شحادة الخوري: الفارابي فيلسوف مبدع لا مُقلد

07 03

المعلم الثاني لقب جعله على قدم المساواة مع أرسطو

يعد الفارابي من أغزر فلاسفة العرب إنتاجاً وأكثرهم تنوعاً فقد كتب في الفلسفة والرياضيات والفلك والكيمياء والعرافة والموسيقى وغيرها من العلوم والفنون الأخرى، إضافة إلى شروحه المتعددة عن مصنعات المعلم الأول أرسطو وغيره من فلاسفة اليونان وبخاصة ما تعلق منها بالمنطق بأوسع معانيه، مما جعل المستشرق ماترويغ يقول «إن تسمية الفارابي بالمعلم الثاني بعد أرسطو قد جعل الفيلسوفَين على قدم واحدة من المساواة»، وقد عدّه أيضاً الطبيب والفيلسوف ابن سينا أستاذاً له، وقال فيه المستشرق ماسينيون «إن الفارابي أول مفكر مسلم كان فيلسوفاً بكل ما للكلمة من معنى» وبناء عليه لُقب الفارابي بلقب «المعلم الثاني» ولم يأتِ قبله آخر يوازيه سوى أريستوطاليس أعظم فلاسفة الإغريق وعلمائهم.
«أبو نصر الفارابي: المعلم الثاني» كان عنوان المحاضرة التي ألقاها الباحث شحادة الخوري في المركز الثقافي بأبي رمانة في السادس من آذار، وقد انطوت المحاضرة على محورين أساسين: فكر الفارابي ونتاجه الإبداعي والعلمي من جهة، ومن جهة ثانية لمحة تاريخية عن حياته.
في فكره يقول الباحث الخوري «اتسمت أعمال الفارابي بالعقلانية من حيث قيامها باستيعاب المعرفة التي انتهت إليها الأفكار الفلسفية والعلمية التي وجدت قبله، واتجه إلى إبراز الأولية للعالم المادي بعيداً عن الغيبيات، كما اتسمت أيضاً بالموسوعية من حيث عدم اقتصار نشاطه على الفلسفة بل تناول في مؤلفاته وشروحه جميع أنواع المعارف الفكرية والتطبيقية والرياضيات والفيزياء والفلك والفن والأخلاق مع إتقان أربع لغات (العربية، والفارسية، والتركية، والكردية). وأشير هنا إلى أن كتب الأصول قد اختلفت في ذكر وحصر مؤلفاته اختلافاً واسعاً، وقد ذكر ابن أبي أصيبعة له مئة وثلاثة عشر كتاباً ورسالة أشهرها كتاب إحصاء العلوم الذي ترجمه جيرار الكريموني إلى اللغة اللاتينية، وكتاب صناعة علم الموسيقى، وكتاب آراء أهل المدينة الفاضلة أشهر كتبه على الإطلاق، وكتاب الموسيقى الكبير الذي وصفته المستشرقة الألمانية سيفريد هونكه بأنه «أوصله إلى علم اللوغاريتم الذي يكمن على نحو مصغر في كتابه هذا»، ونذكر أيضاً كتاب كلام في حركة الفلك، وصناعة الكيمياء، وشرح كتاب المجسطي في علم الهيئة لبطليموس، ورسالة في قوانين صناعة الشعر والخطابة، والمؤسف حقاً أن أكثر كتبه إما أنها فقدت أو أنها لا تزال في الخزائن والمكتبات العربية».
  يتابع شحادة قائلاً «ونتيجة لصعوبة الإحاطة بنتاج الفارابي لوفرته وتعدد موضوعاته فإنني آثرت في محاضرتي هذه التطرق إلى فلسفة الفارابي في نظرية الفيض والصدور وآراء أهل المدينة الفاضلة، وقبل الخوض فيها تجدر الإشارة إلى أن الفارابي استمد فلسفته من الإسلام بالدرجة الأولى والفلسفة اليونانية ثانياً متمثلة بأفلاطون وأرسطو إضافة إلى مدرسة الاسكندرية المتمثلة بأفلوطين وأتباعه، مع لفت الانتباه هنا إلى أن الفارابي لم يكن ناقلاً للفلسفات وإنما كانت له آراؤه واجتهاداته الخاصة وفلسفته المتميزة، مما يدل على أنه استقى فلسفته من منبع ثالث هو عقله الذي مكّنه من إيجاد منظومة فلسفية واحدة ومترابطة صارت فيما بعد مرجعاً لكل مفكر بعده».
فيما يتعلق بنظرية الفيض والصدور، وهي من أهم نظرياته يقول الخوري «كان يعتقد الفارابي أن الحقيقة الطبيعية الفلسفية واحدة، وليس هناك حقيقتان في موضوع واحد إنما حقيقة واحدة وهي التي كشف عنها أفلاطون وأرسطو، ويرى أن كل منظومة فكرية يجب أن تحذو حذوهما، ولكنه وقع هنا في خطأ غير مقصود إذ أعتقد أن أفلاطون وأرسطو متماثلان في الرأي، والواقع أنهما يختلفان في الرأي والمنطلقات، وما يهمنا هو أن فلسفة الفيض هذه تنطوي على مسلّمات وبديهيات التسليم بوجود الله، كما تأتي مفسرة للوحي وهذا ما أشار إليه الفارابي بقوله "إن العقل الفعال يشرق باستمرار الحقائق على العالم ولكن الأنفس ذات المخيلة الصافية تتلقى هذه الحقائق، وتعبّر عنها بلغة بشرية تجعلها في متناول حواس الآخرين ومخيلتهم ويستطيع الفليسوف وحده بفضل المنطق والتأمل العقلي أن يرتقي إلى مصدر هذه الحقائق أي العقل الفعال". هكذا كما نرى جعل الفارابي الفيلسوف في مرتبة عقلية أسمى من مرتبة النبي وبهذا فتح باب تأويل الوحي في ضوء العقل. وإن هذه الفلسفة الفيضية التي حاولت أن تحل المسائل الكونية والروحية والأخلاقية والاجتماعية والسياسية انتهت إلى نتائج لا تتفق مع الشرع سيما من نقاط ثلاثة: من كونها تعتبر الفيض قديماً ولا تقول بخلق العالم في الزمان ومن العدم، وثانيها تقول بعقل يسوس عالم العناصر وهو العقل الفعال لا الكائن الأول، وثالثها يقول بعدم بعث الأجساد ولا تقول بلذة البشرية في العالم الآخر».
أما فيما يتعلق بالمدينة الفاضلة فيقول الخوري «لم يكتفِ الفارابي في وضع نظام فلسفي متكامل بل ربط بين عالم الفكر وعالم الإنسان واهتم بالسياسة اهتماماً كبيراً وجعلها غاية فلسفته، والمدينة الفاضلة في نظره وحدة متماسكة الأجزاء قائمة على ترتيب وتسلسل ونظام مركزي دقيق، وفيها يقول الفارابي "السبب الأول نسبته إلى سائر الموجودات كنسبة ملك المدينة الفاضلة إلى سائر أجزائها"».
«لعل السؤال الهام هنا: ما الذي حدا بالفارابي إلى تخيل مدينته الفاضلة؟ أكان ذلك مصادفة أم أن حياة الناس في زمنه وما كان يكتنفها من ظروف وأوضاع اقتصادية واجتماعية وفكرية وسياسية هي التي أوحت إليه بذلك؟ ولعلني أجد بأن معاصرة الفارابي للأحداث الجسام التي مرت بها الخلافة العباسية خلال حياته التي امتدت ثمانين عاماً وما عاناه المجتمع من قحط وجوع هو ما حدا به إلى طلب السعادة الحقيقة المتصوفة في كتابه المدينة الفاضلة. إذن يجدر بي القول كما أسلفت فيما سبق إن الفارابي لم يكن مقلداً ولكنه كان مفكراً ومبدعاً، ولئن كان في بنائه لبِنات من فلسفة الإغريق إلا أنه قد دعّمه بما استمده من بيئته العربية وعقيدته الدينية ونظراته الشخصية فجاء بناؤه هذا فريداً متميزاً شامخاً».


رياض أحمد

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق

جيهان:

ررررررررررررررررررائععع

لبنان

لبنان

micha:

انا جزائرية من الصف 3 متوسطة ندرس عن كتابات لشحادة الخوري و لقد احببته

الجزائر

الجزائر

منال:

انا جزائرية ررررررائع

الجزائر

rayan:

مررررررررة حلوة

الجزائر