نضال سيجري في ذكرى وفاته الأولى: أيها السوريون العظماء سورية تبكيكم
21 تموز 2014
.
سيبقى الحادي عشر من تموز من عام 2013 يوما حزينا في تاريخ الفن السوري لأنه اليوم الذي انتهى فيه صراع فناننا الكبير الراحل نضال سيجري مع المرض ليودع فيه نجم ضيعة ضايعة أحباءه ومعجبيه ويصبح ذكرى حزينة تسكن قلوبهم.
وعندما رحل نضال اكتست خشبة المسرح السوري بالسواد وهذا القول تحول من إطار المجاز إلى الفعل لأن جثمانه سجي على خشبة المسرح القومي في اللاذقية بناء على وصيته من فنان عشق أبا الفنون حتى النهاية وكان تلميذا نجيبا في المدرسة المسرحية السورية وترسم خطوات روادها حتى في الموت الذي خطفهم مبكرا كفواز الساجر وسعد الله ونوس.
وعلى مدى سنوات عمره التسع والأربعين كان بطل مسرحية حمام بغدادي كمن يحرق المراحل ليحقق الأحلام التي عاشت في مخيلته منذ أن كان طفلا يلهو في مسقط رأسه باللاذقية لتكون حصيلته الفنية خلال مسيرة استمرت قرابة العشرين عاما تضم أكثر من خمس عشرة مسرحية للمسرح القومي ومسرح الطفل وعشرة أفلام سينمائية روائية وقصيرة وأكثر من ثمانين تمثيلية ومسلسلا تلفزيونيا ليكون الرابط بين هذه الأعمال قدرة سيجري الفريدة على الإتيان بشخصيات جديدة مع كل عمل دون الوقوع في أسر التكرار والنمطية.
وما بين الواقع والتمثيل يصح وصف شخصية نضال سيجري بأنه طفل كرجل وعظيم كممثل وكان المحيطون به يستغربون كيف يستطيع هذا الإنسان الوديع أن يتحول إلى شخص آخر على خشبة المسرح أو أمام عدسات الكاميرا فكأنه يحول الأمه وأوجاعه إلى طاقات كامنة تفلح الأرض.
ولا أدل على ذلك أنه عندما بدأ تصوير الجزء الثاني من عمله الأشهر ضيعة ضايعة كان المرض بدأ ينتشر في بدنه ولكنه لم يتوقف وتحامل على آلامه وجلسات العلاج الصعبة ليختتم حكاية قرية أم الطنافس ومصيرها الذي ينتظرها.. أما عمله الأخير /الخربة/ فشارك فيه بعد أن فقد صوته نهائيا وانتشل الأطباء له حنجرته المريضة.
ولكن ألم نضال من المرض كان يهون أمام وجعه على وطنه عندما تلمس بحساسيته ما ينتظره فتحول الفنان إلى ساحة العمل الوطني وتشهد له مشاركاته في جلسات الحوار ولقاءاته مع كل الأطياف بسعة أفقه وإيمانه بوطنه.
لم يكن مبدع شخصية أسعد خرشوف فنانا سوريا عجن بالإبداع والموهبة الأصيلة فحسب بل كان قبل ذلك ابنا بارا لسورية الأم العظيمة كما وصفها دائما ببحة حنجرته حتى فقدها وهو يدعو أبناء جلدته للاحتكام إلى الحوار ونبذ السلاح.
ومن كلامه ستعرفونه فكم من مرة صرخ متألما «سورية عم توجعني» وكم من مرة نادى أبناء جلدته والحزن يستصرخه «أيها السوريون العظماء سورية تبكيكم» ألم يناد للحوار عندما قال: «أيها السوريون نرجوكم اجلسوا إلى الحوار.. هذا بلدكم وهؤلاء مواطنوكم»، ألم يرفض التدخل الخارجي ولما يسوق له البعض عندما قال «نريد حلولا سورية بأيد سورية من سوريين بامتياز».. بلى قال ذلك كله وطالب أيضا بأن يعمل الجميع من أجل مصالحة شعبية.
ولكن حزن نضال على سورية وهو يذوي شيئا فشيئا ويقترب بخطواته من الموت لم يفقده إيمانه بها وبنصرها فكتب قبل رحيله بثلاثة أشهر «من هم أجداده هؤلاء العشاق.. سلطان باشا الأطراش.. ابراهيم هنانو.. فارس الخوري.. يوسف العظمة.. حسن الخراط.. عز الدين القسام.. جول جمال.. الشيخ صالح العلي.. أبو خليل القباني.. بدوي الجبل.. وغيرهم الكثيرون من العشاق فعليه ألا يخاف».
وقد يكون الوفاء الأكبر لهذا الفنان في ذكرى رحيله الأولى أن نعمل بمقتضى دعوته عندما طالب السوريين بأن يحبوا بعضهم البعض وهذا واجب وحق على كل أبناء الوطن قبل أن تكون وصية نضال سيجري الأخيرة.
سامر الشغري
سانا