحجرة للمعهد العالي للموسيقى». جاء هذا الحفل ضمن تظاهرة دمشق عاصمة الثقافة العربية، اختار فيه فيكتور بابنكور -قائد الكورال وأستاذ المعهد العالي للموسيقى- سبع عشرة أغنية شعبية وقومية من ستة عشر بلداً حول العالم.
بدأ أعضاء الكورال الأربعة والعشرون الحفلَ بأغنية قومية أرمينية بعنوان «ييريفان عاصمة أرمينيا»، مع أداء منفرد لسعيد خوري ومرافقة على البيانو لجمان عبيد. ولفت اللحنُ الحزين الممزوج بعاطفة الحب والولاء القومي آذانَ الجمهور حيث تمّ تقديمه بأصوات الكورال الأربعة: سوبرانو، وتينور، وآلتو، وباص، بسبب أن الأذن العربية، المتعودة على التوزيع اللحني البسيط المعتمد على الصوت الواحد في الكثير من الأحيان، تبهرها تجربة فريدة كهذه.
منذ الأغنية الثانية، نقل الكورال أداءَه إلى مستوى آخر، فقد صمت البيانو كآلة مرافقة، وتابع الكورال الغناء بدونه. ولعلّ هذا من أصعب ما يمكن أن يواجهه مغنٍ منفرد أو مجموعة منهم، لأن المحافظة على الإيقاع والطبقة الصوتية الصحيحة بدون آلة مساعدة ليست بالأمر الهين، لكن الكورال حافظ على تماسكه وقدم أغانٍ أوربية وآسيوية، بتوازن جماعي لافت.
تبدو الأغاني والموسيقى الشعبية سهلةً وبسيطة، لكن هذا غير حقيقي، فالأغاني الشعبية تعتمد على وضوح وضغط الكلمات والحوارية بين الأدوار المختلفة للرجال والنساء، وهي تعبير عن مشاعر مختلفة، لكنها جميعاً نابعة من إبراز الهوية القومية والخصوصية لثقافة أو بلد معين، لذلك فإن إيقاعها عادة ما يكون نابضاً، وقوياً، وحماسياً، ويتمتع بديناميكية كبيرة، خاصة تلك التي تؤدَّى بهدف إثارة الحماسة أثناء العمل، ومن هذا النوع تمّت تأدية مقطوعتي: «الأحصنة» أغنية الفلاحين الأوكرانيين و«عجلة الفخار» أغنية مجرية.
لكن سرعان ما غير الكورال وجهته، وقدم أغانٍ مميزة من شرق آسيا، حيث كانت أغنية «مكان الصخرة» دراماتيكيةً، وهي من أغاني القتال اليابانية، وتحمل نفس التحدي الصعب بالغناء دون مرافقة. أما أغنية الأطفال الخاصة بشعب المارانو الفلبيني المسلم، فقد قامت أصواتُ الكورال الأربعة بكل الأدوار الممكنة: الإيقاع الطفولي، والمرافقة المتصاعدة، وأصوات النساء العالية، سرعان ما تحولت لأصوات أطفال يغنون معا لحناً بسيطاً مشاكساً ولعوباً؛ وفي كل مرحلة من الأغنية كان هذا اللحن يتصاعد ويتصاعد إلى الذروة في النهاية.
تميز أداء الكورال بكونه أكثر من مجرد أداء موسيقي، فقد كان أداءً مسرحياً في الكثير من الأحيان. ومن خلال الأداء، كان يحاول أن يوصل معنى الكلمات اليابانية، أو الفلبينية، أو الهندية، أو المجرية، أو غيرها؛ حيث يمكن التأكيد أن أغلب الحضور قد استمتعوا بها واستطاعوا الشعور بمعناها رغم كونها بلغات غريبة بالنسبة لمعظمهم على الأقل.
كورال الحجرة للمعهد العالي للموسيقاوعندما حان الوقت لأداء أغنية عربية، فوجئ الجمهور بتوزيع جديد ومختلف لأغنية «زهرة المدائن»، فقد تم استخدام تقنيات موسيقية معقدة وحوارية مميزة بين الأصوات والأفكار التي قدمتها هذه الأغنية. وكما كانت كل الأغاني السابقة تعبّر عن وجع قومي أو مشاعر وطنية ما للبلد الذي أتت منه، فقد كانت هذه الأغنية بالذات تعبر عن وجع غالبية الحضور -وهو القدس المحتلة- وعن حاجتنا للحوار، الذي لم يكن موسيقياً فحسب بل كان فكرياً وعقائدياً، وذلك عندما تداخلت الصلوات السريانية مع نشيد طلع البدر علينا وأذان الصلاة، بانسجام موسيقي ملفت ذكرنا بمؤلفات موسيقارنا المبدع نوري اسكندر. ربما أن هذه الفقرة لاقت استحسان الجمهور لأنها مسَّتهم في الصميم.
بعد ذلك عاد البيانو إلى المرافقة بأغان معروفة، منها: العمل الشهير «تانغو» للمؤلف الأرجنتيني استور بيازولا، المؤلف الذي توفي من سنوات قلائل تاركاً كماً هائلاً من الموسيقى الشعبية الأرجنتينية، و«كالينكا» من الفولكلور الروسي في أداء منفرد لالياس الزيات وأغنية «bessame mucho» من البرازيل، وأغنية الفلاح الأوكراني، حيث قدمت جميعها بتفاعل بين الكورال والجمهور.
تجدر الإشارة إلى أن الكورال كان يمثّل على مر العصور صوتَ الشعب ووجدانه في تقديمه الأغاني الشعبية البسيطة أو التراتيل الدينية أو أدوار الأوبرا على حد سواء.
في نهاية الحفل قدم الكورال أغنيةَ «فوغ دمشق» من تأليف حسام الدين بريمو -وكيل المعهد العالي للموسيقى-، وهي عبارة عن أغنية مبنية على مادة طريفة هي نداءات باعة الخضار في دمشق، فقد كان من الممتع رؤية هذا الكورال يحوِّل المكان إلى لوحة مسرحية طريفة، حيث قدم سوقَ الخضار بطريقة فنية وموسيقية تمتِع الجمهور وتضحكه، وهنا تكمن القوة والسحر الحقيقيان للموسيقى.
المغني سعيد خوري -خريج المعهد العالي للموسيقى 2006 والمدرس في كلية الموسيقى جامعة حمص- قال: «كورال الحجرة بالنسبة لي هو عمل بشكل دائم، معنوي بالطبع وليس مادي، وذلك لأنه إذا نظرنا إلى راتب عضو الكورال نجده لا يساوي ما يبذله من جهد. أنا لستُ راضياً عن واقع الحفلات، فحفلة واحدة كل أربعة أو خمس أشهر لا تكفي، يجب أن يزداد عددها من أجل مزيد من الخبرة المعنوية، ومزيد من التواصل مع الجمهور، وهو أهم ما يتطلبه الغناء على خشبة المسرح». ويتابع «بما أنني مغني منفرد، أستطيع القول أن هناك فرقاً بين الغناء المنفرد والغناء في الكورال، فالغناء المنفرد يعطيك الحرية في طريقة أدائك، فعليك الأداء بصوت مميز لأنك أنت العنصر الأهم هنا، لذا يلزمك جرعات أكبر من الثقة لتستطيع إعطاء كل ما لديك؛ أما عندما تغني في الكورال، فأنت هنا لست العنصر الأساس، إنك جزء من مجموعة عليها الانسجام معاً لإعطاء الأفضل».
أما ماهر رومية -خريج المعهد العالي للموسيقى 2002 ومدرس في كلية الموسيقى بجامعة حمص-، فيقول: «تأتي هذه الحفلة ضمن سلسلة حفلات أقمناها مع كورال الحجرة. في البداية كانت حفلات على النمط الكلاسيكي، ثم أخرى بنمط الجاز، وبعدها حفلات عن مقطوعات عربية موزعة خصيصاً للكورال. أما هذه الحفلة بالذات فهي الثانية من نمط "موسيقى الشعوب"».
من جهتها، تعبر لونا محمد -خريجة المعهد العالي للموسيقى 2007 ومدرسة الصولفيج في معهد صلحي الوادي للموسيقى- عن تقييمها لعملها، وتقول: «أنا سعيدة في العمل في الكورال، ولكني أشعر أنه لا يلبي جميع طموحاتي في النهاية كمغنية منفردة. إن هذا الحفل مميز من حيث تنوع برنامجه، حيث عرّفنا على ثقافات مختلفة من العالم، وهذا ما أسعد الجمهور الذي تزداد شعبية الكورال في أوساطه يوما بعد آخر، ليس فقط في سورية بل أينما كان».
الجدير ذكره أن كورال الحجرة للمعهد العالي للموسيقى هو كورال محترف تأسس 2001، وقدّم حفلاتٍ في سورية، والإمارات العربية المتحدة، والأردن، وأرمينيا.


مالك كورية

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

محب للموسيقا:

من أروع الحفلات التي حضرتها في حياتي.... جهد مبذول و نتيجة رائعة

سوريا

نشوان عبد الله:

بالنسبة لي كطالب عزف يريد أن يكمل طريقه في الموسيقى هذه الحفلات هامة جدا فهي تصقل خبراتنا عن طريق مزج أحاسيسنا وجعلها تتدفق وكانت من أجمل الحفلات التي شاهدتها

سورية