الدولة المرداسية

الدولة المرداسية في حلب وشمالي سورية
415-473هـ/1020-1080م

في نهاية القرن الرابع الهجري، استولى صالح بن مرداس على الرحبة في حوض الفرات، ثم تطلع نحو حلب في عهد منصور بن لؤلؤ؛ فنشب صراع بين قوات الفريقين، استمر إلى أن تمكن صالح بن مرداس من انتزاع إمارة حلب من خصمه عام 415هـ/1020م وأسس فيها دولة بني مرداس، وأنهى بذلك حكم الفاطميين لمدينة حلب الذي لم يدم طويلاً.

تحالف المرداسيون بعد ذلك مع القبائل البدوية في بلاد الشام وتمكنوا من السيطرة على الجزء الشمالي منها. ولم يسلم الفاطميون بذلك، بل أرسلوا جيشاً بقيادة أنوشتكين، التقى بصالح وجيشه عند موقع الأقحوانة شرقي بحيرة طبرية، فقُتل صالح وأحد أولاده عام 419هـ/1024م وانهزم جيشه؛ فعاد ولداه نصر وثمال سريعاً إلى حلب.

خشي الإمبراطور البيزنطي رومانوس من سقوط حلب بيد الفاطميين بعد هزيمة الجيش المرداسي ومقتل أميره، فقاد جيشه نحو حلب وعسكر في طريقه إليها في سهل اعزاز. جمع نصر فرسان قبيلة كلاب وانقض بهم بشكل مفاجئ على المعسكر البيزنطي وأوقع بمن فيه القتل والهزيمة وكاد أن يأسر الإمبراطور نفسه. ثم اقتسم الأخوان الدولة، فحكم شمال الرحبة وبقي نصر في حلب.
وعندما نشأ خلاف بين الأخوين الأميرين، أدى إلى صراعهما على السلطة، اغتنم ذلك حاكم دمشق الفاطمي «أنوشتكين» وقاد جيشه ثانيةً نحو حلب، فتصدى له نصر بقواته قرب مدينة حماة، حيث هزم وقُتل وتابع أنوشتكين زحفه ودخل مدينة حلب فاتحاً وألحقها بالخلافة الفاطمية لمدة قصيرة، تمكن خلالها الأمير ثمال بن صالح بن مرداس من أن يسترد مدينة حلب ويعيدها للحكم المرداسي.
أقام ثمال في قلعة حلب وعمل على ترميمها وتشييد قاعات حديثة فيها. وحافظ إبان حكمه على علاقات حسنة مع الفاطميين والإمبراطورية البيزنطية. وكان يتحلى بصفاتٍ متميزة من الحلم والكرم وتذوقه للشعر والأدب. وفي أواخر عهده تعرضت بلاد الشام والجزيرة لخطر انتشار القبائل التركمانيّة. وعندما توفي ثمال عام 454هـ/1062م، خلفه بالإمارة أخوه عطية بن صالح ودخل في نزاع على السلطة مع ابن أخيه محمود بن نصر بن صالح بن مرداس، الذي كانت له الغلبة وتمكن من طرد عطية من الإمارة بمساعدة التركمان، وأوصى بالخلافة من بعده لابنه شبيب. إلا أن وصيته لم تنفذ؛ فعندما توفي عام 467هـ/1057م، وقع اختيار رجال دولته وقادته على ابنه الأكبر نصر ليخلفه في الحكم.

وجد نصر أن زيادة انتشار التركمان في صفوف العسكر يهدد الدولة بالخطر؛ فاعتقل مقدمهم أحمد شاه عام 468هـ/1076م، مصمماً على طرد التركمان من مدينة حلب، إلا أنه أخفق في ذلك ولقي حتفه في العام نفسه. وتولى إمارة حلب من بعده أخوه سابق. وبازدياد تدفق التركمان على بلاد الشام، اضطربت البلاد وبُذلت الجهود لتوحيد القبائل العربية في محاولة للوقوف في وجه التركمان. وتوجه في هذه الأثناء أمير الموصل «مسلم بن قريش العقيلي» نحو مدينة حلب وتمكن بعد معارك عديدة من دخولها والقضاء نهائياً على حكم المرداسيين فيها، وكان ذلك في ربيع الآخر عام 473هـ/27أيلول عام 1080م. وهكذا توحدت الموصل مع حلب، وكانت دمشق قد سقطت في أيدي التركمان، حيث تولى أمورها، تتش بن السلطان ألب أرسلان. وباءت محاولات مسلم بالفشل على أبواب مدينة دمشق من أجل تحريرها من الغرباء، نتيجة الضربات القاسية، التي نزلت بقواته.