سرجيلا الأثرية نمط عمراني مميز ونموذج للقرى السورية القديمة

24 أيار 2011

تعتبر ثاني قبلة سياحية في إدلب بعد مملكة إيبلا

تقع قرية سرجيلا الأثرية بالقرب من بلدة البارة في جبل الزاوية بمحافظة أدلب وهي واحدة من مجموعة قرى أثرية متجاورة حافظت على نمطها ونسيجها العمراني المميز بشكل جيد منذ القدم وحتى يومنا هذا الأمر الذي جعلها من ابرز المعالم الحضارية والأثرية في المحافظة.

وبحسب العديد من المؤرخين فإن ما زاد من أهمية هذه القرية الأثرية التي تنقب فيها البعثة الأثرية السورية الفرنسية المشتركة منذ عام 1996 هو النموذج والصورة الصادقة التي تقدمها عن وضع الأرياف في شمال سورية خلال الفترتين الرومانية والبيزنطية.

وتستمد قرية سرجيلا مكانة خاصة بين القرى الاثرية في المنطقة لوجود الأبنية المتنوعة من البيوت والكنائس والحمامات ومعاصر الزيت" هذا ما يؤكده فجر حاج محمد أمين متحف إدلب الذي يقول إن نمط البناء فيها يتألف من ثلاثة عناصر أساسية وهي بناء للسكن والعمل مع فسحة سماوية وسور يحيط بهذه الفسحة مبينا ان كل الابنية في القرية مبنية على مستويين الأول أرضي وفوقه طابق ثان حيث تتجاور الغرف ذات السقوف المائلة على خط مستقيم أوعلى شكل زاوية قائمة.

ويوضح حاج محمد الأدوار الوظيفية والبيئية والتنظيمية لهذا النمط من البناء من خلال تخصيص غرف الطابق الأرضي للأغراض العملية كالمخازن والإسطبلات ومعاصر الزيت أما غرف الطابق العلوي فتخصص للسكن مع وجود الرواق الذي يسمح بالمرور بين الغرف الطابقية أو المتجاورة المطلة على الفسحة السماوية.

ويشير حاج محمد إلى أن النمط العمراني في الموقع هو انعكاس للحالة الاجتماعية السائدة حيث كان يشغل الازواج عادة غرفة أرضية وغرفة فوقها في حين تجمع البيوت المتجاورة أسراً من عائلة واحدة مترابطة بقرابة الدم أو المصاهرة وتتميز هذه البيوت عن بعضها بعدد الغرف الذي يدل على التوسع غير المتوازي بين الأسر كما تدل نوعية البناء وغناه بالزخارف على تفاوت في ثروات هذه الأسر والوضع المادي لكل منها لافتا إلى أن الرقم والاثار الموجودة في سرجيلا تدل على ان أقدم البيوت توجد في الوادي عند ابتداء السفوح وتتميز الغرف والفسحة بأبعادها الصغيرة ونوعية البناء البدائية حيث تتكون الجدران فيها من صفين من الحجر صغير الحجم ولا يوجد فيها أثر للتزيين.

ويبين أمين متحف محافظة إدلب أن العديد من الدلائل الأثرية تؤكد ان أقدم هذه البيوت يعود إلى نهاية القرن الثاني الميلادي حيث كان سكانها من الفلاحين الفقراء النشيطين الذين استصلحوا الأراضي الزراعية المحيطة بالقرية واعتمدوا اقتصاد الاكتفاء الذاتي بدمج الزراعة مع تربية المواشي وأحيانا على نطاق أصغر بزراعة الزيتون وصناعة الزيت.

بدوره يعتقد الدكتور أنس حج زيدان رئيس شعبة الدراسات والتنقيب الاثري في دائرة اثار المحافظة ان البيوت الكبيرة المبنية بأحجار قائمة ومربعة الزوايا تزن الواحدة منها بضع مئات من الكيلوغرامات وارتفاعها إلى ثمانية أوعشرة أمتار احيانا تعود إلى القرنين الخامس والسادس مشيرا الى ان تزايد عدد السكان بنسبة كبيرة خلال القرنين الخامس والسادس وتطور نشاطهم الاقتصادي وخاصة زراعة الاشجار المثمرة واشجار الزيتون وصناعة الزيت وتطور فن البناء وانتاج الصناعات الحرفية جعل السكان لايكتفون فقط بإنتاج ما تتطلبه الحياة من محاصيل زراعية كما كان عليه الحال سابقا بل سمح بتطوير الإنتاج والتجارة وتصدير الزيت والنبيذ.

ويرى حج زيدان ان الكنائس تعتبر ايضا من المعالم المهمة في سرجيلا حيث يتألف المجمع الكنسي فيها من كنيستين من طراز بازيليك وفسحة سماوية مبينا ان الكنيسة الشمالية مرت بثلاث مراحل تعود الأولى إلى نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس بينما شهدت المرحلة الثانية توسع الكنيسة حيث أضيفت إليها حنية جديدة تقع إلى شمال الكنيسة السابقة وحائط شمالي وبهو مركزي و بهوان جانبيان في حين أضيفت في المرحلة الثالثة غرفتان إلى الجانب الشمالي الشرقي وتم اكساء أرضيتها بالفسيفساء التي لم يبق منها اليوم سوى قطع نقلت إلى متحف معرة النعمان .

ويشير حج زيدان الى ان الكنيسة الجنوبية عبارة عن كنيسة بازيليكية صغيرة جدارها الشرقي مستقيم وتحولت هذه الكنيسة بعد الفتح الإسلامي إلى جامع بدلالة وجود محراب في جدارها الجنوبي لافتا ان هذا التحويل يوءكد ما تذهب إليه النصوص عن تقسيم بعض الكنائس بعد الفتح إلى جزأين الأول من أجل المسيحيين والآخر للمسلمين الجدد كما يوءكد ما بينته الأسبار التي أجريت على المساكن حتى القرن الثامن.

من جهته يعتبر نيقولا كباد رئيس دائرة اثار ادلب أن الحمام والمضافة الموجودين في عمق الوادي من ابرز المعالم التي تحتضنها اثار سرجيلا موضحا ان الحمام الوحيد فيها بني عام 473م ويتألف من صالة كبيرة في الشمال وسلسلة من صالات أصغر في الجنوب فيما يوجد من الناحية الجنوبية من الخارج خزان كبير محفور في الصخر ومغطى ببلاطات حجرية.

ويضيف ان الصالة الشمالية الكبيرة كانت تستخدم كالقسم البراني في الحمامات الشعبية ومكانا للاجتماع لافتا الى ان الأرضية كانت مغطاة بالفسيفساء التي لم تعد موجودة اليوم وهي تتضمن كتابة تشير إلى أنه في عام 473 م عمد قروي اسمه جوليانوس إلى بناء هذا الحمام من أجل مجد مقاطعته وهذا يدل على أنهم كانوا يمارسون في القرى بعض تقاليد المدن كمساهمة الأغنياء في تمويل المشاريع العامة.

ويوضح كباد ان صف الغرف الجنوبي في الحمام ينفصل عن الصالة الكبيرة بباب له إطار تزييني بارز وهذه الغرف هي الصالة الباردة ومن ملحقاتها دورة مياه ودوش حيث تنفتح على الغرفة المتوسطة الحرارة أي ما يقابلها الوسطاني في الحمام العربي وبعد ذلك تاتي الغرفة الحارة التي ترتكز بلاطات أرضيتها على طبقات من القرميد يمر تحتها الهواء الساخن وفي الصالة المجاورة يوجد بيت النار والمغطس أما الغرف التالية ففيها مدخل للعمال ومخزن للوقود في حين ان الماء كان مغطى ببلاطات مرتكزة على أقواس كبيرة وسعته هائلة تتجاوز حاجة الحمام حيث يمكن رؤية القواعد الحجرية لآلات سحب المياه في الطرف الشمالي الغربي من الخزان.

من جانبه يشير الباحث التاريخي فايز قوصرة الى ان أهمية دراسة قرية سرجيلا تكمن في أنها تعطينا فكرة عن أحوال الريف في سورية الرومانية والبيزنطية حيث تدل هذه الدراسات على أن الريف كان يقطنه فلاحون نشيطون ومبدعون وكانوا يتكلمون اللغة السريانية ويعرفون اللغة اليونانية ويستعيرون بعض عادات المدن كنموذج لسلوكهم الاجتماعي .

ويضيف قوصرة ان دراسة قرية سرجيلا تظهر ان هناك فلاحين أحرارا وملاك أراض استطاعوا أن يصلوا إلى الغنى على الرغم من الضرائب الباهظة.

واشارت احصائيات مديرية السياحة في المحافظة الى ان سرجيلا تعتبر من ابرز المواقع السياحية والاثرية في المحافظة نظرا لاستقطابها لاكبر عدد من السياح العرب والاجانب فضلا عن زائريها من المناطق والمحافظات الاخرى.

وبينت الاحصائيات انه يزور موقع سرجيلا في كل عام ما يزيد على 14 الف سائح عربي واجنبي اغلبهم من فرنسا وايطاليا وانها تحتل في كل عام المرتبة الثانية بين اثار المحافظة من حيث عدد الزوار بعد موقع ايبلا الأثري.


أحمد ابراهيم

الوكالة السورية للأنباء - سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق