الشاعر أيمن معروف: الدم والجرح يتقدمان على كل شيء

23 أيلول 2013

«كان ثمة عصفور صغير يتدرب على الطيران وينقر في ثلج الوقت، ثم يرتعش خفيفاً قرب النافذة ويرفرف في هواء المكان». في داخل الشاعر أيمن معروف ما يشبه ذلك العصفور الذي يريد أن يطير وما بين تخوم الرؤية والرؤيا تاركا بضع كلمات مبهمة على رقيم الهواء كانت بمثابة أسئلة أو هي كل حياته. مصادفة جمعته بالشعر وجعلته يفكك صمته ليسمع دقات العالم ويتلمس طريقه الفرد في عالم الأدب.

يوضح الشاعر معروف في حديث لوكالة سانا أن شعراء كثر قد أثروا في حياته وفي تجربته الشعرية، إذ كان حريصاً على قراءة جميع الشعراء على اختلاف مشاربهم وتجاور أشكالهم الشعرية في القصيدة التقليدية وقصيدة التفعيلة والنثر والنص المفتوح والتجارب الأخرى الأكثر حداثة في الشعر، مما ترك أثراً كبيراً في تشكيله وتكوينه الشعري، إلا أنه لم يكن عائقاً ليظل عالقاً هناك بل كان عاملاً حاسماً في اكتشاف اللغة المفارقة التي تضع قصيدته أمام تحدي الطريق.
«»
يقول الشاعر: «كتبت في بداياتي الشعرية قصائد كثيرة ومزقتها ولا أتذكر منها الكثير وكان ذلك عندما كنت في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة و كل ما أعرفه أنني كنت مسكونا بالشعر ومهموما بالأسئلة لتأتي أول قصيدة ارتبكت أمامها ونشرت في مجلة «الموقف الأدبي» إلى جانب أسماء شعرية هامة وكانت عن قريتي بسطوير التي استمديت لغتي من صفاء سمائها ونقاء هوائها».

يبين معروف أن الشعر تمرين دائم في اللغة والحياة وتجريب مستمر، فالتجريب هو الإمكانية الوحيدة التي تجعل من الشعر حاضراً في الزمان والمكان لأن الشعر اكتشاف ما لم يكتشف وبحث دائم عن كل جديد وحراثة في مناطق لم تحرث من قبل، مثلما هو اكتشاف جديد لإمكانيات اللغة باعتبار أن الشعر في النهاية هو فن اللغة وفيه لا توجد مسافة يمكن ادعاؤها بين أداة الإبداع الشعرية التي هي اللغة وبين الإبداع ذاته.

في هذا السياق يقول معروف: «من الضروري التأكيد أننا في الشعر نبدع في الأداة مثلما نبدع عبرها أو من خلالها. من هنا كان التجريب في شق مجرى جديد لروح الشعر وأفق جديد لفضائه وهوائه، مثلما هو بحث دائم عن الإمكانيات الهائلة التي تملكها أداة الشعر في التعبير».

ولا يؤمن الشاعر بمصطلح «المشروع الشعري» مثلما لا يؤمن بمصطلح «الأجيال الشعرية»، فالشاعر خارج أي تصنيف وهو مهموم بالعالم ومسكون بالريبة ومفتون بالأسئلة، وهو على خلاف قائم مع المكان وفي انصراف دائم في الزمان يتفحص أسئلته في النص مثلما يتفحص الجندي أسلحته في ساحة المعركة، فهو في تماس دائم مع الحواس يكتب ويمحو ويحلم ويصحو وليس في كلماته إلا ثمرة مكابداته ووجده في الاكتمال الذي لا يكتمل في الوجود.

يقول معروف.. الشعر محاولة دائمة في الإتلاف والحذف ومداولة قائمة على الإختلاف والنزف تتعاظمان وتتصادمان مع كل من جسارة الواقع ومرارة الائتلاف وليس من عافية دائمة فالاكتمال الذي يؤسس عالم الشاعر وتفرده هو اللاكتمال نفسه وليس ثمة كمال أو اكتمال في أي عمل شعري لأن اكتمال أي تجربة هو بعدم اكتمالها.. مادام الهاجس المستمر والدائم والملح للشاعر في النهاية هو القبض على وهم الكمال أو وهمه في الكمال بمعنى أن الشعر مغامرة مستمرة وتجربة ناقصة على الدوام.

وإن كان شاعرنا يؤمن بدرجة ما أن الأدب يمكن أن يكون صفعة في وجه الظلاميين، مثلما يؤمن أنه قد نجح فيما قد أخفق فيه الفكر لأنه استطاع على أقل تقدير أن يعبِّر عن الذات وطموحاتها، بينما لم يستطع الفكر أن يكتشف أي نموذج آخر للتفكير فيما نحن فيه وعليه.

يوضح معروف أنه علينا أن لا نحمل قضايا الأدب أكثر مما تحتمل وألا نربط بين ما يعصف من أزمات وما يجري من أحداث ووقائع وبين قضايا الأدب وموضوعات الفن، فإذا كانت الكلمة بمعيار ما أداة للتعبير ووسيلة من وسائل القول، فهي في الأدب والفنون عموماً أفق للتأمل وفضاء مفتوح على التأويل تتعامل مع الأحداث وقضايا الواقع تعاملاً خاصاً وتتناولها تناولاً مختلفاً عن الدور الذي تلعبه الكلمة عند رجل الصحافة مثلاً أو المحلل السياسي الذي يتابع مجريات الأمور في الواقع والأحداث.

ويضيف الشاعر: «لغة الأدب لغة استشراف ورؤيا وتطلع لغة عمودية تحفر في العمق لتصل إلى جوهر الحقائق، بينما لغة الصحافة لغة ارتشاف ورؤية وتجرع لغة أفقية تتحرى عن صورة هذه الحقيقة كما هي على أرض الواقع، وهما لا تتبادلان الأدوار وإنما تتقدمان وتتكاملان لتكمل إحداهما الأخرى من أجل إيضاح الحقيقة كاملة والإحاطة بها وإيصالها إلى الناس».

وعن كتاباته حول الأزمة الحالية والوطن المجروح الذي ينزف، يبين صاحب «احتفاءات» ان الشاعر مرآة عصره لا يستطيع أن يكون محايداً، خاصة وأن الوطن اليوم ينزف ويحترق. لهذا فقد كتب الشاعر معروف بعض القصائد مثلما كتب بعض المقالات المتفرقة عن هذا الوجع الكبير الذي يمر به التراب والهواء، لكنه يسأل نفسه ما الذي يمكن أن يفعله الشعر أمام هذا الواقع المر الذي يتقدم بقوة ويعصف بكل شيء. فهو يقول: «إن ما كتبه ليس أكثر من اعتذارات: اعتذار من الوطن الذي ينزف ولا يغيب لأن أبجديته من أبجدية الخلود، واعتذار من دم الشهداء الذين حموا سورية وحصنوا ترابها ذاك الدم الزكي النقي الطاهر الذي روى تراب الوطن وهو يسيج الآن حدوده وجباله وشواطئه».

ويتابع معروف: «ما كتبته هو اعتذار أيضاً من الشعر لأني لم أكن جاهزاً له تماماً وكفاية، فالدم والجرح يتقدمان على كل شيء. ولأن الحبر ضعيف وهش أمام جبروت المحنة وفداحة الإمتحان ولشح المعاني وقلة المفردات أمام نبل الشهادة وعظمة الشهيد».

وعن تجارب الشباب، يبين الشاعر أنه يقرؤها بكثرة لإيمانه العميق بأن البحث الدائم عن الأقلام المبدعة في بزوغها الأول في كافة أجناس الأدب وفي سائر الفنون ومختلف المجالات الإبداعية والاهتمام بها وتسليط الضوء على نتاجها إنما هو بمثابة بحث عن الروح الحقيقية للعالم وروح الفنون جميعاً. ويقول: «إنه بحث عن بساطة الحياة في مصدرها الأول وأصل الأشياء في حقيقتها الجنينية ومستواها المنبثق كطموح للإبداع، في كل زمان وكل مكان، وإلى كل ما يمكن أن تزخر به هذه الروح من أسرار وأحلام وأساطير وحكايات يحلم أن يقبض على برهتها الأدباء والشعراء والفنانون والموسيقيون والمبدعون الكبار في العالم».

الجدير ذكره أن الشاعر أيمن معروف من مواليد عام 1967، وهو عضو اتحاد الكتاب العرب، وله مجموعة من الدواوين، نذكر منها «احتفاءات» عام 1997، «العابر» عام 2000، «الرنين» عام 2003، «لام نون» عام 2007، و«قوس الحبر قوس التراب» عام 2009.


بشرى سليمان

سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق