مسرح الهواء الطلق: الخروج بالخشبة إلى مكان مفتوح

28 08

عن نص لمحمد الماغوط ضمن فعاليات مهرجان المحبة التاسع عشر

لا أحد يعرف بالضبط لماذا ينجح عرض مسرحي ما، ولكن من المؤكد أن الأعمال الكوميدية هي التي تنال موقعاً في نفس الجمهور، عندما يستطيع النص، إذا كان جيداً، أن يطغي على كل التقنيات والفنيات الأخرى التي يتطلبها العرض المسرحي، ويسيطر على المشاهد.
هذا ما أهل العرض المسرحي «المهرج» ليكون تجربةً مميزة ولكن من خلال شكلٍ جديد على مسرحنا هو مسرح الهواء الطلق، والذي قُدّم في اللاذقية ضمن فعاليات مهرجان المحبة التاسع عشر عن نص لمحمد الماغوط، من إخراج غزوان قهوجي والتي كانت مغامرة بالنسبة لكادر العمل، بعد أن حصلوا على المركز الأول في مهرجان الماغوط الثاني هذه السنة، ولكن على خشبة مسرح وصالة، واستطاع الممثلون شدّ الجمهور وإدخاله في لعبتهم المسرحية عبر بعض الاقتراحات التي كانت موفقة من قهوجي الذي كان جالساً بين الجمهور يجاهر بصوته كلما أحس بتشتت الحضور.
ما يضعنا أمام اختلاف تقنيات وأسلوب التعاطي تخص عرض الهواء الطلق. فبينما تكون تجهيزات الصوت والإضاءة والكواليس وغيرها من التي يشتغل عليها وفي تجهيزها فنيون كثر في العرض المغلق، نجد أن مهمتهم ثانوية وليست بتلك القوة في عرض الهواء الطلق. حيث سيستغل الممثل على الخشبة الطاقة القصوى من صوته وملكاته لكي يغطي على انفتاح مجال الصوت المحدد بالصالة في المسرح المغلق.
هي تجربةٌ عريقة في الغرب وتنال إقبالاً منذ أن بدأ المسرح بها، كما فعل «موليير» وغيره من المسرحيين الذين استطاعوا تشكيل فرقة خاصة بهم، فكانوا ينتقلون مع عددهم وطاقمهم الفني والتمثيلي إلى القرى أو المناطق المجاورة، ومعهم الخشبة جزءاً من تجهيزاتهم التي سيركبونها في الساحة العامة، وهي بالطبع ليست بالضخامة التي توازي خشبات المسرح الثابت ولكن تكفي لتقديم عرض بتقنيات بسيطة.
لكن هذه التجربة ولفرادتها بدأت تدخل إلينا في أشكالٍ مختلفة ناتجة عن اختلاف تجربة المسرح بيننا وبينهم، بعد أن شهدنا نماذج قدمت إلينا من العالم هذه السنة موسيقية ومسرح سميت عروض الشارع، تتلاقى مع الهدف العام من مسرح الهواء الطلق حيث التجديد في أدوات المسرح وخرق قوانين عرضه الأساسية، ولا بد هنا من الإشارة إلى عرض التخرّج المميز الذي قدمته دفعة السنة الرابعة في المعهد العالي للفنون المسرحية «حلم ليلة صيف» قبل سنوات والذي كان بإشراف المسرحي فايز قزق عندما اقتطع جزءاً مهملاً من حديقة تشرين وحوله إلى فضاء مسرحي كان بقعة من الأرض بشجرها ومائها وبيوتها، جلس الجمهور على كراسي تبعد عن أرض المسرحية، ووزعت الإضاءة التي كان لها سحرها الخاص، باستخدام صوت الممثلين الطبيعي دون مكبرات صوت، لنكون أمام تجربة خاصة جداً من مسرح الهواء الطلق، لم يكن متحركاً كالعرض الذي قدمه طلاب السنة الثانية في المعهد العالي للفنون المسرحية «العابرون» قبل أشهر من السنة الدراسية الماضية بإشراف سامر عمران حيث بدأ في مكان وانتهى في آخر، مع مرافقة الجمهور الذي كان يمشي مع العرض، في اختبار لقدرة الممثل وتجربة شكل آخر من المسرح غير المقيد بمكان أو شكل. ويمكننا أن نضيف إلى هذه التجارب تجربة غزوان قهوجي التي حملت خصوصية الهواة وفقر التمويل، والتخديم التقني لكنها استطاعت أن تتجاوز الإعاقات وتصنع شكلها الذي أحبه الجمهور وتفاعل معه.
حيث غاب كلّ ما يمكن أن نجده في المسرح سوى منصة خشبية من دون جدران، افترش الأرض حولها جمهور متنوع بكل فئاته العمرية ابتداء من الأطفال الذين استمتعوا باكتشاف آليات عمل المسرحية، عندما كانوا يتلصصون على الكواليس التي لم تكن متاحة للممثلين إلا من خلال ارتفاع أقل من متر غطى خلفية المنصة من الأسفل فكان الممثلون يدخلون إليها بصعوبة ليضعوا المكياج أو يأخذوا شيئاً من اللوازم.
وعلى عفوية هذه التجربة وبساطتها سنرى بأن نجاحها في شدّ الجمهور والتفاعل معه يؤهل لتوسيع هذه التجربة والعمل عليها على نطاق أكبر، لأنها تقوم على قدرة الممثل، والنصّ الحيوي الذي سيشد المشاهد لمتابعة العرض عندما تعطى له حرية الجلوس والمشاهدة الزمن الذي يريده، فهذه الأعمال لا تحتمل إلا افتراضين إما النجاح وإما الفشل.


الوطن

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق