الفنانة سعاد مردم بك في الآرت هاوس
19 05
حالة تشظ وانكسار وجداني لإنسان يعيش صراع المكان والزمان
أهم ما يميز الفنانة سعاد مردم بك في معرضها المقام في غاليري آرت هاوس من السابع عشر حتى الحادي والثلاثين من أيار 2008 حضورها الخاص، حيث قدمت في أعمالها التي بلغت عشرين لوحة بصمة وشخصية متميزتين وأسلوبية تجلت في كونها رسمت على غير ذي نسق قبلها ولم يَظهر تقليدها لأحد، وتقول في ذلك «قدمت كل شيء بدءاً من الفكرة وانتهاءً بالإطار الخارجي خاصة، على أنه عالميَ المستوحى من ذاكرة الزمان».
لعل لحظة التوقف والتأمل الأولى للمتلقي أمام لوحات الفنانة بك ستكون لصالح اللون، فمن الواضح أن هناك دراسة لونية في بعض اللوحات بغية تحقيق نوع من الراحة البصرية للمتلقي قبل انتقاله إلى باقي اللوحات التي ركزت فيها على لونين فقط هما الأبيض والأسود والعمل على اللون الرمادي ولكن على نحو غير واضح، وهناك خط ثالث تمثل في لوحتين فقط وهو العمل على الخط الهندسي والمعماري، ما يعني أن العقل قد تدخل كثيراً، في حين نعلم أن جمالية العمل الفني هو أن يكون عفوياً وبسيطاً ودفقته الأولى خارجة من القلب، وفي ذلك تقول «أحب الألوان جميعها وأعتبر اللون الأسود والأبيض من أهم ألواني، علماً أنهما من أصعب الألوان خاصة فيما يتعلق بقدرة تدرجهما اللوني على خدمة الفكرة والعنصر الجمالي للعمل»، وتضيف: «لا أستطيع تفسير حبي ومقصدي منهما، تفاؤلي أو تشاؤمي، لكنهما يغلبان على جملة معارضي، مع حضور ثانوي وجانبي لباقي الألوان».
فيما يتعلق بعقلنة العمل وغياب العفوية، تقول بك «ليس هناك أي بعد فلسفي أو موضوعي أو تحضيري، بل هناك موسيقى وعلاقة متكاملة بنيت على دراسة الفكرة وكيفية معالجتها بالخط والتكوين والألوان المستخدمة».
إذا كان الإنسان ابن بيئته فهو أيضاً ابن المكان، ولا نعتقد أن عامل الزمن يكفي كي يبقي الفنان حياً ينبض، ففي نهاية المطاف الفنان وليد مشاهداته وردود فعله التي يختزلها من الموقف البصري، وعليه فإن التصاق الفنانة بك بالتراث والبيئة والإنسان واضح ولكنه التصاق هجيني ممزوج بمشاهدات بيئية مختلفة فمن الواضح في لوحاتها تأثرها بالبيئة الفلاحية المصرية حيث جاءت ملامح وجوه لوحاتها وشخوصها مصرية، وقدمت في عدد من اللوحات وجوهاً محضرة ومفلترة على شكل وضعيات تستعد كي تتصور، ما جعلها أقرب إلى التصويري منها إلى التشكيل، ثم يتدخل الحيوان بطرافة في علاقة وثيقة العرى مع الإنسان فلا يفارق لوحاتها (مرة يأتي على شكل لعبة وأخرى حياً مثل الحصان والقطة)، لكن هناك تأكيد واضح على الطير التي رمزت به إلى ا
لحرية التي ينشدها إنسان اليوم بعد أن أصبح عبد عصره.
تقول بك «نعم، صحيح أن في لوحاتي التصاق مباشر بالتراث والبيئة، وصحيح أيضاً أن الإنسان في نهاية المطاف ابن المكان بحسب ما يرى، لكنني أعود لأؤكد أن رسمي عالم خاص ولن يتأثر بالزمان لأن الذاكرة الدفينة ما زالت باقية موجودة في المكان. وقضية أقامتي في مصر لا تعني بالضرورة احتمالية تأثري طالما أنني أعيش ذاكرة الماضي وهي عالمي الخاص، الخاص جداً. وكما تشاهدون فقد قدمت التراث بشكل متميز وخاص (القبعات أو الزي) لأنني أعدت صياغته واختراعه، فجاءت القبعات المختلفة الأشكال على شكل فنتازيا من الخيال، مجرد إكسسوار فني، وأتى الإنسان بكامل جسده على اللوحة وبحالاته وتجلياته كافة من دون غاية أو مقصد فكري من ذلك بل لغايات جمالية وتعبيرية».
عموماً، هناك غنى صالوناتي في المعرض وأغانٍ وما ميزه أكثر هو البعد السياحي، لكن ما يصيب العمق الفني هما لوحتا البورتريه حيث قدمت فيهما الفنانة كل شيء خارجة من عمق التاريخ لتطل على المتلقي بوجه فرعوني ثقيل قوي التشكيل واللون، ورغم أن اللوحتين بورتريه لوجوه حيث المباشرة في الفكرة والطرح إلا أن لوحة الوجه الفرعوني اتسمت بطرح فلسفي ومعالجة تجريدية. تقول بك «الإجابة عن هذه المشاهدة لها علاقة بمبدئي المهني الذي لا يجد أن الرسم عملية فلسفية ماورائية بل مباشرة ووضوح، فعالم التجريد مدرسة قائمة بحد ذاتها، وهي طريق واختيار لما يريد الفنان التعبير عنه على أنها في النهاية أسلوبية عمل، وبالتالي ليس المهم هنا أسلوبية العمل بل المهم أن يعبر الفنان بطريقة تمكنه من إيصال أفكاره إلى المتلقي».
يذكر أن الفنانة سعاد مردم بك من مواليد دمشق ودرست الفن التشكيلي في لبنان، أقامت فترة من الزمن في كندا حيث أغنت مشاهداتها وتجربتها التشكيلية ثم استقرت في القاهرة، أقامت العديد من المعارض في باريس والكويت والرياض وجدة والقاهرة والأرجنتين، ولوحاتها مقتناة في العديد من الدول.
رياض أحمد
اكتشف سورية