سعد الله ونوس ضمن سلسلة أعلام خالدون في ثقافي أبو رمانة

23 أيار 2013

.

أقيمت في المركز الثقافي العربي أبو رمانة، ضمن سلسلة أعلام خالدون، ندوة عن الكاتب المسرحي سعد الله ونوس، وذلك يوم الثلاثاء 21 أيار 2013، قدمها كلاً من الفنان عبد الرحمن أبو القاسم، والدكتور تامر العربيد المدرس في المعهد العالي للفنون المسرحية، وحضرها عدد من المفكرين والأدباء، ومن الصحفيين ومن رواد المركز الثقافي .

والبداية كانت مع الفنان عبد الرحمن أبو القاسم الذي حدثنا عن المسيرة المسرحية للكاتب سعد الله ونوس قائلاً: «إن مسيرة مسرح سعد الله ونوس تنقسم إلى ثلاثة مراحل تفرضها منهجية الدراسة للأدب المسرحي الذي أبدعه ونوس، فالمرحلة الأولى كانت ما قبل الخامس من حزيران عام 1967، حيث كتب سعد الله ونوس في هذه المرحلة ثماني مسرحيات قصيرة صدرت عن وزارة الثقافة في سورية عام 1965، في كتاب مستقل تحت عنوان «حكايا جوقة التماثيل» ثم جمعت مع غيرها في كتابين صدرا عن الآداب في لبنان عام 1978، ومن أهم هذه المسرحيات القصيرة «ميدوزا تحدق في الحياة » و «فصد الدم» و «مأساة بائع الدبس الفقير» و«جثة على الطريق» ويغلب على مسرحيات هذه المرحلة الأسئلة الوجودية وفكرة الحرية».

والمرحلة الثانية كانت ما بعد حزيران، الذي أصبح ونوس فيها أكثر وضوحاً وتحديداً بعد هزيمة 1967، التي استشفها في مرحلته الأولى وأتجه بكل قواه نحو التسييس ليجعلها قضيته الأولى في ممارسته المسرحية، وفي تجربة أخرى من تجارب مسرح التسييس التي بدأها من قبل، فقد أوضح أن هناك فارقا كبيرا بين «المسرح السياسي» و«مسرح التسييس» فالأول هو العرض المسرحي الذي تقدمه جماعة تريد أن تتواصل مع الجمهور وتحاوره، والثاني هو جمهور الصالة الذي تنعكس فيه كل ظواهر الواقع ومشكلاته، لأن مجموعة الأفكار الرئيسية لفكرة تسييس المسرح لدى ونوس شكلت بمجملها رؤيا للمسرح على المستويين الفكري والفني، وبدونهما يصعب الدخول إلى عالم ونوس المسرحي، وفي هذه المرحلة حيث ظهرت هذه الرؤيا في مجمل مسرحياته التي أنتجها بعد هزيمة حزيران، ومن أشهرها مسرحية حفلة سمر من أجل 5 حزيران، فكانت ردة فعل مريرة ودعوة للالتفات إلى الواقع وما يحدث فيه وإلى طرح قضايا البسطاء الذين تضرروا من الهزيمة فقال: كلنا مسؤول عن الهزيمة.

ويضيف: إن أحد الكتاب في تعليقه على حفلة سمر قال: «إن المتفرجين الحقيقيين لن يكتشفوا أن هؤلاء الذين يجلسون بينهم ويشتركون في النقاش والحوار هم ممثلون مدربون على أدوارهم، ولكن الهدف من ذلك أن نحاول ببعض الوسائل الاصطناعية كسر طوق الصمت، وتقديم نموذج قد يؤدي تكراره إلى تحقيق غايتنا في إقامة حوار مرتجل وحار وحقيقي بين مساحتي المسرح، وإن هذه الوسائل ليست كافية وحدها وقد تتحول إلى مجرد مسألة شكلية وتقنية، ما لم يتوفر الأمر الأهم والأساسي في إثارة الحوار وتشجيعه كارتباط الموضوع بحياة المتفرج ومشاكله ونوع المعالجة وشكلها».

وفي مسرحية الملك هو الملك حاول ونوس فضح أنظمة التنكر البورجوازية، فيعالج قضية الحكم بصورة أكثر نضجاً وعمقاً، فالحكم الفرد المطلق الذي يحتجز بيده كل السلطات ويستمد قوته من الرموز المحيطة به، فبذلك نجد أن هذه المرحلة قد اهتمت بموضوع السلطة والجماهير، و قد عبر ونوس من خلال مسرحياته بالأسئلة والإجابات باحثاً عما يربط الإنسان بالوطن، والوطن بالإمكانية التي تدافع عنه.

ولا يمكننا أن نختم هذه المرحلة دون ذكر مسرحية سهرة مع أبي خليل القباني، التي كتبها تكريماً لهذا المبدع المسرحي السوري، دون أن تخرج عن إطار مسرح التسييس، فالقباني ابن عصره وبيئته، ولا يمكن فصل تجربته المسرحية عن الوضع الاجتماعي والاقتصادي السائد في تلك الفترة، ويؤكد أن المرحلة الثالثة امتازت بصمت سعد الله ونوس ثلاثة عشر عاماً أو يزيد، قضاها في المراجعة والتأمل ليكتشف أن المشكلة أعمق وأكثر تعقيداً من علاقة السلطة والمجتمع، بل إن هناك تركيباً ثلاثياً يجب أن يغوص فيه لمحاولة اكتشافه، وعاد ونوس إلى الكتابة بغزارة في مرحلة جديدة فكرياً وفنياً يبتعد بها عن متفرج واجب الوجود، ليقنع بوجود متفرج محتمل، متفرج يقرأ عليه ونوس شيئاً من حكايات التاريخ، تاركاً له حرية الإدراك والتأويل، فأنتج عام 1989، مسرحية «الاغتصاب» التي أعاد فيها معالجة المشكلة الفلسطينية من خلال استفادته من نص الإسباني بعنوان «القصة المزدوجة» وقد تم عرض هذه المسرحية ببيروت عام 1993 وأخرجها جواد الأسدي.

وبدوره يحدثنا الدكتور تامر العربيد عن سعد الله ونوس قائلاً: سعد الله ونوس مبدع أسهم بتشكيل الوعي الثقافي لجيل عربي بأكمله، شاعر تأمل في شؤون الإنسان و التاريخ، مسرحي جعل المسرح متنفساً لهموم المواطن اليومية بعد أن كان على هامش الثقافة العربية، وروائي يسرد علينا من زوايا متعددة أخبار الجسد بلغة متوهجة تلامس الروح، فقد حمل الهم المسرحي، والهم الإنساني والوطني والفكري والحضاري حين أكد على أهمية الحوار بين الجماعات، لأن الحوار يقتضي تعميم الديمقراطية واحترام التعددية، ولأن بدايته ستكون من المسرح، ثم يتماوج متسعاً ومتنامياً حتى يشمل العالم على اختلاف شعوبه وتنوع ثقافاته.

ويضيف في ذكر مسرحية الاغتصاب وتعمق ونوس فيها من خلال قضية الصراع العربي الصهيوني، حتى وصل إلى أنه صراع بين مساحتين لا يمكن أن يلتقيا، فالأرض ضيقة كالقبر على حد تعبير بطلته المغتصبة دلال فلا يمكن أن تتسع لنا ولهم، وهذا هو موقف إسماعيل الذي فقد رجولته إثر العذاب الذي لاقاه على يد الوحوش الصهاينة، بحيث بات مقتنعاً أن إمكانية التعايش مستحيلة، هذه الوحشية جعلت الإنسان في داخل بعض الصهاينة يستيقظ، فيقوم طبيب إسرائيلي بمداواة جراح الأسرى، وتتحول راحل إلى مناضلة في سبيل القضية الفلسطينية.

ومن جديد صمت سعد الله ونوس مرة أخرى قد عرف من خلاله بمرضه العضال، ليعود إلى الكتابة من جديد فكتب على التوالي منمنمات تاريخية عام 1994، وطقوس الإشارات والتحولات، ومسرحيتي يوم من زماننا، و أحلام شقية في كتاب واحد عام 1995، ثم ملحمة السراب مطلع عام 1996، وأخيراً قبل وفاته بشهر قدم مسرحية الأيام المخمورة، ومجموعة نصوص بلاد أضيق من الحب عام 1997.

كُرم سعد الله ونوس في محافل عديدة أهمها مهرجان القاهرة للمسرح التجريبي في دورته الأولى، ومهرجان قرطاج بـتونس عام 1989، وحصل على جائزة سلطان العويس الثقافية عن حقل المسرح في دورتها الأولى، وصدرت أعماله الكاملة في عام 1996، في ثلاثة مجلدات عن دار الأهالي بدمشق ، جُمعت فيها كل المسرحيات الطويلة والقصيرة والنصوص النظرية من بيانات وكتابات تتعلق بالمسرح، وقد ترجمت الكثير من أعماله إلى الفرنسية والإنكليزية والروسية والألمانية ورحل ونوس وهو ممسك بالأمل، بعد أن وَهَبَنا مقولتيه الشهيرتين:«إننا محكومون بالأمل» و«في الكتابة نقاوم الموت وندافع عن الحياة».


عبد القادر شبيب

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق