الشاعرعليشي: نفتقد للنقد الذي يحمل الهم والضمير الثقافي

30 كانون الثاني 2014

.

صقر عليشي شاعر حداثوي يمتلك موهبة تكونت من ثقافات متعددة لذلك تمكن من الجمع بين الأصالة والمعاصرة فالتزم بالقضايا الإنسانية في أسلوب سهل ممتنع يتكون من مقومات الشعر واسسه تتوافر فيه الصورة والدلالة والموسيقى.

ويعتبر الشاعر صقر عليشي أن أفضل تعريف للحداثة هو كونها الأسلوب المبتكر الذي يعلن عن وجود جديد وإضافة واضحة ويرى أن كل شاعر حقيقي هو حديث بالقوة فالأصالة أي الشخصية المتفردة القائمة بذاتها وفق رأيه هي أن يكون لك كشاعر نكهتك طراوتك لمعتك بحيث تميز عن غيرك من الطعم و الرائحة.

ولم ينكر عليشي أهمية أن تظهر سمعة العصر في الشعر بحيث يقال فوراً ان هذا الشعر ينتمي إلى العصر الفلاني فما يكتب الآن يجب أن ينتمي إلى هذا القرن ويجب أن يميز بذلك كما نميز نحن الآن بين الشعر العباسي وشعر عصر الانحطاط أو الشعر الجاهلي دون الرجوع إلى تواريخ.

ويضيف لا يمكنك أن تكون حديثاً أيضاً دون تمثل التجارب الحديثة الكبيرة محلياً وعالمياً وهذا ما يعطي العفوية والسلاسة مشيراً إلى أن الثقافة وحدها لا تعطي الشعر وحين تكون الموهبة لا تجاري الثقافة مرتبة تبدأ الصنعة ويبدأ تعكير الماء للإيحاء بالعمق فالحداثة هي قطع واتصال مع الماضي في الوقت نفسه.

ويشير إلى أن الحداثة لا يمكن أن تكون إلا روحاً وجسداً فهي كائن كامل ولا يمكن تناوله بشكل مبتسر كما يحدث أحياناً فبعضهم ربط الحداثة بقصيدة النثر وهذا قصر نظر وقصر شعر واضح فكل حديث عن ربط الحداثة بقصيدة النثر هو نفخ في قربة فارغة.

ويعتبر أن هذا التنظير أضر كثيراً بقصيدة النثر قبل غيرها ومثل هذا الكلام يمكن أن نقوله عن المتعصبين للقصيدة الموزونة أيضاً فبعضهم يقول إن محمود درويش أوصل قصيدة التفعيلة إلى النهايات وبالتالي لا مجال لكتابة جديد في شعر التفعيلة والآخر يقول إن قصيدة الوزن هي قصيدة المنبر وهي قصيدة السلطة.. وهذا الهراء الفارغ يمكن الرد عليه بالقول إن قصيدة النثر استنفدت جمالياتها مع الماغوط ولو أخذنا الأمور على هذا المقياس لكان على الشعر العربي المكتوب على البحور أن يتوقف بعد امرئ القيس مباشرة.

وعن أهمية الموسيقى بالنسبة للشعر يشير إلى أن الوزن ظل يميز الشعر عن النثر ردحاً طويلاً من الزمن مؤكدا أن ليس كل كلام موزون هو شعر فما يميز الشعر عن سواه هو الخيال الشعري وما يأتي بعد ذلك ليس سوى إضافات تعزز القصيدة أو تضعفها بما في ذلك الموسيقا واللفظة وصدق الحالة.... وغير ذلك مما هو معروف.

وينفي عليشي وجود شيئ اسمه موسيقا داخلية فيما يخص قصيدة النثر وحدها معتبراً انه موجود في القصيدة الموزونة أيضاً وهو ما يفرق بين قصيدتين على بحر وقافية واحدة فهو يسميه تناغم داخلي وهو ما يرشح عنه خصوصية ما لشاعر دون آخر.

ويؤكد على عدم صحة الرأي الذي اعتبر الوزن من مخلفات الماضي لأن وظيفته هي تسهيل الحفظ والتي لم تعد لها ضرورة في هذه الأيام.

ويؤكد صاحب ديوان قصائد مشرفة على السهل إنه لا صحة للرأي القائل ان شعراء النثر لجؤوا إليه بسبب عجزهم عن الموزون فإذا كان الماغوط لا يعرف الوزن فإنه لا يمكننا قول هذا الكلام عن أدونيس أو سليم بركات أو نزيه أبو عفش وغيرهم الكثير ممن كتبوا قصيدة النثر والقصيدة الموزونة.

ويتابع.. «كتبت شخصياً قصيدة النثر وما زلت أكتبها ولا أحد يستطيع أن يقول عني أني غير عليم بخفايا الأوزان فالمسألة ليست في هذا التبسيط على الإطلاق فهذا جهل بالعملية الشعرية ذاتها لأن لكل شاعر إمكانيات وتوجهات ولحظة شعرية تملي عليه الشكل المناسب الذي يرضيه وبالنهاية هو مطلوب منه أن يكتب الشعر كيفما جاء هذا الشعر».

ويعتبر صاحب ديوان الأسرار أن النوع الأدبي الأقرب للمتلقي محكوم بذوقه ونوعية ثقافته فهو لا يعود إلى جنس القصيدة وهذا يفسر صعوبة اتنشار التجارب الجديدة التي لم يعتد عليها القارئ.

فما زلنا نرى من تقتصر قراءته على القصيدة الخليلية ممن كانت جل قراءاتهم تراثية وتربوا عليها وما زالت المناهج الدراسية تعطي هذا اللون المساحة الأكبر من الاهتمام والدراسة حتى أن طلاب الأدب العربي يتخرجون من الجامعة دون أي مرور جدي بالتجارب الحديثة وآداب العصر ناهيك عن الآداب العالمية ومناهجنا مخطئة ومقصرة ويسيطر عليها عقل متحفظ وهذا ما يضعف الحيوية ويضيق منافذ التغيير ويعطي ركوداً طويلاً لمياه الشعر... مياه الحياة.

ويشير إلى أن الذين لا يتحسسون الوزن «وهم موجودون شئنا ذلك أم أبينا» فهم يميلون إلى قصيدة النثر وعلى العموم ومع الزمن يذهب المتلقي إلى الجيد أينما كان فلم تكن جماهير الوزن قليلة عند درويش ولم تكن جماهير قصيدة النثر قليلة عند الماغوط مؤكدا على أن الجماهيرية ليست المقياس أو المعيار الصحيح للجودة.

ويتابع.. «شاهدت في وقت ما آلافاً يتدافعون لسماع شاعر رديء.. لم يعد أحد يسمع به الآن أي أن الجماهيرية قد تصنعها أشياء غير الشعر».

ويلفت صاحب ديوان عناقيد الحكمة إلى أهمية وقع قصيدة النثر المؤثر على الآذان إذا ترافق ذلك مع رفعة وجودة في المناحي الأخرى فقصيدة النثر وفق رأيه تحتاج إلى متلق جاد يأخذه الشعر والشعر فقط.

وعن سبب الانتشار الواسع لقصائده يعتبر أن المتابعين والمحبين هم ثروة وعون على الاستمرار في الكتابة فالشاعر عليشي يرى أن تجربته لم تلاقِ ما تستحق من الانتشار والحضور ويتابع «إذا كنت قد حققت حضوراً ما أو كنت سأحققه في القادم من الأيام فهو ليس سوى محصلة لجهود مضنية ورحلة شاقة وطويلة كنت فيها صفي الشعر وعتال الأناقة كما قلت في إحدى قصائدي ولم يهن خيالي ولم يفتر حبي لهذا الجمال الآسر الذي يسكن وجه القصيدة ولا يستحق الشعر أقل من ذلك».

ويشير إلى أن أهم ما في تجربته الشعرية هو الاتصال بخيط مخفي بحبل سري بين القديم والجديد أي انقطاع واتصال بآن واحد ما ييسر ويسهل تقبل قصائده وتذوقها عند التقليدين والحداثيين.. وهو ما لمسه مراراً وهي ميزة ليست بالسهلة ولا بالأمر العادي ولا نجدها في كل مكان وهي أيضاً لم تأت عفوَ الخاطر وإنما أتت ضمن سياق فهمي للحداثة ومقدار قطعها مع الماضي ومقدار ارتباطها به.

وحول رأيه في النقد ودوره في هذه المرحلة يعتبر أن أغلب النقاد يتناولون الشعراء المعروفين والمكرسين فنحن نفتقد النقد الذي يحمل الهم والضمير الثقافي والذي يبحث ويكتشف ويأخذ بيد التجارب الغضة ويسلط الضوء على التجارب المهمة الباقية في الظل والتي تعاني العزلة وعدم التواصل.

ويشير إلى أن النقد يتخلف كثيراً عن مواكبة التجارب الجديدة ويفقد وظيفته التي وجد من أجلها و يفقد معناه. إننا في هذه الأيام لا نجد ما نعمله غير الندب والتأوه على كافة الصعد.

وفي سؤال حول سبب غلبة الشرح والعرض على الحالة النقدية يعتبر أن أغلب ما يقدم من نقد هو عرض صحفي أو مجاملات وأكثر وهو غير مسؤول وقائم على المحاباة وينشد شيئاً آخر غير وجه الشعر وغير وجه الحقيقة وهو يفسر فقدان الثقة لدى المتلقي بمنابرنا وصفحاتنا الثقافية وهو حقيقة ما ألغى دورها الفاعل بعد أن بان فقرها وتحيزها القائم على الجهل بالمبدع والعملية الإبداعية وبعد أن تكشفت للقاصي والداني ماربها الأخرى التي تشف عن قصور كبير على مستوى الرؤية والرؤية لمستقبل الإبداع ونحن نحتاج إلى فترة زمنية طويلة إذا أردنا إعادة التوازن والحياة لهذه المنابر وإعادة الثقة بها إذا ما أراد أولو الأمر خيراً وإعادة الحق إلى صاحبه وتسليم الثقافية لأهلها وبغير هذا لن يكون للنقد أي حضور فاعل وقوي في ساحتنا.

يذكر أن الشاعر صقر عليشي شاعر سوري له عدة دواوين من أبرزها «قصائد مشرفة، على السهل الأسرار، قليل من الوجد، أعالي الحنين».


محمد الخضر

سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق