فيصل العبد الله: دمشق وغوطتها ترجعان إلى الألف الثاني قبل الميلاد

12 03

تراث تاريخي جعلها عاصمة للثقافة العالمية

دمشق اليوم عاصمة للثقافة العربية تحظى حظوتها بخميرة خزين المفكرين وأقلام الكتاب وبديع محسناتهم، ومنهم من استفاض في الولوج إلى أعماق التاريخ ينهل منه جملة وتفصيلاً عن ماضٍ يؤرخ لماضٍ، لكن غاب من يؤرخ ماضياً لمستقبل دمشق.
مؤخراً ألقى الدكتور فيصل العبد الله محاضرة بعنوان «دمشق وغوطتها في العصور القديمة» في مكتبة الأسد في الثاني عشر من آذار، تناول فيها دمشق وغوطتها تاريخياً، إذ يقول الدكتور العبد الله «لا أحد يستطيع تحديد تاريخ محدد لتأسيس دمشق نظراً لغياب الشواهد الكتابية والأثرية، وإن أقدم الإشارات الكتابية لمدينة دمشق في منتصف الألف الثاني غير كافية لإعطاء أي صورة عن ملك أو عهد، لا بل يليها قرون من غياب المعلومات بصورة تامة، وتظهر إشارات متواضعة ومنقطعة عن تاريخ المدينة في القرنين التاسع والثامن قبل الميلاد».
«ولعل اختلاط التقاليد والروايات غير الدقيقة واضح من خلال إرجاع تسمية دمشق إلى الرومية، ويقال أصل اسمها دور مسكس أي مسك مضاعف لطيبها ثم عُرِّبت فقيل دمشق».
«ومن جهة أخرى راح الباحثون يتتبعون ظهور اسمها في الوثائق المصرية والآشورية المعاصرة، وكذلك أسماء مدن أو قرى قريبة من دمشق لعلها تقدم بعض الإشارات المضيئة عن تاريخ دمشق العتيق».
«ولقد ظهر اسم دمشق بلفظ تَمسقُ بالمصرية (الهيروغليفية) في لائحة المدن التي هاجمها تحوتمس الثالث في معبد الكرنك، ويرد اسم المدينة بلفظ آرامي هو دَمشقُ، كما ورد في العهد القديم "التوراة" دَمسِق، ودارمسق، أما لدى الآشوريين فوردت دِمَشق، وإنني أجد أنه من الصعب أن تُرد هذه الألفاظ إلى أصل واحد أو معنى واحد خاصة بالنسبة للاسم دارمسق، وهناك من ذهب إلى اعتبار الاسم مسق من مَشق وأنه جبل الشمس الغاربة في ملحمة جلجامش "فدمشق تعني مدينة جبل الشمس"».
«وفي نصوص ماري أيضاً ورد اسم بلاد أبّوم بتشديد الباء منذ مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، وفي مطلع الألف الأول يختفي هذا الاسم ليظهر اسم آرام، حيث تغدو دمشق ذات تاريخ ومكانة سياسية منذ ذلك الزمن. ومن جهة أخرى تُفاجئنا نصوص آشورية من أواخر القرن الثامن قبل الميلاد باسم جغرافي ولقب اشتُهرت به منطقة دمشق ألا وهو مات أمريشو أي البلاد التي تهتم بتربية حمير النقل الأكثر استخداماً في القوافل، وقبل ظهور الجمل في القرن الثالث والحصان في القرن الثامن عشر».
يتابع الدكتور العبد الله «بدأت تتحدد ملامح دمشق السياسية وسط صراع دول ذلك الزمان أي نهايات الألف الثاني، وهي مصر وميتاني وخاتي وآشور وبابل، وكانت هذه القوى تسعى للسيطرة على دمشق التي بدأت بتجفيف مستنقعات بردى وتحويلها إلى بساتين جنة عدن الغنية باللبن والعسل وحيوانات يحبها الإنسان ويستثمرها مثل الحمير والبغال والأبقار والأغنام، وهو ما نراه في غوطة دمشق حتى يومنا هذا».
فيما يتعلق بغوطة دمشق يقول الدكتور العبد الله «إن دمشق وغوطتها حوض رسوبي خصب يبدأ من سفوح جبل قاسيون، وقد تحول هذا الحوض بفضل مياه نهرها إلى بساتين غناء كثيفة الإنتاج الزراعي، فكانت شهرتها في أنحاء المشرق العربي وصارت كجنة عدن في التراث الأدبي والتاريخي، علماً أن قطر الغوطة ومروجها المحيطة لا يزيد عن العشرين كيلومتراً، ومن ثم تبدأ بوادي الشام شبه القفراء».
«إن كثافة الزراعة في الغوطة يعتمد على نظام فعال لسقاية وتوزيع مياه النهر، ويمكنني القول إن زراعة وتجفيف مستنقعات الغوطة قد بدأ منذ الألف الثاني قبل الميلاد وربما قبل ذلك بكثير ولكن غزارة المياه وتوضعها في السهل قد سبب بعض الأمراض للسكان، كما أن المدينة وقتها لم تكن محمية بدفاعات طبيعية، وهذا يدل أن أوائل السكان لم يكونوا ليهتموا سوى بجمال الغوطة وغناها. وقد تابعت دمشق وغوطتها تطورها العمراني والثقافي في عصور الفرس واليونان والرومان والبيزنطيين فهي كانت مقر حاكم فارسي مهم، وفيها خبأ آخر ملوك الفرس كنوزه، حيث جاء أحد قادة الإسكندر للاستيلاء عليها. وكان لدمشق أيضاً الدور الأول على المستوى الفكري والديني من العصر المسيحي المبكر فهي مقر القديس يوحنا المعمدان، وفي كنيسة حنانيا اختبأ أوائل المؤمنين المبشرين بالمسيح، وأيضاً كانت موئلاً ومخبئاً وأرضاً لأسطورة القديس بولس».
إثر سؤالنا عن غياب من يؤرخ ماضياً لمستقبل دمشق يجيب الدكتور العبد الله «من يريد المستقبل يجب عليه أن ينظر نحو الماضي، وقد قال أحد الفلاسفة من عصر النهضة "إن جذور المستقبل هي في الماضي البعيد، وليس في الوسيط أو الحديث"، وأقصد بذلك أننا إذا لم نفهم مشكلات المعاصرة والمستقبل ونتعرف إليها من الماضي البعيد فلن نستطيع فهم المستقبل والإعداد له».
«إنني أجد أن دمشق تحتاج إلى من يقرأ عنها وعن ماضيها، ويعرفها ويتعرف جيداً إلى ثقافتها وبيئتها ودورها في الماضي كي يستطيع أن يتصور دورها المعاصر، وإن كانت دمشق اليوم عاصمة للثقافة العربية فإنني أجدها أبعد من ذلك بكثير وهي عاصمة للثقافة العالمية، إذاً مشكلة دمشق في المعرفة، ولعل هذا هو الهدف الرئيس الأساسي من محاضرتي اليوم».


رياض أحمد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق