الدولة الحمدانية
الدولة الحمدانية في حلب
336-392هـ/947-1002م
يعود أصل الحمدانيين إلى قبيلة بني تغلب الشهيرة، التي كانت تقطن الجزيرة العليا، فمن صفوفها ظهرت الأسرة الحمدانية العربية، التي عملت إلى جانب الخلافة العباسية ضد الخوارج والقرامطة وغيرهم.وقد اعتُبر الحسن ناصر الدولة المؤسس الحقيقي للدولة الحمدانية في منطقة الموصل.
كان يحكم نصيبين في سورية الأمير الحمداني سيف الدولة علي بن عبد الله (أبي الهيجاء)، الذي تطلع لحكم مدينة حلب، فتمكن من دخولها والاستيلاء عليها في 8 ربيع الأول 332هـ/17 تشرين الأول عام 944م، بعدما فرَّ حاكمها «يأنس المؤنسي» المعين من قبل الإخشيد صاحب مصر. وبعد مواجهة عسكرية بين قوات سيف الدولة والإخشيد، تمت المصالحة بينهما بمصاهرة غير متوقعة، حين تزوج سيف الدولة بفاطمة بنت الإخشيد، وتم الاتفاق إثر ذلك على بقاء بلاد الشام الشمالية تحت حكم سيف الدولة، فاعتُبر ذلك العام 336هـ/947م البداية الفعلية لقيام الدولة الحمدانية في حلب.
وطّد سيف الدولة أركان حكمه، وأمضى معظم وقته في إعداد حملات حربية ضد الإمبراطورية البيزنطية حقق خلالها عدة انتصارات، وفاز بالكثير من الأسرى والغنائم، كما قدم جيش سيف الدولة كثيراً من الشهداء والتضحيات، ووقع في الأسر بإحدى المعارك القائد الشاعر أبو فراس الحمداني.
كان سيف الدولة قائداً حربياً متميزاً، يعتمد في تنظيم حملاته على شن غارات هجومية لتحقيق النصر على البيزنطيين، كما أقام حاميات عسكرية قرب مراكز الحدود منها: حصن منصور، وحصن الثنيات، وحصن ثابت بن نصر... إلخ.
أنشأ سيف الدولة لنفسه بلاطاً فخماً كان يدعو إليه كبار العلماء والشعراء. كانت حاجة سيف الدولة للأموال كبيرة لتغطية نفقات حملاته الحربية ومتطلبات قصره، فاعتمد على جمع الأموال من الضرائب وأعمال الاحتكار والمصادرة، مما جعل أهل البلاد يشكون من ثقل الضرائب وغلظة الإدارة المالية.
اعتمد سيف الدولة في إعداد جنده على عناصر مقاتلة، تسرب إليها العديد من المرتزقة من الترك وغيرهم، الذي شكلوا قوة فرسان ذات شأن. وفي أواخر عهده، تمكن البيزنطيون من إنزال بعض الضربات المؤلمة بسيف الدولة وقواته، حين استطاعوا في عام 351هـ/962م مهاجمة مدينة حلب وتدميرها بوحشية والعودة عنها بغنائم وأسرى، دون أن يتمكن سيف الدولة من القيام بعمل ناجح يصد به الجيش البيزنطي عن عاصمته حلب، فاندلعت الفتن ضده.
في شهر صفر من عام 356هـ/كانون الثاني عام 967م، اشتد المرض على سيف الدولة؛ فتوفي في حلب ونقل جثمانه إلى مدينة ميافارقين (إحدى مدن الجزيرة وهي تقع داخل الحدود التركية الحالية) ودُفن فيها.
تسلم الإمارة بعد وفاة سيف الدولة ابنه سعد الدولة أبو المعالي شريف، اسمياً وظاهرياً، لأن مقاليد الحكم كانت في يد حاجب أبيه قرعويه ـ التركي الأصل.
تعرض عهد سعد الدولة، منذ البدء للفوضى والفتن، فثار ضده في حمص خاله الحارث بن سعيد بن حمدان، كما أن الإمبراطور البيزنطي «نقفور فوكاس» لم يتوقف عن القيام بنشاطات معادية ضد بلاد الشام، ومما أضعف حكم سعد الدولة، أنه حين حاول مباشرة الحكم بنفسه، أبعده قرعويه عن مدينة حلب ومنعه من دخولها عام 358هـ/968م، فشكل سعد الدولة قوة حاصر بها المدينة؛ فاستنجد قرعويه بالإمبراطورية البيزنطية، التي انتهزت هذه الفرصة وعملت على توسيع ممتلكاتها في منطقة الثغور وأنطاكية، فخاض سعد الدولة بعض المعارك ضد القوات البيزنطية. وفي فترة الفوضى والاضطراب توفي سعد الدولة عام 381هـ/991م؛ فخلفه ابنه أبو الفضائل سعيد، الذي لم يكن أوفر حظاً من أبيه، لأن مقاليد الأمور كانت في الواقع في يد أحد غلمان جده واسمه «لؤلؤ السيفي الكبير». وفي عام 392هـ/1002م توفي أبو الفضائل سعيد، مسموماً وبوفاته انتهى حكم الحمدانيين في حلب.
حاول لؤلؤ أن يحكم لفترة وجيزة باسم ولدي أبي الفضائل سعيد وهما: أبو الحسن علي وأبو المعالي شريف، ثم شجعته الخلافة الفاطمية؛ فأعلن نفسه حاكماً منفرداً لحل ونفى الأميرين إلى مصر. وقد ساعده في حكمه ابنه منصور، فكان حكم لؤلؤ ومنصور فترة انتقال من نهاية حكم الحمدانيين وبدء حكم المرداسيين.