سورية في العصر البيزنطي

سورية في العصر البيزنطي:


جرى تحول كبير من الغرب إلى الشرق، وتزايدت أهمية القسم الشرقي من الإمبراطورية من الناحية البشرية والاقتصادية والثقافية، حين غدت سورية تابعة لهذه الإمبراطورية الرومانية الشرقية بيزنطة. وقد قسمت إدارياً إلى ثلاث مقاطعات هي: سورية وفينيقية وفلسطين. وقسمت مقاطعة سورية بدورها إلى: سورية الأولى وعاصمتها أنطاكية وأشهر مدنها، سلوقية واللاذقية وجبلة وحلب. وكانت عاصمة سورية الثانية أفاميا وأشهر مدنها إبيفانيا/حماة وأرتيوسة/الرستن ولاريسا/شيزر.


كما قسمت مقاطعة فينيقية إلى جزئين: فينيقية الأولى وعاصمتها صور وأشهر مدنها عكا وصيدا وبيروت وجبيل. أما فينيقية الثانية (فينيقية المجاورة للبنان)؛ فكانت عاصمتها حمص وأشهر مدنها دمشق وبعلبك وتدمر.


وقسمت مقاطعة فلسطين إلى ثلاثة أقسام: الأولى وهي الوسطى الساحلية وعصمتها قيسارية وأشهر مدنها: بيت المقدس ونابلس ويافا وغزة وعسقلان، والثانية وهي الشمالية الساحلية ومركزها سكيتوبوليس/بيسان، وأشهر مدنها: طبرية وجدرة/أم قوس، والثالثة وهي الجنوبية الشرقية وعاصمتها البتراء. وضمت هذه كل مواقع الولاية العربية، التي تأسست بقد قضاء الرومان على مملكة الأنباط وجعلت بصرى عاصمتها.


تابعت سورية دورها الصناعي والتجاري الرائد. واستطاعت بنشاطات أبنائها أن تنشر مؤثراتها الحضارية في أنحاء الإمبراطورية. وحافظت أنطاكية على مستواها الفكري، المتميز وأنجبت واحتوت عدداً من المفكرين الوثنيين والمسحيين، وازدهرت في فلسطين كل من قيسارية وغزة. ونافست بيروت العاصمة في المجال الفكري.


وكان لانتشار المسيحية في سورية وبلاد شرق البحر المتوسط، أثر كبير في تطور العالم المسيحي في اتجاهين: إغريقي في المدن الساحلية، وسرياني في الداخل. وفي القرنين الثاني والثالث الميلاديين، بدأ تحول جديد إلى الآرامية الأصلية، التي تعتبر الكتابة السريانية فرعاً رئيساً منها. وقد عبر هذا التحول عن يقظة جديدة ووعي قومي بين السوريين.


وفي أوائل القرن السادس الميلادي، تعرّضت سورية لخطر التوسع الفارسي. وحاول أباطرة بيزنطة، الوقوف ضد هذا الخطر في عهد الإمبراطور جوستنيان (527-532م). وقد دوّن المؤرخ السوري «بروكوبيوس» من قيسارية معلومات هامة عن تلك الأحداث، التي بلغت ذروة خطرها في عهد كسرى أنوشروان (531-579م). وفي عهد كسرى الثاني، تجددت سياسة الهجوم الفارسي، عندما اكتسح سورية الشمالية وخرب مدنها عام 608م وتابع زحفه، فاتجه القائد هرقل إلى القسطنطينية، التي توج فيها في 15 تشرين الأول عام 611م في فترة حرجة، تمكن فيها القائد الساساني «شهر برز» من الاستيلاء على أفاميا وهدمها عام 613م ومهاجمة أنطاكية والاستيلاء عليها، ثم الاتجاه إلى دمشق وإلى بيت المقدس، التي أقام فيها حامية من جنوده. ولكن المواطنين، فتكوا بهذه الحامية، مما أثار غضب «شهر برز» وجعله يعود إليها من جديد، ويفتك بسكانها وينفي بطريرك بيت المقدس، ويسلب المقدسات التي كانت تعتبر أثمن شيء فيها.
كان كسرى الثاني، قد وجه إلى هرقل رسالة تتصف بالغرور، مما جعل هرقل يقسم أن يسير بنفسه إلى ميدان القتال على رأس قواته، فاهتم فعلاً بقتال الفرس الساسانيين منذ عام 622م، وقاد ست حملات حربية دامت حتى 627م، وانتهت بهزيمة الساسانيين وانسحابهم إلى بلادهم للدفاع عن عاصمتهم، في وقت استطاع فيه هرقل، أن يحرق معابد النار في عاصمة ميديا ومدينة زرادشت.


كانت الأنظار تتجه إلى عاصمتي الإمبراطوريتين البيزنطية والساسانية، وكانت التساؤلات تدور: أيهما ستكون سيدة الشرق من جديد. ولم يكن هناك من يتوقع أن القبائل العربية المتنازعة فيما بينها، ستوحدها دعوة النبي العربي محمد (ص) في فترة بلغ فيها استياء الجميع درجة، جعلت المواطنين يعتبرون أعمال الساسانيين والبيزنطيين بمثابة أعمال قطاع طرق. فوجد السوريون في قوة أبناء عروبتهم في شبه الجزيرة العربية خلاصاً لهم. وعندما تقابل الجيش العربي الإسلامي مع الجيش البيزنطي في معركة اليرموك، كان الجيش العربي الإسلامي، يبدو متحمساً للاستشهاد في سبيل انتصار مثل عليا آمن بها.


ولقي العرب المسلمون من أبناء بلاد الشام كل تأييد. فحرر العرب المسلمون مدينة بصرى بقيادة «أبي عبيدة بن الجراح» ومساعدة أبنائها الناقمين على الحكم البيزنطي. وفشل البيزنطيون في استرجاعها في معركة «أجنادين» الشهيرة، مما جعل هرقل يشعر باليأس ويهزم أمام جيوش التحرير العربية.
 

مواضيع ذات صلة: