فاروق قندقجي يجتاز خط النار الأبيض
21 09
الطبيعة محض ألوان ولمسات والسر في اللقطة القريبة
يستضيف غاليري «آرت هاوس» معرض الفنان التشكيلي فاروق قندقجي بين 13و30 أيلول 2008، وكزائر لهذا المعرض قد تقع فوراً تحت سيطرة الحجم الكبير للوحات التي انتظمت على جدران الغاليري، هذا إن لم تأخذك ألوان الطبيعة الاستثنائية بعيداً في رحلة تتلمس فيها أصداءك الداخلية، أو ربما تجد ما هو أكثر عمومية بالنسبة لجنسنا البشري. صورٌ نجهلها عن أنفسنا سمتها الغوص في أعماق الروح البشرية، والكشف عن الأكوان التي تنضوي داخلها.
اللقطات القريبة من الأشجار تجعلك في حالة اتحاد مع مشهدٍ اعتدت أن تراه عن بعد، من فوق، أو تحت، ولكنك لم تقترب يوماً إلى داخله، أما الألوان فهي متداخلة بلا حدود، فالطبيعة عند فاروق محض ألوان ولمسات، هذه الألوان تشكل كلّ شيء، وتصوغ انطباعاتنا عما يشبه الأشياء، قد تأخذك إلى الدفء، إلى أسرار الرغبات الداخلية المستترة بصمت، إلى إيقاعات الطبيعة وثرائها في مشاهد عمومية بعيدة تفصح أحياناً عن كائناتٍ ما في الزوايا.
وفي موضوعات اللوحات قد تجد من يقول لك :ها أنا ذا، شجرة، أقف من بعيد، وربما أبدو عالماً قريباً عصياً على التوحد، أما التفاصيل فتبدو عميقة من حيث الجوهر، وتستتر أحياناً وراء غيابٍ ظاهري في عبثيةٍ كبرى تلخص الكون، أو تجعل منه رحلةً في فضاء اهليليجي، كتلة، أو أفقٍ شاسع في طبيعةٍ بكر حيث يبدو الإنسان مخلوقاً طارئاً أو ربما لم يوجد بعد.
تلك كانت انطباعات «اكتشف سورية» عن معرض فاروق قندقجي، ولم نكتفي بالانطباعات فقط بل كان لنا معه لقاءاً يحمل نكهة السر، في محاولة استكشاف ملامح المرحلة الفنية التي يعيشها فاروق اليوم.
نبدأ بالمحرضات، ما الذي يدفعك للغليان، للإبداع، ويجعلك تنجح في اجتياز ما أسميته أنت بخط النار الأبيض؟
«ربما تكون الموسيقى، موسيقى التشيلو مع البيانو تحرضني على اقتحام المساحة البيضاء وهي تشبه عملي كثيراً، وأحياناً تكون القراءة مدخلاً إلى عوالم ثانية تترجم بلون أو أكثر بما يكفي لكسر خط النار الأبيض، وفي كلتا الحالتين تبدو العزلة عن العالم الخارجي المناخ الأمثل بالنسبة لي».
هناك من قال أنك تقتصد في هذا المعرض باللون. هل ما نشاهده فعلاً اقتصاد في اللون أم التلوين؟
«اعتقد أنه اقتصاد في حالة الدخول بالتفاصيل، اللون في هذا المعرض واضحٌ وله إشعاعه، وربما كان هناك اختزالٌ فعلاً في التلوين، والأمر ينسحب أيضا على الخطوط والتكوينات. أنا أعبّر عن الأشكال بلمساتٍ بسيطة فقط».
ماذا عن الموضوعات؟
«يمكن القول أنني أتناول الرؤية الداخلية للإنسان، الطبيعة، الشجرة كروح يلخص كل الموجودات الكونية. أنا أعمل على الأشياء الداخلية أكثر من السطحية، وأعطي المتلقي مفتاحاً بسيطاً لكي يكمل المعنى ببصيرته، أحرضه من خلال هذا المفتاح على الدخول إلى عالم اللوحة. هناك حالةٌ حساسة من التوازن الدقيق بين شيء غامض يكمله المتلقي في ذهنه، وآخر مباشر ينساه بعد دقيقة».
عبّرت عن موضوعاتك بلوحاتٍ كبيرة الحجم. ما الذي يضفيه الحجم الكبير على الموضوع؟
«الحجم الكبير للوحة يجعلك ترى الأشياء بمنظور مختلف، ومن خلاله يمكنك أن ترى الأشياء الواقعية عبر لقطات مجهرية قريبة جداً تبدو وكأنها تجريد، كذلك الأمر بالنسبة للأشياء الصغيرة عندما تكبرها أكثر من اللازم. أنا أعمل عموماً على جدلية المقارنة بين حجم المتلقي واللوحة ولعبة السيطرة فيما بينهما، فهناك أشياءٌ تعتاد على رؤيتها صغيرة، ولكنها تفاجئك عندما تبدو أكبر من اللازم على سطح ممتد من حيث الاتساع، قد تسيطر عليك وتجعلك جزءاً منها وهذا سر اللقطة القريبة».
هل نحن اليوم في عصر اللوحات الكبيرة؟
«اعتقد ذلك لأن اللوحة لم تعد عملاً صغيراً محاطاً بالبراويز الذهبية كجزء من الديكور، تقوم اللوحة اليوم بمهامٍ جديدة، وأصبح لها دورٌ فكري مختلف تماماً عن وضعها السابق، فضلاً عن كون اللوحة الكبيرة ملائمة لخصائص العمارة المعاصرة بمساحاتها الواسعة، فضلاً عن الاتجاه الفني السائد اليوم نحو الأعمال التركيبية».
بدأت من الواقعية والانطباعية. أين أنت اليوم؟
«المرحلة التي أعيشها اليوم هي تطور طبيعي لحصيلة سنواتٍ طويلة من العمل التشكيلي المرتبط بالقراءة وتبلور المفاهيم الفكرية، وتنامي المخزون البصري الذي استند لدي أساساً إلى الطبيعة. بدأت واقعياً وانطباعياً، والانطباعية تعطي الفنان خبرةً كبيرةً وحرفية في التعامل مع الضوء واللون، وتُمكنه من التكنيك الذي يقوده للتعبير عن جوهر الأشياء. يمكنني القول أن هذا المعرض تعبيري-تجريدي».
محمد الأزن
اكتشف سورية