صباح فخري.. عند حلب راحت الأرواحي

24 تشرين الثاني 2014

.

جدل كبير أثارته إطلالة «الأسطورة الحية» على قناة «تلاقي» أول من أمس. المطرب الذي حطم أرقام «غينيس» بغنائه لـ 12 ساعة متواصلة عام 1968، تحدث عن صحته وعشقه للشام وحلب. كان ظهوره موجعاً ومبهجاً في آن واحد، خصوصاً للمتلقي السوري.

مفاجأة لم تخطر ببال متابعي الماراثون الذي تخوضه قناة «تلاقي» السورية هذه الأيام لتحطيم رقم «غينيس» عن فئة أطول برنامج حواري يبث على الهواء مباشرةً. جاء ذلك أول من أمس عندما استضاف القائمون على From Syria With Love في ساعته الثامنة والعشرين المطرب الكبير صباح فخري وابنه المغني أنس.

كلام كثير قيل حول دوافع هذه الاستضافة وسوء إدارة الحوار مع «الأسطورة الحيّة» من جانب مقدمتي البرنامج الطامحتين إلى «غينيس» أريج الزيّات، ورين الميلع، كالاستثمار في تاريخ «بافاروتي حلب» الذي حجزَ له مكاناً مبكراً على سجلات الموسوعة ذاتها بغنائه لـ 12 ساعة متواصلة على أحد مسارح كاراكاس سنة 1968، أو اعتبار هذه الإطلالة مسيئةً إلى صورته الأسطورية في أذهان عشّاق صوته. لكن هذه الإطلالة لم تخلُ من السحر والحنين، ربما عكّر صفوها، ثقل لسان صاحب «اللؤلؤ المنضود». إلا أنّه بدا في حالةٍ ذهنيةٍ جيّدة، وقادراً على التواصل الفعّال، والتدخل في الحوار لإبداء رأيه، كيف لا وهو صاحب مدرسةٍ في الغناء التراثي عزّ نظيرها، وما زالت الأجيال الحالية تنهل منها.

من خلال استضافة فخري، أرادت مقدّمتا البرنامج «توجيه تحيّة إلى حلب، المحافظة المنسية، من قلب الشام، لتكون رسالة حب حاضرةً بصوت صباح فخري، وابنه أنس». هكذا قالت إحداهن مرحّبة بضيفيها. لكن المطرب قاطعها قائلاً: «شلون هلّق هيك. نحن حلبية بس عايشين بالشّام». بعدها، بدأ الحوار الذي استحوذ الابن على حصة الأسد فيه، بينما تدخل الأب مراتٍ عدة ليوضح أنّ غناءه لـ 12 ساعة متواصلة تكرر كثيراً، فلطالما غنّى في حلب حتى ظهيرة اليوم التالي.

كيف تمكنت من شدّ الناس إليك طوال هذا الوقت؟ أجاب: «لأنني موسوعة ومخزون ثقافي، وإذا أردتِ تعداد الأغاني التي أديتها، لا يمكنك إحصاؤها». هل تشعر بالسعادة حين ترى الشباب الهواة يؤدون أغانيك؟ رد فخري: «أجل لأنني أسست مدرسة، ينهل منها كل هذا الجيل، ولدي معهد في حلب يحمل اسمي». لكن ماذا حدث مع صباح فخري؟ هنا أجاب ابنه: «أموره مستقرّة صحيّاً، وتطلب الأمر وقتاً حتى نتمكن من فهم أسباب تدهور حالته الصحية. كانت مجرد تعب وإرهاق». لكن الأب قاطع الابن مختصراً ذلك كله بعبارةٍ واحدة: «حالات نفسية، وهي الحقيقة». ثم أردف مطمئناً جمهوره: «وضعي ممتاز». وحين سألته المذيعة عمّا إذا كان يشتاق إلى حلب والشام في إشارة إلى إقامته مع عائلته الصغيرة في بيروت أخيراً بعد رحلة علاجه في ألمانيا، أجاب ببيتٍ من الشعر: «تشتاقهم عيني، وهم في سوادها... ويشتاقهم قلبي وهم في أضلعي».

وحين حان وقت الغناء، تناول أنس الميكرفون وغنى «يا مال الشام»، ناغمه صباح فخري بجملٍ متعبة سرق منها المرض بريقها. لم يرتو «بافاروتي حلب»، بل طلب من ابنه الغناء لحلب، واقترح «يا رابطه الأبيض على التفّاحي». بادر الابن بطلب المساعدة، فصدح فخري بما يلامس شغاف القلب، رغم تعب الصوت: «يا رابطه الأبيض على التفاحي. عند الحليوة راحت الأرواحي. عند الحليوة صار سحب سلاحي». ثم زاد بمقطعٍ صغير من «خمرة الحب»، مشيداً بغناء ابنه أنس لها، ومؤكداً أنّه الأقدر على تقليده والغناء له في الساحة العربية. وانتهز أنس فرصة إطلالته مع والده على قناة «تلاقي» للدفاع عن نفسه، إزاء ما تعرّض له من ملامة بسبب إحياء والده المتكرر لحفلات وأماسي رغم وضعه الصحي. وقال أنس: «لدى الأستاذ صباح حب للحياة، ورغبة بها، ولقاؤه بالناس يحسّن نفسيته، وهناك مَن شكرنا لأننا أتحنا له المشاركة في حفلات ومقابلات».

وتحدّث المغني الشاب أيضاً عن تكريم والده في «مهرجان الموسيقى العربية» في القاهرة أخيراً، مشيراً إلى أنّه سيسعى إلى استكمال العمل على إصدارٍ خاص من أرشيف والده، بدأ الاشتغال عليه عام 2009. ظهور «الأسطورة الحيّة» على «تلاقي» في غمرة سباقها للظفر برقمين قياسيين في «غينيس»، كان ظهوراً موجعاً ومبهجاً معاً ربما يحار فيه المتلقي السوري، بين الاتكاء على ما بقي من ذاكرةٍ وطنيةٍ تتداعى، أو الاستسلام لألمٍ حارق يعرض «للفرجة» على مرأى من فضائيات العالم. وما زالت القناة مستمرةً في سباقها، لبلوغ 70 ساعة من برنامج حواري طويل، يبث بنحو متواصل بدأ الثلاثاء الفائت ويفترض فيه الاستمرار حتى مساء اليوم.


محمد الأزن

al-akhbar.com

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق