زمن العمالقة يعود من جديد في أمسية طربية تراثية مميزة للفنان ظافر الجسري

30 01

استضاف مسرح مديرية الثقافة في حلب مساء يوم الجمعة 29 كانون الثاني 2010 أمسية طربية موسيقية تراثية للفنان ظافر الجسري، أدى فيها عدداً من الأغاني التراثية التي ألفها ولحنها عدد من كبار الشعراء والملحنين في الماضي والتي قدمها هو بدوره بكل براعة واقتدار.

«الفجر»، «مضناة جفاء مرقده»، «أنت عمري»، «يا حبيب الروح»، هي كلها أغاني أداها الأستاذ ظافر بشكل مميز وبطريقة ذكّرت الحاضرين بفترة الماضي وأيام المطربين العمالقة، بالرغم من أن عدداً من هذه الأغاني لم يكن معروفاً بالنسبة للغالبية العظمى من الناس، في فكرة يشرحها السيد ظافر لـ«اكتشف سورية» بالقول: «أحببتُ أن أقدم أغانٍ جديدة ومختلفة عما اعتدنا سماعه طوال الوقت. فمعظم الناس يظنون أن الأغاني التراثية الموجودة حالياً هي فقط "يا طيرة طيري يا حمامة"، و"يا مال الشام"، و"القراصية"، و"قدك المياس". وقد قررتُ أن أقدم هذه الأغاني لكي لا يظن الناس أن الأغاني التراثية الموجودة هي 50 أو 60 أغنية فقط».

ويضيف الجسري بأنه يحاول اختيار الأغاني التراثية ذات الكلمات والألحان الجديدة والتي عمل عليها ملحنون كبار، أمثال محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وبكري كردي، إضافة إلى أغاني الكبار أمثال أم كلثوم، حيث يتابع: «أحاول تقديم أغانٍ رائعة قدمها أناس محترفون وموهوبون، ولا أقدم نمط الأغاني الشعبية أو السريعة. كما اختار الأغاني التي من الصعب أو النادر أن يغنيها أحد».

وبرغم البراعة التي قدم السيد ظافر الأغاني بها، فهو يقول بأنه مجرد «هاوٍ» في مجال الغناء رغم التدريب والدراسة التي تلقاهما في هذا المجال في الماضي، حيث يعلِّق على هذه النقطة بالقول: «درستُ الموسيقى والغناء منذ سنوات طويلة، وتعلمت أصول المهنة لدى الأتراك؛ أقوم بالتلحين ولدي عدد من الألحان التي أحاول تقديم عدد منها في كل أمسية أقوم بالغناء فيها. برغم ما سبق، أعتبر نفسي مجرد هاوٍ على اعتبار أنني أعمل في مجال الهندسة بحسب شهادتي الجامعية من جهة، ومن جهة ثانية فإنني أقدم هذه الأمسيات الموسيقية كعمل تطوعي بدون أن أتلقى من وراءها أي مقابل، وذلك رغبة مني في إحياء هذه الأغاني المميزة والعودة للزمن الجميل. وعلى اعتبار أني صاحب عمل خاص ولا أهتم بدخول المجال الفني والاحتراف فيه، فإن تواجدي هنا هو لوضع بصمة في مجال الغناء التراثي في حلب فقط لا غير».

وعن صعوبات تجربته، يقول: «أحاول القيام بحفلات موسيقية عامة الدعوة في كل حين، إلا أن عددها ليس كبيراً للأسف حيث لم تتجاوز الثلاثين حفلة خلال سبع سنوات. السبب في ذلك يعود إلى عدم وجود مموِّل. صحيح أنني أقدم ما لدي بشكل تطوعي، ويستقبلنا مسرح مديرية الثقافة بشكل مجاني، ولكن هناك أجرة الفرقة الموسيقية وكلفة التدريب وأجرة استقدام أجهزة الصوت والتصوير وغيرها من الأمور الصغيرة. حالياً أنا أكتفي بالسهرات الخاصة في المنازل ومع أصدقائي ومعارفي، ولو توفر الممول لقدمت أمسيات فنية بمعدل مرة كل شهر على الأقل. حالياً كانت هذه الأمسية من قبل ممول تبرع بأن يتحمل تكاليف هذه الحفلة رغبة منه في الاستماع ودعم هذا النمط الجميل من الأغاني».

أما على صعيد الأغاني التي تم تقديمها اليوم، فقد قدم السيد ظافر عدداً من الأغاني المعروفة إضافة إلى أخرى من تلحينه كما أسلفنا: «غنيتُ أغنيتين من ألحاني، الأولى كانت "يا حبيب الروح" من كلمات الأستاذ إبراهيم ناجي، والثانية كانت قصيدة "حكاية عاشق" من كلمات صديقي الدكتور المرحوم نزار كيالي الذي قدَّم لي ديوان شعر خاص به في الماضي طالباً مني اختيار قصائد تستحق أن يتم تلحينها وتقدم على المسرح فكان أن اخترت هذه القصيدة منه».

ثم تطرَّقنا إلى موضوع شائك وهو موضوع الغناء التراثي في مدينة حلب وواقعه، حيث علَّق: «بالنسبة لموضوع الغناء التراثي في مدينة حلب حالياً، أستطيع القول أنه بدأ بالاندثار للأسف، وأصبح مقتصراً على أغاني صباح فخري فحسب. كل المطربين الموجودين اليوم في حلب يقومون بغناء الأغاني التي أداها وإعادتها وتكرارها في أكثر من أمسية ومناسبة. من ناحية أخرى، إننا نعاني من قلة الجديد في مجال الغناء التراثي، حيث لا يوجد من يقدم أغنية تراثية جديدة ولا حتى من يحاول البحث والتنقيب واستخراج الأغاني التراثية القديمة المميزة كما أفعل أنا».

ويضيف ظافر الجسري بأن ما تحتاجه حلب في هذه المرحلة هو محاولة زرع ثقافة الفن الأصيل في نفوس الناس من جديد، مضيفاً بأن الغناء في الماضي كان أمراً عظيماً وكانت الناس تحضره بطقوس خاصة، كارتداء الألبسة الرسمية مع تبجيله وتقديره والتفاعل الراقي معه، في حين اختلف هذه الوضع كثيراً الآن عما كان عليه في الماضي، ويتابع قائلاً: «أريد إثبات أن هناك أغاني تراثية موجودة بخلاف تلك الأغاني التي تؤدَّى حالياً. إن هذه الأغاني التي أقدمها تعتبر خلاصة عمل كبار الشعراء والملحنين في الدول العربية، وأتمنى أن يتواجد أكثر من شخص يقوم بما أقوم به مع تأدية هذه الأغاني بشكل جيد واختيار الأغاني المناسبة لنبدأ محاولة إحياء الأغاني التراثية والطربية من جديد في المدينة».


من جمهور الأمسية الطربية

ولدى سؤالنا عن سر تواجد شريحة كبيرة من الشباب وتفاعلها الكبير مع هذه الأغاني فإنه يرد هذا الموضوع إلى الفطرة السليمة: «أعزو هذا الموضوع إلى الفطرة البشرية السليمة حيث لا زلت أرى شباب المدينة يعشقون هذه الأغاني ويتفاعلون معها برغم عدم معرفتهم بها من ناحية، ومن ناحية أخرى عدم معاصرتهم لهذه الأغاني في الماضي كما هو حال كبار السن. هذا الأمر بحاجة إلى شرح وتفسير طويل، إلا أنني متفائل بتواجد هذا الكم من الشباب وسعيد بأن هناك من جيل الشباب ممن لا يزال يحب الاستماع إلى تلك الأغاني».

لقد كان تفاعل الجمهور كبيراً وهائلاً منتشياً حتى كاد أن يرقص على وقع النغمات والأغاني التي قدمها السيد ظافر، والذي بدوره لم يكن مندهشاً لهذا الموضوع ويقول: «يتفاعل الجمهور مع الأغنية وفقاً لثلاثة عوامل أساسية، هي كل من الكلمات واللحن والأداء. معظم من كان هنا اليوم هو من الجمهور الدائم التواجد في أمسياتي الموسيقية الأخرى، وهو من يعشق هذا النوع من الأغاني، ويحب الأغاني الدسمة بغض النظر عما إذا كان يعرفها سابقاً أم لا».

كان السيد عبد العزيز قاسم أحد الحاضرين، وقد عبّر لنا: «أنا سعيد للغاية بوجود مثل هؤلاء المطربين في حلب ومحاولتهم إحياء الأغاني التراثية بأسلوب مميز وجميل. هناك العديد من الأغاني التي أعرفها في الماضي وأخرى أسمعها لأول مرة، إلا أنه في الوقت ذاته أشعر بأن كل الأغاني التي تم تقديمها هي أغانٍ مألوفة بالنسبة لي». ويتابع قائلاً بأن الحركة الفنية في حلب بدأت بالانحسار فيما يتعلق بموضوع الأغاني التراثية مقارنة بالسنين الماضية، إلا أنه في الوقت ذاته متفائل بعودتها بقوة إلى الساحة لعدة أسباب، يعددها قائلاً: «عانينا خلال الفترة الماضية جموداً ونقصاً في موضوع الأغاني التراثية وقلة عدد الحفلات التي تقدم هذا النوع من الأغاني، إلا أنني متفائل لعدة أسباب منها تواجد شريحة لا بأس بها من الشباب اليوم في الأمسية، والسبب الآخر هو وجود أشخاص مثل الأستاذ ظافر يحاولون تقديم هذا النمط برغم الصعوبات التي تواجهه، والسبب الثالث هو تزايد نشاط الحركة الفنية مؤخراً وتنوعها بطريقة تخاطب كل الأذواق الأمر الذي يجعلني أتفاءل وأدرك بأننا سنشهد ضمن هذه الحركة محاولات في مجال الأغاني الطربية، خصوصاً أن هذه الأغاني هي رمز لمدينة حلب ولطالما عُرف عن الشعب الحلبي تذوقه للموسيقى وحبه للطرب الأصيل».

في تلك الأمسية، قدَّم لنا الجسري ليلةً مميزة ووجبة دسمة، بحيث أعادت الكثيرين إلى الزمن الأصيل من ناحية، ومن ناحية أخرى عرَّفت شريحةً لا بأس بها من الشباب بعظمة هذه الأغاني والمستوى المميز الذي كان عليه الغناء في يوم من الأيام.


أيهم الحلبي - حلب

اكشتف سورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق