الدكتور إحسان الهندي يستعرض إبداعات سورية ما قبل الميلاد

17 02

نحن أقدم حضارة أنتجت ظاهرة المثاقفة

دام حكم الدولة السلوقية في بلاد الشام والبطليموسية في مصر ثلاثمائة عام، وخلال هذه الفترة نشأت حضارة يونانية خاصة في هاتين الدولتين أطلق عليها المؤرخون الحضارة الهيلينستية وتعني بدقة اليونانية الغربية مضافة إلى حضارة الشرق، وهي الحضارة التي تناولها الدكتور إحسان الهندي في محاضرته «إبداعات سورية في مرحلة ما قبل الميلاد» في المركز الثقافي بأبي رمانة في السابع عشر من شباط 2008، وأراد بها الدكتور إحسان الإشارة إلى أن هناك باقة من المبدعين السوريين الذين عاشوا في بلاد اليونان وكتبوا باليونانية ودونت معارفهم وعلومهم باسم الحضارة اليونانية وهم حقيقة سوريون تلقوا علومهم وثقافتهم الأولى بلغاتهم الأم الأصلية من آرامية وفينيقية وما شابه ذلك وبقوا في أعماقهم سوريين، ولذا من حقنا أن نعتبرهم مبدعين سوريين.
استهل الدكتور الهندي محاضرته بلمحة تاريخية وكانت البداية من «عام 323 ق.م عندما هاجمت جيوش الإسكندر المقدوني سورية من جهة الشمال فتصدت لها قوات الفرس التي كانت تسيطر على سورية في موقعة "إيسوس" وذلك قرب مضيق "بوان" في لواء الإسكندرون حالياً وكان النصر للقوات المقدونية التي تابعت تقدمها واحتلالها لسورية الكبرى ومصر وبلاد ما بين النهرين وتابعت تقدمها حتى وادي السند ولكنها توقفت وعادت أدراجها إلى بلاد ما بين النهرين بسبب وفاة الإسكندر في مدينة بابل عام 323 ق.م وخلفه في الحكم قائدان عسكريان هما سلوقس منشئ الدولة السلوقية وعاصمتها أنطاكية في سورية والتي انتهت رسمياً عام 70 ق.م باحتلال الرومان لسورية على يد القائد الروماني "بوبيوس"، والقائد بطليموس منشئ الدولة البطليموسية في مصر وعاصمتها الإسكندرية، وكان آخر ملوكها كليوباترا، وانتهت باحتلال الرومان لها عام 30 ق.م».
ويتابع الدكتور الهندي «من هنا يتبين لنا أن هاتين الدولتين دامتا حوالي 300 سنة، وفي هذه الفترة نشأت الحضارة الهيلينستية واكتسبت فلسفة وعلوم بلاد الشرق فشهدت حقبة ازدهار تناولتُها في محاضرتي هذه من جانب المبدعين العشرة الذين سأتحدث عنهم لاحقاً وشكلوا في حقبة ما قبل الميلاد ظاهرة "المثاقفة"».
فيما يتعلق بالإبداعات السورية في مجالات العلوم والفلسفة ذكر الهندي ثلاثة أسماء وجدهم على قدر عال من الأهمية وهم «"بوذي دونيوس" الذي اشتهر في مجال العلوم الموسوعية وجملة من العلوم المعروفة حتى يومنا هذا من فيزياء وفلك وفلسفة ومنطق وعلم الأنواء الجوية وانتهاء بعلم التكتيك العسكري وثانيهم "زينون الصوري" ناشر الفلسفة الأبيقورية (فلسفة اللذة) نسبة إلى منشئها أبيقور، وآخرهم "فيلوديموس" من مدينة أم قيس مقابل مدينة الحمة السورية في الأراضي الأردنية وقد كان شاعراً بقدر ما كان فيلسوفاً.
أما في مجال الأدب والشعر فقد تطرق المحاضر إلى سبعة أعلام انطلاقاً من «ميليا غروس مبدع الأسلوب الشعري المسمى "أبيغراما" وهي القصيدة التي تتألف من بيتين وحتى أربعة عشر بيتاً، وقد اشتهر شعره بالغزل وهو أول شاعر سوري، وقد نسب إليه بعض النقاد بأنه منشئ المدرسة السورية في الشعر، وقد كتب حوالي مائة وخمسين أبيغراما وثلاثة دواوين أهمها ديوانه "شيفانوس"» أي الإكليل، وهو إكليل الورد والزهور، وقد بلغ ميليا من الشهرة كما ذكر الدكتور الهندي «ما جعل خمسة من الأكاديميين الأوروبيين يتقدمون بأطروحات نيل شهادة الدكتوراه عن شعره، كما أن محمد السلموني من مصر تقدم برسالة ماجستير عن شعره بعنوان "ميليا غروس السوري رائد شعر التشبيب". ويليه العالم الفلكي "آراتوس" صاحب كتاب "الظواهر" وفيه يتناول شعراً الأجرام السماوية والأفلاك، ويضم أكثر من 1500 بيت شعري، وجميع الظواهر التي تحدث عنها هي ظواهر علمية أثبت العلم صحتها حالياً وخاصة في مجال الفلك، وبناء عليه أطلق علماء الفلك المعاصرون على إحدى فوهات القمر اسم فوهة آراتوس نسبة إلى هذا الفلكي السوري. كما اشتهر "أنتي باتر" الصيداوي بالشعر الاجتماعي، و"بيون الأزميري" بالشعر الدرامي وأهم مؤلفاته الملحمة الشعرية في رثاء "الفتى الجميل أدونيس" التي تعد من أجمل القصائد وأكثرها حزناً، وأما "بابريوس الكيليكي" فقد اشتهر بقصائده على ألسنة الحيوانات مثل قصيدة "النملة والصرصار" أو على ألسنة النباتات مثل قصيدة "شجرة البلوط ونباتات القصب"».
الشيء الهام الذي أشار إليه الدكتور الهندي عند بابريوس أن «أغلب قصائد الشاعر الفرنسي الحديث "لافوتين" المصاغة على ألسنة الحيوانات قد أخذت من قصائد الشاعر السوري وإن واحدة منها وهي "النملة والصرصار" قد سرقت حرفياً وبكاملها». وخص الشعر الفكاهي بالشاعر أرخياس الأنطاكي. وأخيراً أراد المحاضر أن يضيف الشاعرة بيليتس ولكنها تخرج من الزمان والمكان فهي زمنياً قبل هؤلاء الأعلام بثلاثة قرون، وأصولها ليست سورية خالصة فهي من أب يوناني وأم فينيقية سورية.
يرى الدكتور الهندي أن «ظاهرة المثاقفة والامتزاج بين الحضارة اليونانية والحضارات الشرقية والتي نجم عنها "الحضارة الهيلينستية" ليست ظاهرة فريدة في التاريخ إنما تكررت على مدى الحضارات، ففي الأمة العربية الإسلامية كان ابن سينا والفارابي والخوارزمي وجميعهم من الفرس والتركمان ولكنهم نطقوا بالعربية وكتبوا بالعربية ومن حق العرب أن يعتبروهم عرباً ومن حق شعوبهم الأصلية أن تنسبهم إليها، ويقاس عليهم أيضاً ابن عربي وابن عبد ربه والمقري وهم أيضاً كتبوا بالعربية ولكنهم إسبان ومن حق إسبانيا أن تعتبرهم أندلسيين ومن حقنا أن نعتبرهم عرباً في الوقت ذاته.
«لعلني أجد الفرق في كل ما ذكرته، أننا كنا مصدّرين للإبداع ما قبل الميلاد بينما الآن نستورد المبدعين في زمن الحضارة الإسلامية. ما أردت تكريسه هنا أن هناك قاعدة شرعية تقول إن الإسلام يلغي ما قبله وأنا أقول إن هذه القاعدة قد تنطبق على الأحكام الشرعية والفقهية والدينية بشكل عام، على أنها ليست صالحة للتطبيق في مجال الثقافة والأدب والأخلاق، حتى أن النبي (ص) قال "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، ما معناه أن هناك ثقافة وأخلاق وحضارة كانت موجودة ما قبل الإسلام».
يذكر أن الدكتور الهندي يحمل إجازة في في كل من آداب اللغة الفرنسية والتاريخ والقانون، إضافة إلى ثلاثة دبلومات اختصاصية في القانون ودكتوراه دولية في القانون.


رياض أحمد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

مريم:

اريد معلومات اخرى عن العلوم العربية قبل الميلاد

الجزائر