التشكيلي عبد الله أبو عسلي في حوار مع «اكتشف سورية»

13 09

عاشق الثلج والبيوت العتيقة في الجبل

يعيد بناء قناطر الرومان بما يستوحي، وإذا أتعبته العمارة البازلتية ارتاح في البساتين والكروم أو تنفس لوحةً فوق صخور اللجاة، هكذا يقضي ساعاته، فبين اللون واللون مسافة تبحث عن ذاتها لتشي بقصدٍ أو دون قصد عن اسم صاحبها عبد الله أبو عسلي الذي يتحدث عن الصدفة أو الغيرة البريئة التي قادته إلى كلية الفنون: «لم يخطر ببالي أن أدخل كلية الفنون، لكني كنت أتابع باهتمام عمل اثنين من أقاربي هما الفنان أيمن فضة رضوان والفنان فرحان أبو عسلي المقيم في الولايات المتحدة، اللذين درسا في معهد الفنون التشكيلية في السويداء وكانت موهبتهما في الرسم تثير في داخلي غيرةً لإنجاز عملٍ خاصٍ بي، وفجأة بعد أن نلت الشهادة الثانوية وجدت نفسي أتقدم لامتحان كلية الفنون الجميلة التي دخلتها دون اتباع دورات أو دروسٍ سابقة، ورغم هذا حملت الرقم 11 في امتحان القبول».

يذكر أبو عسلي كيف قضى أيام الجامعة بالعمل، لأنه احتك في تلك الفترة مع عددٍ من الطلاب ممن امتلكوا مفاتيح العمل الفني بعد التحاقهم بمراكز الفنون التشكيلية، وهنا يؤكد أن «الغيرة النبيلة وحب المنافسة» دفعته مرّة أخرى لتمكين نفسه في تخصصه (التصوير الزيتي) ليتخرج وبيده الترتيب الأول على دفعته.

عام 1989 سافر عبد الله أبو عسلي إلى السعودية بقصد العمل وبقي هناك قرابة السنة، ليعود إلى سورية ويعيش فترة يسميها «المخاض الصعب»، امتدت حتى عام 1994 كان يبحث فيها عن هوية يرغب في حملها وتحميلها في عمله الفني، فوجد مكانه بعد عدة تجارب ومحاولات مع الطبيعة أو بالأحرى مع بيئة السويداء التي شغلت الجزء الأهم من منجز أبو عسلي الفني، ويقول عن سبب وخلفية هذا التوجه: «كنت دائم الزيارات إلى منطقة الجبل وقرى السويداء، أحاول اكتشاف الزوايا المهملة فيها، وربما تحينت هذه الصور التي كنت ألتقطها بحساسية عالية كوني ابن تلك المنطقة الوقت المناسب لتطفو على سطح لوحتي بشكلٍ لا شعوريّ فيما بعد».

أولى معارض أبو عسلي كانت في المركز الثقافي الملكي بالأردن وهو معرضٌ حضّر له طوال ثلاثة أشهر وقدم فيه 35 عملاً بالباستيل وعشرة أعمال زيتية لاقت يومها الاستحسان ليعتبر المعرض ناجحاً، لكنه لم يرضِِ ربما طموح الفنان لدى عبد الله أبو عسلي، فتوجهه في تلك المرحلة إلى الرسم لأجل الفن فقط، وتعرف في تلك السنوات إلى الفنانين عصام الشاطر ومنصور الحناوي اللذين بدورهما فتحا باباً للسوق في حياة أبو عسلي الفنية وعرفاه إلى تاجر لوحات دمشقي اشترى في أول زيارة إلى مرسم أبو عسلي 30 لوحة دفعة واحدة وهي كل ما كان موجوداً في مرسمه، بيعت كل اللوحات بزمنٍ قياسي ليستدرج السوق أبو عسلي من حيث المواضيع التي قدمها في أعماله أثناء تلك الفترة، لكنه يؤكد أنه حافظ على الحالة الفنية من خلال تعامله مع الألوان وتقنيات العمل في معظم أعماله.

ويقول أبو عسلي عن سنة 1997: «تلك السنة كانت فاتحة خير بالنسبة لعملي الفني أتذكر أني أقمت معرضي في صالة نصير شورى بدمشق، وذهبت قبل يوم من الافتتاح لأرى سير العمل من حيث تعليق اللوحات وترتيبها، وعند وصولي كانت المفاجأة الكبرى بأن اللوحات قد بيعت كافة حتى قبل بدء المعرض وهذا بدوره عزز ثقتي بتوجهي وعملي، وبعد هذه الفترة التي امتدت حتى عام 1999 شعرت بالراحة لما أنجزته من عملٍ فني وحاولت المحافظة على ما وصلت إليه، وفي الفترة لتالية سرقني السوق الذي لعب الدور الأكبر في لوحاتي التي لاقت رواجاً، لكن السوق سلاح ذو حدين فهو من جهة يساهم في انتشار الفنان ومعرفة اسمه لكنه في مكانٍ ثانٍ يستهلكه، ومشكلتنا تكمن في كون اللوحة هي المورد الأساسي لنا».

بيئة السويداء بتفاصيلها المعمارية والطبيعية هي الحاضر الأكبر في لوحة أبو عسلي، بالمقابل لا تظهر دمشق التي يقطن فيها منذ مدة في أيٍّ من أعماله وهو يجد هذا مبرراً: «رغم اشتغالي على موضوع البيئة بكافة عناصرها لكني لم أستطع التفاعل مع جماليات بيئة دمشق القديمة، ربما لأني لم أعش تفاصيل البيت الدمشقي ولم أستطع الدخول فيه كثيراً خاصةً في مراحلي الأولى، بينما أجد نفسي مسكوناً بمناظر الثلج والبيوت العتيقة وما فيها من مصابيح وما تحت أشجارها من أوراق في السويداء، ربما توجهي هذا يؤكد بالفعل أن الفنان ابن بيئته ولا يستطيع مهما تنصل وابتعد إلا أن يكون في هذا المكان».

يلتصق أبو عسلي بالواقعية في عمله وهو يرى نفسه يتطور فيها ومن خلالها ويرى نفسه يحاكي مدارس جديدة ضمن مسيرة عمله أيضاً وهنا يقول: «أنا أرسم اللوحة وأتركها تتكلم عن ذاتها، لماذا لا ننجز لوحة شرقية تعبر عن هويتنا؟ لا أرى في الفنانين الذين ركبوا موجة ما بعد الحداثة إلا فنانين ملتصقين بالغرب يكررون ما يرونه هناك على أنه منجز جديد. وأنا لا أرى في نفسي توقفاً أو مراوحةً في الواقعية بل ألمس تطوراً في عملي من خلال اللون الذي كنت سابقاً أقدمه على أساس أنه أبيض وأسود والعلاقة بين هذين اللونين فقط، بينما اتجهت فيما بعد للعمل بشكل جدي على حالة اللون وإبراز عناصر لونية ضمن اللوحة. كما ألمس التطور من خلال التكنيك أيضاً، وذلك باستخدام الريشة التي كانت بدايةً تعتمد على المنمنمات ثم غدت تعتمد على اللمسات الأقل على سطح اللوحة».

يرى أبو عسلي أن لوحته «وليدة اللحظة» ولا يعرف إلى أين تسير دائماً فربما يجرد الطبيعة في لوحات كثيرة كما حصل معه أحياناً وربما يرسم ما لم يخطر على باله في أحيان، كل هذا لأنه يرى هدف لوحته هو إمتاع الناظر وتحقيق «الدهشة للوهلة الأولى»، كما يطمح في عمله بيوم يكون حقق فيه بصمته، بحيث لا يضطر إلى وضع توقيعه على اللوحة إنما يتعرف إليها الجميع من تفاصيلها.

لا يرد أبو عسلي على من يتهمه بالتصوير الفوتوغرافي إنما يسأل: «هل حقق الفوتوغراف ما حققته اللوحة من إحساس؟»، ويعتبر السؤال كافياً للدفاع عن الواقعية.

ينجز عبد الله أبو عسلي اليوم مجموعةً من اللوحات بالأبيض والأسود، وهو المجيد بها بشهادة إلياس الزيات، كما يجيد العمل على الألوان بشهادة فاتح المدرس (وهما ممن درسوا أبو عسلي واعترفوا بخط اليد بكل ما أنجزه من عملٍ فني)، ويرى في الرماديات مساحة للتعامل مع التدرج اللوني والتحدي في اكتشاف عيوب اللوحة الملونة، كما يخبئ في ثنايا مرسمه لوحات لمجموعةٍ قادمة سيرسم فيها البيئة الساحلية ليركب معها الرسام الجبلي بامتياز موج البحر.

عبد الله أبو عسلي في سطور:
- مواليد السويداء، 1962.
- خريج كلية الفنون الجميلة، جامعة دمشق، قسم التصوير الزيتي، 1986.
- عضو نقابة الفنانين التشكيليين.

المعارض الفردية:
- المركز الثقافي الملكي، عمان، 1994.
- صالة نصير شورى،1997.
- صالة نصير شورى،1997.

المعارض الجماعية:
- شارك في صالة قواف في حلب، 1999.
- صالة المكتبة الوطنية في بعقلين، لبنان، 2000.
- مجمع صحارى، دمشق، 2001.
- دبي، برجمان، 2002.
- جميع المعارض الرسمية لدى وزارة الثقافة السورية.

مقتنيات:
-المتحف الوطني، دمشق.
- وزارة الثقافة في الجمهورية العربية السورية.
- المجمع الثقافي في دبي.
- المركز الثقافي الأردني، عمان.
- متحف حوار، السعودية.
- إضافة إلى مقتنيات خاصة في كل من: الإمارات العربية المتحدة، السعودية، الأردن، لبنان، فرنسا، سويسرا، النرويج، الدنمارك، سورية، وغيرها.


عمر الأسعد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

عبد الله أبو عسلي

من أعمال الفنان عبد الله أبو عسلي

من أعمال الفنان عبد الله أبو عسلي

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

غيث العبدالله:

صديقي عبدالله أبو عسلي. صديقي الجميل، الفنان بشخصيته وأخلاقه و بحضوره الهادئ اللطيف الرزين.

كنا قد التقينا في السنة الأولى، طلاباً في كلية الفنون الجميلة، في مقرها القديم بساحة التحرير للعام الدراسي 1982/1983

اجتمعنا.....رياض أبو عسلي- باسم دحدوح- أسعد فرزات- الراحلة نوار ناصر- جانيت دوة جي- دنخا زومايا- رياض أبو عسلي- وآخرين

كان يجمعنا الحماس والنشاط والمثابرة والالتزام، لذلك وصل واحدنا إلى مشارف دروب التشكيل وتميز عبدالله بجديته، ورصانته، وهدوئه..

تحياتي عبدالله وا صديقي عبدالله أبو عسلي. صديقي الجميل، الفنان بشخصيته وأخلاقه و بحضوره الهادئ اللطيف الرزين.

تحياتي عبدالله وأتمنى أن نلتقي بعد غياب دام أكثر من عقدين.
غيث العبدالله – السقيلبية
[email protected]
http://ghaith-a.com


سوريا