القدس في عيون التشكيليين الأجانب

10 12

عندما تجد لقضيتك صدى في عيون الآخر، تكون العلاقة الحقيقية قد بدأت، لكن هذه القضية (القدس) هي مشترك بيننا جميعاً، وتحتاج إلى أكثر من العيون لحملها.

«اكتشف سورية» يتابع تواصله مع الفنانين في الملتقى التشكيلي المقام بمجمع دمر الثقافي تحت عنوان «القدس في عيونهم»، ويتوقف اليوم عند المشاركين الأجانب في هذا الملتقى.

ديزيري ماريتي من إيطاليا:
ديزيري ماريتي «Desiree Maretti» ناقدة تشكيلية إيطالية درست الفن الإفريقي وتشارك في التحضيرات لبينالي فينيسيا:


الناقدة التشكيلية الإيطالية ديزيري ماريتي

كيف شاركت بهذا الملتقى وماذا تعني لك القدس؟
وجهت لي دعوة من مديرية الفنون للمشاركة، وهذه زيارتي الأولى إلى سورية، وهي فرصة كي أتعرف إلى الفن التشكيلي هنا في سياق العلاقات الأوربية السورية. أنا أنظر إلى القدس من الناحية الروحية، ولست مطلعة كثيراً على الجوانب السياسية، لكني أعرف شيئاً عن الصراع داخل القدس وأتمنى أن ينتهي.

أتعتقدين أن هذا الملتقى يعطي رسالة إنسانية وفنية في اتجاه معين؟
لا شك أن هذا اللقاء بين هؤلاء الفنانين هام جداً لناحية تبادل الرؤى والأفكار، فالبعض انطلق إلى جوانب فكرية أو روحية أو سياسية للخروج بصيغ جديدة، وهذه الجوانب المتعددة تعني الصورة في المجمل.

يهمني أن أعرف إن كنت قد رأيت خصوصية ما للفن السوري بالمقارنة مع الفن في أوروبا وما هي هذه الخصوصية؟
أكثر ما أحببته في الفن السوري أو اللوحة السورية هو هذه الروح التي تنسل إلى اللوحة لتترك فكرة أو رسالة أو معنى، وليس مجرد تشكيل جميل، وهذا برأيي يجعل اللوحة السورية مثيرة للاهتمام أكثر.

هانو بالوسو «Hannu Palosuo» فنان مشارك من فنلندا:
هذه المرة الثانية التي أحضر فيها إلى سورية لأشارك بملتقى دولي. أحببت هذا الملتقى فقد ساعدني على تطوير الكثير من المعارف والأفكار من خلال لقائي بهؤلاء الفنانين.


الفنان الفنلندي هانو بالوسو

تواجدكم معا كفنانين في هذا الملتقى، مع النتاج الذي سوف يخرج منه، أيحمل رسالة ما؟
الفن التشكيلي هو لغة عالمية تسهل بها عملية التواصل بين الشعوب، هذا المريول الأبيض الذي نرتديه يعطي فكرة عن هذا الاتحاد الذي يلغي الفوارق هنا، كما الفن الذي يلغي الفوارق ويتجاوز الحدود، مشاركتي في سورية هي الأولى من نوعها في العالم العربي، وهذا دفعني إلى إعادة التفكير بلوحاتي وإدخال بعض الرؤى الجديدة إلى العمل أو إلى طريقة التفكير.

ماذا تعني لك القدس؟
لم يكن لدي أي احتكاك مع فكرة القدس، لكن هذه الدعوة إلى هذا الملتقى جعلتني اقرأ عنها، القدس تمتلك معانٍ روحية وفكرية متعددة، وأنا الآن أوسع قراءاتي عنها، لكن ما أستطيع قوله وفق معرفتي المتواضعة أن هذه المدينة يجب أن تكون مفتوحة للجميع، فهي مدينة السلام! ويجب أن تبقى كذلك، ما يصلنا هو وجهات نظر متعارضة بشدة وهنا يكون التوصل إلى الحقيقة عملية صعبة.

لقد كنت ترسم الزهور سابقاً، والآن أنت ترسم الزهور، كيف ستصل فكرتك عن القدس بهذه الزهور؟
نعم، في العادة أعمل على المساحات الفارغة والذاكرة، الوردة هنا في هذا الفراغ الكبير رمز للقدس، تخيل جمال الوردة الذي يمكن تلعبه في العالم، لكن للأسف ثمة فراغ كبير من اللون الأسود! ومن جهة ثانية أنا رسمت بعض الورود لكن أكبر وردة هنا هي من زهور سورية – القرنفل - للتواصل مع السوريين، هذه الزهرة الجميلة ستحتل ذاكرتي كسورية.

نحن نتحدث عن فنانين سوريين وعرب يذهبون إلى الغرب ليتعلموا الفن، وأنت تخبرني أنك تستفيد من الفنانين السوريين وقد أثروا على مجمل تجربتك، كيف لي أن أفهمك هنا؟
أنا من فنلندا وأعيش في إيطاليا وهذا مصدر فخر كبير لي، لكن معظم الفنانين الأوربيين يطمحون بالسفر إلى أمريكا، وربما يطمح الفنانون الأمريكيون بالسفر إلى الصين مثلاً، وهنا المفارقة! لكن في النهاية أنا استفدت من الفنانين السوريين في المرة الأولى وانعكس هذا على رسمي، إذ استخدمت ألواناً لم أكن استخدمها من قبل كالأحمر، كما صار الضوء في لوحتي أكثر إشراقاً، وهذا نتيجة لاحتكاكي مع الفنانين السوريين في المرة الأولى، وهذا اللقاء سينعكس بصورة إيجابية أكبر على عملي وطريقة تفكيري فيه.

الفنان البريطاني المقيم بباريس آشلي «Ashley»:
- السيد آشلي أشفورد، أحب أن أخبرك بداية أن حوار «اكتشف سورية» الأول معك قبل أكثر من شهر لاقى صدى إيجابياً كبيراً في سورية، وخصوصاً بعد أن تعرف عليك السوريون من خلال عملك الذي لامس شغاف تربة دمشق وقببها، والأمر الآخر يكمن في شخصيتك وإصرارك على النجاح رغم بؤس الظروف التي عشتها أول قدومك إلى باريس، حيث أنك عندما لم تجد ثمناً للألوان كي ترسم بها، استخدمت أنواعاً من التراب في الرسم، وبقي التراب أساسياً في موادك في النهاية حتى اليوم رغم كل النجاح الذي تحصده.


الفنان البريطاني آشلي

دعنا نسألك كيف قبلت المشاركة في هذا الملتقى، وماذا تعني لك القدس، وما هي الرسالة التي ستخرج من هذا الملتقى الفني إلى العالم؟
أنا مواطن بريطاني ولحكومتي دور معروف بما آلت إليه الأمور في فلسطين، وبالتالي هذا الموضوع يهمني بلا شك ومصدر دائم لعدم الراحة بالنسبة لي.

وأنا كفنان دائماً أمام هذا السؤال، ما الغاية من فني؟! إذ لا بد وأن يكون لهذا الفن دورٌ ومعنى وقد أحببت أن أضعه في خدمة هذه القضايا الإنسانية، أنا كفنان أضع معنى لهذا الفن وأحاول أن أجيب على الكيفية التي يمكن بها حل قضية القدس، والجواب يظهر في الطريقة التي أرسم بها هذه القداسة التي تمتلكها هذه المدينة كمدينة للإنسانية والسلام، وهي جوهر الفكرة في اللوحة، إنها هذه القبة الصفراء من الضوء والتي تمثل معنى الأم والطبيعة، والأم والطبيعة وجهان لمقدس واحد يجب عدم قتله، لوحتي تلخص هذه الشيفرة.

دعني أحدثك عن شاعر قوطي قديم خرج من إسبانيا وجاب أوروبا وإفريقيا، أنا استخدم في لوحاتي بعضا من مفاهيم ومعاني قصائده، هو شاعر وساحر في الوقت نفسه، عندما وصل إلى أطراف الأرض الإيرلندية وقبل أن تطأها قدماه طلب من الإله بدعاء روحي طقسي خاص أن يأذن له بأن يدخل هذه الأرض، وهذا لم يفعله جورج بوش عندما دخل العراق!

لوحتك تقوم على المفهوم والقصيدة والحس الإنساني، ألهذا أنت لست حيادياً لا في المفهوم ولا في خامة التشكيل التي تنحاز إلى أطياف التراب؟
لا يمكن أن تكون حيادياً في القضايا الإنسانية، فالأرض والمدن ملك للإنسانية، سبق وقرأت لمحمود درويش بعض القصائد التي يتحدث بها عن الأرض والمقاومة، وأنا أحاول أن أرمز لهاتين الفكرتين في لوحتي، فأنا أرسم بمواد الأرض وهذا ينسجم مع مفهوم درويش، ومن خلال هذا أنا أوقد شعلة الانتماء لهذه الأرض، لهذه القداسة، فحمود درويش مزج بين مفهوم قداسة الأرض والتمسك بحق الدفاع عنها. ويبدو هذا واضحاً في اللوحة التي أشارك بها هنا إذ أستخدم أجزاء من قصيدة الشاعر القوطي بأحرفها القديمة كرمز لتقديس الأرض وحرمتها عن الانتهاك، وكذلك أجزاء من قصيدة محمود درويش (بالأحرف اللاتينية) التي تركز على الانتماء للأرض والدفاع عنها إلى النهاية، وما بين هذين الشاعرين حوارية متقدمة حاولت أن استدرج روحها وأختزنها في اللوحة.

أما حل قضية القدس فيكون إذا حاول أطراف النزاع أن ينبذوا المشاعر السلبية، وأن ينظروا إلى الموضوع من زواياه الإنسانية، أنا كفنان دوري متواضع هنا فما أحاوله هو إلقاء الضوء على هذه الأفكار.

لقد سبق لآشلي وأن تعامل مع جدران وقبب دمشق، والآن ترسم رمزياً قبة القدس، وهي القبة الأهم والأقدس في فكر وروح الشرق والإسلام، فهل كان ذات الشعور في الحالتين؟
لنعد إلى الشاعر الإسباني القديم الذي عاش قبل حوالي 3000 سنة من الآن، وقد أدرك هذا الشاعر – كما يظهر في قصيدته - معنى الكهف والجبل والتوازن بين الثنائيات (ذكر - أنثى) في الطبيعة، فقد كانت الحجارة المنتصبة ترمز إلى الذكورة، أما الجانب المؤنث فيتمثل في المغاور والكهوف والقبور وصولاً إلى القبة التي ترمز إلى المؤنث (الأرض، الأم).

أما سر اهتمامي بالمساجد الإسلامية فهو يعود إلى وجود هذا الثنائي معاً فيها، والتوازن ما بين المؤنث والمذكر، قبب ومآذن، وهذا موجود في الديانتين الإسلامية والمسيحية، لكن مع ملاحظة أن الجانب الذكوري هو المسيطر؛ ولكن الحقيقة في رأيي، أن الطبيعة لا يمكن أن تقوم إلا على الثنائي (ذكر-أنثى) ولا يمكن أن تتكامل بدونهما، أنا أرسم الطبيعة والتوازن والانسجام، والقدس تعني الطبيعة والإنسان والمقدس.

ثم ختم الفنان آشلي بتوجيه شكر خاص لـ «اكتشف سورية» قائلاً:
أريد أن أشكركم لحواركم الذي جعلني أتحدث وأقول ما أفكر به، بخلاف المقابلات الإعلامية المعتادة التي أجريت معي والتي لم تعطني هذه الفرصة، أشكركم.


عمار حسن
قام بالترجمة: محمد رفيق خضور

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

الفنان التشكيلي ياسر حمود مع الفنانة التشكيلية الإيطالية ميريا ماريتي والناقدة التشكيلية الإيطالية ديزيري ماريتي

الناقدة التشكيلية الإيطالية ديزيري ماريتي والفنان الفنلندي هانو بالوسو في حوار مع اكتشف سورية

الناقدة التشكيلية الإيطالية ديزيري ماريتي والفنان الفنلندي هانو بالوسو في حوار مع اكتشف سورية

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق