أبو فراس الحمداني

الحارث بن سعيد ابن حمدان، ولد سنة 320 هـ/ 932 م، وكان ابن عم سيف الدولة وواليه على منبج. ترعرع أبو فراس الحمداني في كنف ابن عمه سيف الدولة فارساَ شاعراً يحارب الروم وقائدهم الدمستق. أُسر في قتال الروم البيزنطيين وبقي سنتين في الأسر، مودعاً في سجن وصفه بأنه يطل على البحر، ولعله كان في القسطنطينية. وقال بعضهم أنه جيء به إلى خشرنة على الفرات فحاول الهرب، ووثب إلى النهر فأُسر ثانيةً، ونقل إلى القسطنطينية وبقي بالأسر أربع سنوات.

وصنع أبو فراس في الأسر أشعاراً مؤثرة، يصف لذويه سوء حاله، ومنها قصيدته المشهورة التي خاطب فيها أمه:

يا حسرة ما أكاد أحملها عليلة، بالشام مفردة تمسك أحشاءها على حرق تسأل عنا الركبان جاهدة يا مَنْ رأى لي بحصن خرشنة يا من رأى لي الدروب شامخة يا من رأى لي القيود موثقةآخرها مزعجٌ وأولها بات بأيدي العدى معللها تطفئها والهموم تشعلها بأدمع ما تكاد تمهلها أسد شرى في القيود أرجلها دون لقاء الحبيب أطولها على حبيب الفؤاد أثقلها؟

ولما مات سيف الدولة سنة 356 هـ/967 م، حاول أبو فراس الاستيلاء على حمص، لكنه قتل سنة 357 هـ، وهو يقاتل أجناد قرغوية. وقال ابن خلّكان: «مات قتيلاً في صدد (على مقربة من حمص)، قتله رجال خاله سعد الدولة».

وقد رتب أبو فراس ديوان شعره قبل وفاته بقليل، بعد أن نقضه ومحا منه بعض القصائد. وكان يميل إلى الغلو بالاعتداد بشاعريته، إذ يزعم أنه فاق جرير والفرزدق والأخطل. وقد نبه الثعالبي إلى مواضع كثيرة من شعره على أصداء لمعاني الشعراء المعاصرين له، وهو يعترف أن أبا تمام هو أستاذه في الشراب.

مختارات من شعره:

أقناعةً من بعد طول جفاء بِأَبي وَأُمّي شادِنٌ قُلنا لَهُ وجناته تجني على عشاقه بيضٌ عَلَتها حُمرَةٌ فَتَوَرَّدَت فَكَأَنَّها بَرَزَت لَنا بِغَلالَةٍ رَشَأٌ إِذا لَحَظَ العَفيفَ بِنَظرَةٍ صَبَغَ الحَيا خَدَّيهِ لَونَ مَدامِعي كَيفَ اِتِّقاءُ جَآذِرٍ يَرمينَنا يارَبَّ تِلكَ المُقلَةِ النَجلاءِ جازَيتَني بُعداً بِقُربي في الهَوى جادَت عِراصَكِ يا شَآمُ سَحابَةٌ بَلَدُ المَجانَةِ وَالخَلاعَةِ وَالصِبا أَنواعُ زَهرٍ وَاِلتِفافُ حَدائِقٍ وَخَرائِدٌ مِثلُ الدُمى يَسقينَنا وَإِذا أَدَرنَ عَلى النَدامى كَأسَها فارَقتُ حينَ شَخَصتُ عَنها لِذَّتي وَنَزَلتُ مِن بَلَدِ الجَزيرَةِ مَنزِلاً فَيُمِرُّ عِندي كُلُّ طَعمٍ طَيِّبٍ الشامُ لا بَلَدُ الجَزيرَةِ لَذَّتي وَأَبيتُ مُرتَهَنَ الفُؤادِ بِمَنبِجَ الـ مَن مُبلِغُ النَدماءَ أَنّي بَعدَهُم وَلَقَد رَعَيتُ فَلَيتَ شِعري مَن رَعى فَحمَ الغَبِيُّ وَقُلتُ غَيرَ مُلَجلِجٍ وَصِناعَتي ضَربُ السُيوفِ وَإِنَّنيبدنوّ طيف من حبيب ٍ ناءِ نَفديكَ بِالأَمّاتِ وَالآباءِ ببديع ما فيها من الآلاء مِثلَ المُدامِ خَلَطتَها بِالماءِ بَيضاءَ تَحتَ غِلالَةٍ حَمراءِ كانَت لَهُ سَبَباً إِلى الفَحشاءِ فَكَأَنَّهُ يَبكي بِمِثلِ بُكائي بِظُبى الصَوارِمِ مِن عُيونِ ظِباءِ حاشاكَ مِمّا ضُمِّنَت أَحشائي وَمَنَحتَني غَدراً بِحُسنِ وَفائي عَرّاضَةٌ مِن أَصدَقِ الأَنواءِ وَمَحَلِّ كُلِّ فُتُوَّةٍ وَفَتاءِ وَصَفاءُ ماءٍ وَاِعتِدالُ هَواءِ كَأَسَينِ مِن لَحظٍ وَمِن صَهباءِ غَنَّينَنا شِعرَ اِبنِ أَوسِ الطائي وَتَرَكتُ أَحوالَ السُرورِ وَرائي خِلواً مِنَ الخُلَطاءِ وَالنُدَماءِ مِن رِبقِها وَيَضيقُ كُلُّ فَضاءِ وَيَزيدُ لا ماءُ الفُراتِ مُنائي سَوداءِ لا بِالرَقَّةَ البَيضاءِ أُمسي نَديمَ كَواكِبِ الجَوزاءِ مِنكُم عَلى بُعدِ الدِيارِ إِخائي إِنّي لَمُشتاقٌ إِلى العَلياءِ مُتَعَرِّضٌ في الشِعرِ بِالشُعَراءِ

المفردات:
الشادن: ولد الضبية الذي استغنى عن أمه
الغلالة: الثوب الرقيق
جآذر: بقر الوحش
العراضة: المعترضة في السماء
الأنواء: المياه
صهباء: الخمر
يزيد: نهر في الشام
ابن أوس الطائي: أبو تمّام

المراجع:
تاريخ الأدب العربي، تأليف: كارل بروكلمان، ترجمة الدكتور عبد الحليم النجار.
ديوان أبو فراس الحمداني، شرح د. يوسف شكري فرحات.
الموسوعة الشعرية، الإصدار الثالث، المجمع الثقافي في الإمارات العربية المتحدة.