«30 > 43» مجموعة قصصية للقاص إسلام أبو شكيّر

07 03

أثارت المجموعة القصصية «30 > 43» للقاص إسلام أبو شكير الصادرة عن دار التكوين في دمشق جدلاً حول جدوى الكتابة وعلاقتها بالقراءة وقرب المعنى من الواقع والقارئ معاً. إذ خرجت هذه المجموعة في تقنياتها السردية عن المألوف في عالم القص. وأسست على المناورة السردية لخلق شكل جديد من داخل المتعارف عليه، فالشكل القصصي فيها لا ينفصل عن البنى الحكائية والدلالية، وبقدر ما تتحدد قيمة النصوص من منظورها الشكلي، بقدر ما تتعزز من منظورها الدلالي.

المجموعة التي حوت اثنتي عشرة قصة قصيرة تمتاز بكون عوالمها أقرب إلى الفانتازيا منها إلى الواقعية، فبعض شخصيات أبو شكيّر لا يمت إلى الواقع بصلة، كأنها شخصيات أحلام أو شخصيات خيال، ومن القصص التي احتوت تلك الشخصيات قصص «موت» و«ذاكرة بيضاء» و«أخرى سوداء» و«قصص». أما بعضها الآخر فكان واقعياً رسمت تفاصيله بصورة أقرب إلى العفوية، ومنها قصة «ديجيتال»، وبذلك ينقلنا القاص أبو شكيّر في هذه المجموعة من الواقعي إلى المفترض وبالعكس.

يبدو القاص إسلام في هذه المجموعة متمرداً على الشكل القصصي السائد، إلا أنه لا يضيع في متاهات الشكلانية المتطرفة، إنما هو فك أسر اللغة لتشكيل خطاب لابد من أن تغلب فيه الوظيفة السردية.

إذ تنحو التقنيات الفنية التي يستعملها أبو شكيّر في مجموعته نحو الحداثة، ففي قصة «الصورة الأخيرة لي قبل الموت» استعمل تقنية الجداول، كتب في الجدول الأول متن القصة، وفي الجدول الثاني تعليقاً عليها، أو بما يسمى الحاشية، وهذه التقنية الفنية جديدة في استخداماتها إذ لم يسبقه قاص في استعمال مثل تلك التقنية، وفي الحاشية نفاجأ بملابسات تلك القصة وبما يسبق كتابتها، وأمكنة نشرها، وما يمكن أن يقال عنها، إلى أن يفاجئنا مرة أخرى بأن هذه القصة لم تكن سوى نبوءة مرعبة. حتى أنه في بعض القصص يدخل مفاهيم الحاسوب والانترنت أفق النص القصصي، ويتغذى من جوه العام ليوسع اهتمام النص؛ رامياً إلى خلق مصالحة نصية مع اهتمامات الكائن البشري الجديدة، ومراهناً في الوقت نفسه على تطويع الشكل القصصي وتوسيع آفاقه ليكون قادراً على استضمار العناصر الجديدة التي لن تفقده هويته السردية.

لغة إسلام في مجموعته لغة تجعل القارئ يسير وراء مفرداتها الطازجة السلسة لتدهشه المعاني والتراكيب في مفارقاتها، حتى أن القارئ ينتهي من المجموعة آملاً ألا تنتهي، إذ لا تشبع لديه نهمه الخاص لها.

يستثمر أبو شكيّر احتكاكه اليومي بالمفارقات اللغوية؛ ليقدم للقارئ عالماً دينامياً حياً له قدرة كبيرة على التعبير عما يحفل به الواقع، فلا يستنسخ هذا الواقع وإنما يوظف عناصره لتثبيت البنى الدلالية.

قال الناقد التونسي فتحي الهمامي عن المجموعة: «إن مفهوم الكتابة الإبداعية هنا قد تم فيه تجاوز الأدب القديم ووظائفه من حيث المعنى فالواقع الاجتماعي والسياسي قد اختفى تقريباً في المهمش معتبراً ذلك بمثابة اغتيال للمعنى ولوظيفته القديمة في الأدب فهيمنت الفكرة على القصة متجلية في الموت ومواجهته». وعن لغة أبو شكير قال: «إن لغة إسلام أبو شكيّر تحتاج إلى قراءة ترقى إلى إشكالياتها» معتبراً أن هذه المجموعة تبشر بانتقال إسلام أبو شكير باتجاه كتابة الرواية بسبب عوالمه ولغته التجريبية اللتين تحتاجان إلى فضاء أوسع.

ومن قصته التي حملت المجموعة اسمها، تقتطف المقطع الآتي:
«حسناً. الأمر معي يبدو مختلفاً قليلاً. لندع الرائحة. أليس للموت علاماتٌ أخرى تدلّ عليه؟. الظاهر أنّ ثمّة أنواعاً من الميتات تأتي هكذا. خِفْيَةً. من غير أن يشعر بوجودها أحد. بلا رائحة. ولا صوت. لا يمكن رصدها، إلاّ عبر معدّاتٍ خاصّة كتلك التي استخدمها طبيبي. ـ أمامك الآن ثلاثون دقيقة فقط.. وحاول أن تستفيد منها..
كيف؟.. أسأل نفسي.. ثمّ أبتسم.. أأتّصل بعائلتي مثلاً؟.. ما الذي يمكن أن يقدّموه لي؟.. أكتب وصيّتي؟.. ثلاثون دقيقة لا تكفي حتّى لشراء ورقةٍ وقلم.. لقد أمضيتُ ثلاثةً وأربعين عاماً وأنا حيّ. كيف لم يخطر لي أن أكتب وصيّتي؟.. كان ثمّة متّسعٌ من الوقت. وكان يمكن للوصيّة أن تكون في عدّة صفحات لا في نصف صفحة. ثلاثةٌ وأربعون عاماً كانت ستكفيني للحصول على الـ I.C.D.L. لتعلّم اللغة الإنكليزيّة. لقراءة المجلّدين الأخيرين من أعمال دوستويفسكي الكاملة. للردّ على رسالة أيمن التي يزفّ فيها إليّ نبأ زواجه من (هيلين) الإيرلنديّة. أيّامُ جمعةٍ كثيرةٌ مرّت، وكان بإمكاني أن أخرج في إحداها مع عائلتي إلى حديقة الممزر، أو السينما، أو مدينة الألعاب المائيّة..».


بيانكا ماضيّة - حلب

اكتشف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق

احمد عودة الدهش:

كاتب ومفكر ومبدع يفرض نفسه على الساحة الادبية ابوليان غني بكتاباته

الكويت