قراءة في تاريخ العرب والأتراك

كلمة الدكتور رياض نعسان آغا - وزير الثقافة - سورية
في حفل افتتاح مؤتمر العرب والأتراك.. مسيرة تاريخ وحضارة


لقد بدأت العلاقة بين العرب والأتراك في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) سنة 21 للهجرة يوم كانت جيوش الفتح العربي الإسلامي تتابع تقدمها في بلاد الفرس والأتراك حين التقى عبد الرحمن بن ربيعة قائد جيش المسلمين في بلاد الباب بملك الترك شهربراز وعرض عليه أن ينضم إلى جيشه وأن يساهم معه في فتح منطقة أرمينيا فوافق الملك التركي، ورحب الخليفة عمر بذلك، وانضم الأتراك إلى جيوش المسلمين، وفي عهد الخليفة عثمان (رضي الله عنه) سنة 31 هجرية فتح المسلمون بلاد طبرستان وعبروا نهر جيحون ونزلوا إلى بلاد ما وراء النهر فدخل كثير من الأتراك في الدين الجديد، وفي عهد معاوية فتحت بخارى وبعده فتحت سمرقند وتوالت الفتوحات والأتراك جند في جيوش الفتح في الشرق، حتى علا شأنهم ثم باتوا شركاء في المناصب الكبرى في الدولة العباسية التي فتحت أبواب قصورها لقياديين من كل الشعوب والأمم التي اعتنقت الإسلام حتى إن بعض العرب ضاقوا بهذا الانفتاح الواسع وخافوا على مستقبلهم القيادي، لكن الخلفاء لم يضيقوا بجندهم، بل إن المعتصم بنى للجنود من غير العرب مدينة سامراء، وحين ضعفت الدول العربية أقام الأتراك الدولة السلجوقية، ومع نمو قوتهم في الدولة العباسية صاروا عماد الجيش ولاسيما في عهد الخليفة المتوكل.

وحين فكر البيزنطيون في الاستيلاء على الدولة العباسية ظهر السلاجقة قوة مدافعة عن الإسلام وظهر أرطغرل الذي تمكن من ضم غرب الدولة العباسية إليه وراح يحارب البيزنطيين حتى عقد معهم هدنة كان من شروطها بناء مسجد في القسطنطينية، وحين انهارت الدولة العربية وتعرضت الأمة الإسلامية إلى غزو المغول والصليبيين ظهرت قيادات تركية يحتفظ لها العرب إلى اليوم بوفاء كبير لما قدمته من دفاع مخلص وقوي عن الإسلام مثل عماد الدين زنكي ونور الدين وقائدهم العسكري الفذ صلاح الدين الذي قاد العرب إلى النصر في حطين، وحين ضعف شأن الأمة بعد موت صلاح الدين وتمزقت الدولة الأيوبية ظهرت قيادات إسلامية من مختلف القوميات والجنسيات مثل دولة الظاهر بيبرس البندقداري وأصله تركي كازاخي من القبجاق وقد حقق مع المظفر قطز (وأصله من خوارزم) نصراً في عين جالوت، ثم تابع الظاهر تحرير بلاد المسلمين من الصليبيين ولم تطل فترة حكم أبنائه بعده.

هذا التاريخ المشترك بين العرب والأتراك هو الذي جعل العرب يقبلون العثمانيين، فالدولة التي ضمت بلاد العرب عام 1516م وأسست دولة إسلامية عظمى في العالم، لم ينظر إليها العرب على أنها قوة غازية كما نظروا إلى الغزوين المغولي والصليبي، فلم يقاوم الأتراك من العرب أحد بل حاربهم المماليك الذين أرادوا أن تبقى لهم السلطة وحدهم وهم الذين صعدوا إلى الحكم في بلاد الشام ومصر بسبب ضعف الأمة العربية وتهاونها عن تسلم دورها القيادي في نهايات العصر العباسي، ولم يكن لدى أحد من العرب في ذاك التاريخ اية حساسية من ظهور قوة الأتراك ضمن المنظور الإسلامي بل إن العرب تفاءلوا بالقوة الصاعدة بعد أن ذاقوا مرارة غزو المغول والصليبيين، وهذا ما يفسر كون معركة مرج دابق محصورة بين المماليك يقودهم قانصوه الغوري وهو شركسي من المماليك البرجية وبين العثمانيين الذين يقودهم سليم الأول، وكذلك كان الأمر في مصر التي هرب إليها قانصوه.

شهدت الدولة العثمانية اتساعاً ضخماً وصارت قوة كبرى خشي الغرب من نموها فبدؤوا يكيدون لها، وقد بدأ الانهيار مع تنامي نفوذ اليهود داخل الدولة ولا سيما يهود الدونمة الذين دخلوا في المسيحية والإسلام ولعبوا دوراً خطيراً في إضعاف الدولة، وفي دفع ظهور النزاعات العرقية التي رد عليها العرب بالالتفاف حول قوميتهم العربية، وحين تم انهيار الدولة نهض العرب في ثورة عربية كبرى، سرعان ما قطف البريطانيون والفرنسيون ثمارها، فقد كانوا يخططون لتقاسم تركة الرجل المريض، وبدأ الاستعمار الغربي للبلاد العربية.

بعد الاستقلال العربي لم تحصل مراجعة تاريخية وثقافية متأنية لتصويب العلاقة بين العرب والترك، حتى مضى كل من الشعبين في اتجاه، وكانت سورية الجارة الأقرب إلى تركيا قد تعرضت لخلاف كبير مع الدول التركية في الخمسينيات ثم تعرض البلدان لأزمة في أواخر التسعينيات تم تداركها بحكمة القيادتين، ولكن سورية وتركيا بدأتا نظرة جديدة لمستقبل علاقاتهما يواكبهما تقدير شعبي ورسمي كبيرين لموقف الأتراك من الغزو الأمريكي على العراق، وللموقف التركي التاريخي من القضية الفلسطينية، وتأتي أهمية هذه العلاقات من كونها تتسع لرؤية تشمل الأمة العربية والأمم الصديقة المجاورة ولئن كنت قد استعرضت جوانب من التاريخ المشترك بين العرب والأتراك فإن سمة العلاقات الجديدة هي في كونها تتمتع بالندية والتشاركية وهي بالتأكيد لا تتطلع إلى استعادة التاريخ وإنما تفيد من تجربته للانطلاق نحو المستقبل.



==
المصدر نشرة مؤتمر العرب والأتراك.. مسيرة تاريخ وحضارة 2010.

مواضيع ذات صلة: