حوار الثقافات - حوار الشعوب

08 12

الثقافة ظلّت تَعملُ فوق جسورٍ قوية بين سورية وفرنسا رغم التقلبات السياسية بينهما

في اللقاء الودود والحميمي الذي جمعنا في المركز الثقافي الفرنسي الأسبوع الفائت مع بيير مازو -رئيس مؤسسة شارل دوغول- قبيل محاضرته بساعات عن «الحضور المعاصر للجنرال دوغول»، قال: «صحيح أنَّ السياسة قد أساءت، في المرحلة السابقة، إلى العلاقة التاريخية بين سورية وفرنسا، لكن الثقافة ظلّت تَعملُ فوق جسورٍ قوية بين البلدين والشعبين، وها هي السياسة تَعود من جديد في عهد نيكولاي ساركوزي، لتُصلح ما أفسدته السياسة في عهد سلفه، فقط لأن جسور الثقافة لم تنقطع بين البلدين».
تَحدثَ مازو أيضاً عن انطباعاته الجميلة التي كونها إثرَ لقائه مع الطلبة السوريين الدارسين في معهد شارل دوغول للإدارة، الذي دشنه الرئيس ساركوزي في زيارته لدمشق في الرابع من أيلول الفائت، مؤكداً بأنَّ هذه الدفعة المؤلفة من مئة وخمسين طالباً وطالبة، هُم أملُ سورية الغد، لأنَّهم سوف يشكلون النواة الأولى لقيادات إدارية على درجة عالية من التأهيل.
بين الثقافة والتعليم، ثمة جسر يضيق ويتسع تبعاً لعوامل متعددة، وعليه تُبنى أفضل أو أسوأ العلاقات بين الأمم.
إنَّ ما نتلقاه في السنوات الأولى التي نقضيها على مقاعد الدراسة من معارف أولية، تُشكل الحاضنة الأساسية لثقافتنا في مراحل متصلة، بل إنَّ كلّ ما يمكن أنّ نُؤسس عليه لاحقاً من معارف مكتسبة، حتى في سني العمر المتأخرة، يأتي متسلسلاً، وبشكل تلقائي مع الكثير من الصور النمطية الراسخة، التي يتدخلُ في جانب كبير منها الموروث الشعبي، والمفاهيم السائدة، والبدهيات المتفق عليها.
من هنا تتبلور ضرورة ترجيح «حوار الثقافات» على «حوار الأديان» الذي تقيده الكثير من الأيديولوجيات المتباينة والمصالح السياسية المتقلبة.
إشكالية العلاقة القائمة بين الغرب والعالم العربي والإسلامي، ليست بالتأكيد مع أساقفة باريس ولندن وكوبنهاغن وبروكسل، فهم يعتقدون كما نعتقد بوحدانية الله، ويعرفون جيداً المكانة التي يحظى بها السيد المسيح وأُمهِ مريم والتي فضلها الله في القرآن على نساء العالمين، في عمق ثقافة كل مسلم. الإشكالية الحقيقية ليست مع هؤلاء المؤمنين، بل مع التيارات الإلحادية والصهيونية التي اندست منذ العصور الوسطى في تكوين اللجان التي ترسم السياسات التعليمية في وزارات التربية الأوروبية، عِبر ضَخها للسموم في متن المناهج التعليمية التي تُكرس أبشعَ الصور وأكثرها قبحاً عن العرب والمسلمين في أذهان التلاميذ، بدءاً من التعليم الأساسي، وصولاً إلى المرحلة النهائية من التعليم الثانوي.
من هنا أيضاً نتلمسُ حجم التقصير الهائل لجامعة الدول العربية، بوصفها الهيئة المخولة بمحاورة الاتحاد الأوروبي، عِبر المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم التابعة لها، في مسألة حساسة من هذا النوع، خصوصاً في ظل ِّالمساعي الأوروبية الحالية الراميةِ لجعلِ منطقة حوض المتوسط واحة للسلام والتنمية.
لقد رصدت الباحثة مارلين نصر من معهد بيروت للدراسات في كتابٍ صدر لها في باريس عام 2001 بعنوان:
«Les Arabes et Islam vus par les manuels scolaires franÇais» العرب والإسلام في نظر المناهج المدرسية الفرنسية، حيث رصدت 85 كتاباً مدرسياً في مادتي التاريخ والجغرافيا، موزعة على كل المراحل التعليمية، جميعها تعتمد الرؤية التلمودية الصهيونية المشوهة في وصف شخصية نبي الرحمة، وتقزيم التاريخ العربي والإسلامي، من خلال تقديم العرب على هيئة بدو جاهلين، متخلفين كسولين، فظين، يسكنون الصحراء ويفترشون الأرض تحت الخيام، ويتناولون الطعام بأصابعهم العشر، ويضطهدون المرأة.
وتتساءل الباحثة: لمصلحة من تستمر المؤسسات التعليمية الأوروبية في ترسيخ هذه الصور النمطية المشوهة في أذهان التلاميذ منذ نعومة أظفارهم، وحتى سني نضجهم؟ هل خَدمت أوروبا في الماضي؟ وهل سَتخدمها في المُستقبل؟
ألم يحن الوقت للدعوة إلى حوار على مستوى وزراء التربية والثقافة العرب مع نظرائهم الأوروبيين للبحث في هذه المسألة، التي تقف وراء الكثير من سوء الفهم القائم بين ضفتي المتوسط، والذي عبر عنه بيير مازو في ختام حديثه مع لفيف من الصحفيين بالقول مداعباً: «لم أكن أعرف قبل أنّ أحضرَ إلى سورية، كم هو رائعٌ وجميل هذا البلد، وكم الناس هنا طيبون، والأهم من كل ذلك، كم النساء هنا جميلات».


تشرين

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق