دمشق في العهد اليوناني

دمشق في العهد اليوناني – المقدوني:

ارتبط تاريخ دمشق منذ الغزو المقدوني بالغرب لفترة تُقدّر بحوالي عشرة قرون، وكانت بلاد الشام بعد الإسكندر من نصيب خُلفائه السّلوقيين الذين أولوا دمشق عناية كبيرة، بينما كانت عاصمتهم في معظم أيامهم مدينة أنطاكية. وقد حُرمت دمشق من الاستقرار لاستمرار النزاع حولها بين السّلوقيين في الشام والبطالمة في مصر.


عرفت دمشق في هذه الفترة من تاريخها ازدهار الحضارة الهلنستية، التي تمازجت فيها عناصر الثقافة اليونانية مع حضارة الشرق وثقافته، وانتشرت بين أبناء دمشق لغة اليونان وثقافتهم وفنونهم.


وخلال أواخر العهد اليوناني السّلوقي ازدهرت في جنوب بلاد الشام دولة عربيّة هي دولة الأنباط وعاصمتها البتراء Petra، وامتد سلطانها على أراضي الأردن وحوران ووصل نفوذ ملوكها مرّتين إلى دمشق، وذلك عام 85ق.م في عهد الملك الحارث الثالث، وفي عام 37م في أيام الملك الحارث الرابع، وكانت بلاد الشام بما فيها دمشق قد غدت تابعة لحكم الرّومان.


 
لمحات في تاريخ دمشق العمراني  في العصر اليوناني:


 


في عصور الاحتلال الآشوري ثمّ البابلي والفارسي لم يحدث شيء هام في حياة (خريطة:دمشق)+) العمرانيّة والفنيّة، إلى أن حلّ اليونان فيها إثر احتلال ؛الاسكندر المقدوني لـسورية (333ق.م). وبالطبع لم تمرّ القرون الأربعة التي قضاها اليونان في دمشق دون أثر في تاريخ المدينة. جرت العادة أن يبالغ الكتّاب في أهميّة الدّور الحضاري الذي قام به اليونان في سورية. صحيح أنهم كانوا آنذاك يمتازون بالثقافة والنُّظُم والمبادئ الاجتماعيّة التي تختلف عمّا كان عليه الشرق، ولكن هذا الشرق الذي بسطوا سُلطانهم عليه كان على جانب كبير من الحضارة لم يرقَ إليها اليونان، ولقد تعلّموا منه الشيء الكثير لاتصالهم به قبل الاحتلال وبعده. وجَهد خلفاء الاسكندر من بَطالمة وسُلوقين إلى خلق ثقافة جديدة تعبّر عن هذا التّمازج، فتشكّلت بذلك الثقافة الهلنستيّة التي طبعت دمشق بطابعها طوال عدّة قرون.


وفي دمشق عاش اليونان مع الآراميّين جنباً إلى جنب، وأصبح لليونان جالية كبيرة سكنت أحياء مستقلّة مؤلّفة مدينة جديدة إلى جانب المدينة الآراميّة، لها نظام المدن اليونانيّة في التخطيط والتنظيم، فهي تمتاز بالشوارع المستقيمة المتقاطعة، تحصر فيما بينها وحدات سكنية (كتلاً) تشبه في مجموعها رقعة الشطرنج، كما هو الحال في الجهة الشماليّة الشرقيّة (العازريّة وحنانيا).


دلّت الدراسات الطبوغرافيّة على أن هذه الأحياء أقيمت في الجانب الشرقي من المدينة القديمة، وكانت تحتوي على ساحة واسعة هي السّوق العامّة (الأغورا) باليونانيّة، أمكن التعرّف على بعض جدرانها. ولاشكّ في أنّ الأنباط الذين احتلّوا المدينة فترة من الزمن قد قطنوا في هذا الجانب أيضاً. يدلّ على ذلك اسم المحلّة الموجودة بداخل باب توما، والتي حافظت خلال القرون الوسطى على اسمها (النّيبطون) نسبةً إلى النَّبَط. وإنّ كان ثمّة مَن حاول أن يعزو هذه التّسمية إلى Neptune إله البحر اليوناني، ولكن، هل بدمشق بحر؟
ولا ندري بماذا نفسّر عدم وجود أي بناء من هذا العهد، هل هو التنازع الدائم بين دولة البطالمة في مصر ودولة السّلوقيين في أنطاكية، ووقع دمشق بأيدي هؤلاء تارة، وأولئك تارةً أخرى؟ أم لأن تحرّكات الأنباط في البتراء فرضت حالةً من عدم الاستقرار، فلم تُشيّد بدمشق أيّة آبدة جديرة بالبقاء، كما بقيت أوابد العصر الذي تلاه إلى يومنا؟!
 



المصدر: دمشق الشام


قصة 9000 سنة من الحضارة
د.أحمد إيبش  والباحث عصام الحجار
 

مواضيع ذات صلة: