التشكيلي السوري محمد غنوم: اللوحة عمل لا يمكن تكراره

02 أيلول 2014

.

فنان تشكيلي خلق بما قدمه حالة فريدة، ووجد بالخط العربي ما لم يجده في أي عنصر آخر، فاختار الخط العربي ليكون المفردة التشكيلية الأساسية في أعماله، فوظفه بلوحاته بأسلوبه المتميز، فلم يكن ما وصل إليه محمد غنوم بمحض المصادفة إذ كانت نتيجة طبيعية لما أسس له عبر مراحل حياته المختلفة.

غنوم عشق الفن التشكيلي منذ طفولته وحمل دفتر الرسم والألوان قبل حقيبته المدرسية. الفنان غنوم صاحب المرسم الذي قد يكون الأكبر في سورية لفنان سوري لم يكتف بنيله لإجازة في الفنون الجميلة «تصميم داخلي» كلية الفنون الجميلة جامعة دمشق إذ حصل في عام 1992 على دكتوراه فلسفة في علوم الفن، كما أنه شغل لسنوات طويلة العديد من المناصب منها: رئيس جمعية أصدقاء الفن في دمشق منذ عام 1996، ومدرس ووكيل المدرسة العربية في موسكو من عام 1987-1992، والفنان مشارك فعال في عدد كبير من المهرجانات والبيناليات العربية والدولية، وله ما يزيد على 60 معرضاً فردياً داخل وخارج سورية حتى الآن، وحصل عبر مسيرته على عدد من الجوائز (الشراع الذهبي الكويتي عام 1981، والجائزة الأولى من مسابقة الخط والموسيقا في أوبرني فرنسا عام 2000 والعديد من شهادات التقدير)، واليوم جزء كبير من أعماله موجود في عدد من المتاحف في سورية وأوزبكستان وروسيا الاتحادية والأردن، وفي عدد كبير من دول العالم.

الفنان محمد غنوم حل ضيفاً على صفحات الوطن السورية وكان هذا اللقاء:


■ يشكل الخط العربي العنصر الأساسي والدائم في أعمالك، فما السر وراء ذلك؟
■ ■ الخط العربي رسم للحروف بشكل جميل أي إنه نوع من أنواع الرسم وفن بصري بكل ما في الكلمة من معنى، واختياري مفردة الخط أو الكلمة أو الحرف العربي في اللوحة كاختيار أي فنان لمفردة تشكيلية معينة. برأيي الشخصي الحرف والخط العربي قادران على التعبير عن مشاعرنا وأحاسيسنا وأن يحملا هموم وقضايا العصر، ومن خلال هذه اللغة البصرية استطعت أن اعبر عما أريد ووجدت في هذه المفردة التشكيلية ما أصبو وأهدف إليه، لذلك وضعتها كمفردة تشكيلية أساسية تبنى عليها كل عناصر التشكيل، وعندما رأيت تفاعل الجمهور والناس وإعجابهم بلوحاتي التي لم تعد تطرح بالشكل المألوف والتقليدي والكلاسيكي ازدادت قناعتي بأن هذا الاختيار كان موفقاً.

■ هل لوحاتك تلقى التفاعل ذاته من الجمهور الذي يعد اللغة العربية لغة غريبة عنه؟ وعلى أي أساس ينظر للوحة أجمالي أم هناك سعي لفهم الكتابة؟
■ ■ في الخط العربي قضية مهمة جداً لا ينتبه إليها الجميع ولكن ينتبه إليها من يتذوق الفن بشكل عام وليس العربي فقط، فالفن التشكيلي لغة عالمية وفي الخط العربي موسيقا والحروف بصعودها وهبوطها واتجاهاتها والتفافاتها وتكويناتها المختلفة تسمعنا موسيقا عذبة، وعندما نرى لوحة خطية عربية نشعر أن بداخلها موسيقا.

وبرأيي هذا ما جعل الأجانب من غير الناطقين بالضاد يتفاعلون مع اللوحات إذ يحسون بالموسيقا ويطربون للألوان والتكوينات القادمة من الشرق، وبالفعل كان هناك تفاعل كبير من قبلهم، وهذا ما دفعني لإقامة أكثر من 30 معرضاً في مدن مختلفة من العالم «روما، باريس، موسكو، برلين...». أقول بصراحة: لا يوجد فنان يستطيع إرضاء كل الأذواق ولكن بشكل عام كان هناك ليس قبولاً فقط وإنما إعجاب.

■ اخترت الخط العربي مفردة تشكيلية أساسية في جميع لوحاتك، ماذا عن العناصر الأخرى في لوحاتك؟ وهل هذه المفردة كفيلة بالإيحاء عن المراد إيصاله؟
■ ■ الخط العربي فن تجريدي بكل ما في الكلمة من معنى وهو منتهى التجريد، على سبيل المثال لوحة عن الحب، فالموسيقا الموجودة في اللوحة والتكوين والألوان والحركة والتوزيع كلها تنبع من مفهوم الحب، وذلك يغنيني عن الأشكال التشبيهية.

ففي داخل كل حرف عربي سرّ، وهذا الكلام ليس مبالغاً فيه لأن اللـه عز وجل اختار أن يكتب كتابه العظيم «القرآن الكريم» بالحرف العربي، ولو لم يكن هذا الخط قادراً على أن يحمل كل تلك المعاني والمضامين المقدسة لما اختير لأن يكون للقرآن الكريم.

وفعلاً الخط العربي قادر كما قلت على التعبير عن قضايا معينة، ومن خلاله تمكنت أن أقوم بما أريد وما أريد أن أعبر عنه، أما فيما يتعلق بمدى نجاحي بهذه القضية فهو يتعلق بمن يشاهد ويتفاعل ويقتني، وبصراحة منذ معرضي الأول عام 1979 إلى الآن أرى أن الجمهور يوماً بعد يوم يتسع، وفي النهاية عملت بقناعاتي وأنا مقتنع بهذا الموضوع.

■ أسلوبك المتميز صنع حالة خاصة بك، اليوم عندما ترى لوحة قربية من أسلوبك وليست لك، كيف تنظر إليها؟ وإلى أي حد مقبول لك أن يستنسخ أحد أعمالك؟
■ ■ الاستنساخ موجود واستنساخ اللوحة كاستنساخ الشعر والدراما والأغنية، كما أن التصوير الفوتوغرافي جعل من اللوحة ملايين النسخ، ولكن ما يتعلق بتجربتي هناك الكثير من الرسامين استفادوا من تجربتي فأخذوا بعض المقاطع من اللوحات وبعضهم الآخر استنسخها، فالعمل الفني الأصيل والجميل لا يخفي نفسه أبداً، وعندما أرى لوحة لأي فنان استخدم بها الخط العربي وتمكن أن يوظف جوهر هذا الخط، بالتأكيد أنظر إليها بكل إعجاب واحترام.

نرى اللوحات المستنسخة بكثرة في دول الخليج والهدف الارتزاق إذ يتم الاعتماد فيها على وجود آية كريمة مقدسة، ولكن في الحقيقة القصة تختلف عن ذلك، فالخط العربي فن تم العمل عليه آلاف السنين وخاصة بعد مجيء الإسلام أي منذ 1400 عام إلى الآن، وهناك مباراة حقيقية بين فناني العالم كله لأن يكون الخط بأجمل صورة، كما أن الثقافة الإسلامية الواسعة بشكل خاص عملت على الخط العربي.

■ رغم أن الخط العربي هو القاسم المشترك في جميع أعمالك إلا أن كل لوحة لها خصوصيتها وتميزها، فما السرّ الذي يكمن وراء ذلك؟
■ ■ كل لوحة يتم العمل عليها لها طقوس خاصة وحالة معينة وليدة تلك اللحظات، واللوحة لدي عمل لا يمكن تكراره رغم أنه قد يكون متشابهاً، وأشبه هذا بالحياة، فأنا أرى أن حياتنا كلها تتشابه ولكنها لا تتطابق.

فكما قلت إن الفن الأصيل يفرض نفسه، فاللوحة هي هذا المولود الشرعي للفنان المبدع وذلك يعني أنها احتضنت ضمن مناخ وبيئة وجو مناسب ومرت بكل مراحل الشرعية أي بدأت فكرة ثم كبرت ووضعت لها الدراسات وبعد ذلك تجسدت حتى كملت فكانت هذا المولود الجديد الذي هو اللوحة.

■ ماذا عن النقد الفني معك؟
■ ■ هنا لا بد من التمييز بين النقد والانتقاد، النقد دراسة وقراءة للعمل وهو مهم وضروري ليس فقط في الفن التشكيلي، كما أنه خط مواز من الإبداع، فلوحة الجيوكندا منذ 600 عام وهم يقرؤونها ولو لم تقرأ بهذا الكم لما اشتهرت، أما أن يتم البحث فقط عن الأشياء السلبية فهذه مشكلة حقيقية.

فعندما يقرأ أحد لوحة لي أكون سعيداً ففي ذلك فائدة، ومن خلال النقد الذي يوجهه أدرك العديد من الأمور التي لم أكن أراها.

■ تشغل العديد من المناصب التدريسية، برأيك ما أهمية أن يصقل الفنان موهبته بالتحصيل العلمي؟
■ ■ البعض يعطي الموهبة كل شيء وآخرون الدراسة، في حين يجمع البعض بينهما، ولكن من خلال تجربتي أقول إن الدراسة مهمة جداً، وإذا لم توضع الموهبة بمكانها الصحيح تقتل، الدراسة هي المناخ المناسب لنمو الموهبة بشكل جيد ولكي تعطي الموهبة نتائجها.

الفن فكر والفكر لغة عمل وجهد، كل الفنانين الكبار عندما نقرأ سير حياتهم نرى مدى الجهد الذي بذلوه رغم عدم وجود العديد من الأكاديميات في ذلك الوقت، وفي النهاية الدراسة لا تغني عن الموهبة.

■ ما تقييمك للساحة الفنية التشكيلية؟ وهل الفن لايزال يعني العزلة؟
■ ■ الفن التشكيلي نمت جماهيريته ولكن خلال السنوات الثلاث للأزمة تأثرت الساحة الفنية التشكيلية بشكل سلبي، الأمر الذي انعكس على الفنانين التشكيليين، المعارض قلت وظروف العمل أصبحت صعبة وكذلك العديد من الفنانين غادروا سورية.

ولكن إن شاء اللـه فالأزمة ستمر والتعافي منها لن يكون طويلاً، والأمل بالمستقبل كبير.

■ كرمت وحصلت على العديد من الجوائز داخل سورية وخارجها، ماذا يعني لك ذلك؟
■ ■ الجائزة نوع من الشكر والتقدير للفنان في وقت ولحظة معينة، كما أنها تعطي دافعاً، وأن يكرم الفنان وهو حي أمر ضروري، وبشكل عام أي فنان يحب التكريم ولكن ذلك ليس كل همه، سعدت كثيراً عندما كرمت من دول وجهات لا يجمعني بها أي صلة ولا معرفة مسبقة.

■ هل اختارك الفن أم أنت الذي اخترته؟
■ ■ لا أذكر يوماً في حياتي لم أمارس فيه الفن، والرسم لي كالأوكسجين، أحببت الرسم كثيراً منذ طفولتي، وفي اليوم الذي دخلت فيه إلى المدرسة الابتدائية قبل أن احمل الكتب حملت دفتر الرسم والألوان، إذ كانت المدرسة لي مكاناً للرسم، وسرعان ما اكتشف الاساتذة فيما بعد موهبتي وشجعوني على صقلها والأمر ذاته بالنسبة لعائلتي.

وأنا ابن الغوطة بجمالها وأشجارها وألوانها وبفروع بردى، أي أني ولدت في مناخ بغاية الجمال كل ذلك كان حافزاً للاتجاه للفن البصري، وعندما كبرت درست الفن بشكل أكاديمي إذ وجدت نفسي فيه وعلى هذا الأساس اكملت دراستي وحصلت على دكتوراه في علوم الفن.

■ أخيراً، هل من معرض جديد خاص يتم التحضير له؟
■ ■ أنا من الفنانين الذين تأثروا كثيراً خلال الأزمة ولاسيما أن لدي مرسماً قد يكون الأكبر في سورية لفنان سوري، هذا المرسم للأسف دمر وفيه عمل ثقافي كبير جداً، وهذا المكان كان لي مهماً لعملي الفني لأني خلقت به الجو المناسب، ولكن هذا لا يعني النهاية، اليوم اعمل على تجهيز مرسم جديد وعدت للرسم والإنتاج ولدي مشاريع كبيرة للمستقبل، وحالياَ لست غائباً عن الساحة من خلال مشاركاتي بالمعارض الرسمية، وإن شاء اللـه فالمستقبل أفضل.


لودي صارجي

الوطن السورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق