وزير الثقافة السوري لا «فابيوس» يغلق المراكز الثقافية السورية في أوروبا

09 كانون الثاني 2015

.

«يحرق الحقد وزير الخارجية الفرنسي. فيندفع في الرغبة في حصار سورية. يصر مثلا على إغلاق المفوضية الاوروبية في دمشق، فترد السيدة كاترين آشتون المسؤولة عن الخارجية الاوروبية: «لم يعد لديكم أحد في دمشق».

كتاب «الطريق إلى دمشق» ريبورتاج سياسي إعلامي طويل يرصد صناعة الحرب على سورية. يستند مؤلفاه كريستيان شينو وجورج مالبرونو إلى سرد الوقائع وينبشان الكواليس ليكسبا ثقة القارئ، ملتزمين بأسلوب «الموضوعية» الغربية. يفوّت الكتاب أو يتفادى تفسير «كره» فابيوس، وزير الخارجية الفرنسية، وحقده على ايران وسورية، فلا يذكر صهيونية فابيوس، مع أنه يسجل تطابق موقفه مع الموقف الإسرائيلي، وهيمنة المحافظين الجدد على وزارة الخارجية الفرنسية، وتهميش «المستعربين» فيها.

تهمنا في الكتاب الوقائع التي سجلها صحفيان واسعا الاطلاع لا يمكن أن يتهما بالانحياز إلى سورية. وتثبيت كلام الشخصيات الفرنسية المسؤولة، بين أقواس. والقرار السياسي الرئاسي الفرنسي لإسقاط النظام السوري، ورفض رسائل الديبلوماسيين ورجال المخابرات الفرنسيين التي تؤكد لمرجعياتهم صلابة التماسك السوري. لا يخفي الكاتبان استبعاد الديبلوماسية من وزارة الخارجية الفرنسية وهرولتها إلى الدعوة إلى الحرب. وجموح «الكره» الرسمي الفرنسي ليقود السياسة، فيصور لها الوهم أنها تستطيع أن تخلق مناطق محررة ذات حكومة موقتة توظف فيها أتباعها، وتتخلف عن الخارجية الأمريكية التي تبدو أحيانا أكثر حذرا وواقعية!

يحرق الحقد وزير الخارجية الفرنسي. فيندفع في الرغبة في حصار سورية. يصر مثلا على إغلاق المفوضية الاوروبية في دمشق، فترد السيدة كاترين آشتون المسؤولة عن الخارجية الاوروبية: «لم يعد لديكم أحد في دمشق. معلوماتكم تأتي من الخارج. لاتحدثوني عما يجري في العاصمة السورية، لأننا نحن الموجودون هناك»! ومع ذلك يستمر الضغط لفرض حصار سورية بمنع التمثيل السوري في اوروبة، وحظر التمثيل الاوروبي في سورية. ولنتذكر أن من أول طلبات المعارضة السورية في فرنسا تسليمها السفارة السورية والمركز الثقافي السوري في باريز!

في مواضع متنوعة من الكتاب نتبيّن حرص أعداء سورية على كتم الحقائق السورية عن العين، وكتم الصوت السوري عن السمع. انتقد فابيوس البلدين اللذين قاوما الضغط الفرنسي ورفضا إغلاق سفارتيهما في دمشق: تشيكيا ورومانيا. ومنعت الخارجية الفرنسية الديبلوماسيين الفرنسيين الذين يعرفون سورية من التعبير عن آرائهم، بفظاظة مستبدة تقمع "الرأي الآخر"، لأنه ينقل واقعا يناقض القرار السياسي المعتمد.
كتاب "الطريق إلى دمشق" ثمين بما فيه من معلومات، وبلغة سرد ممتع. تستحق موضوعات كثيرة فيه التوقف أمامها. لكني سألمس فقط ما اضطرنا إليه قرار وزير الثقافة: إغلاق المراكز الثقافية في مدن اوروبية منها باريز. فالقرار يحقق أمنية فابيوس الحريص على حجب صوت سورية عن العالم، وإلغاء أي شكل من أشكال تمثيلها الديبلوماسي والثقافي. بل يحاصر القرار حتى السوريين الوطنيين في مركز الهجوم على سورية: باريز! وهل نسينا هجوم المعارضة الخارجية على السفارة السورية في باريز؟!

بقي المركز الثقافي السوري في باريز صامدا طوال سنوات الحرب القاسية. قدم خدمات للجالية السورية المحرومة من سفارتها. جمع السوريين الوطنيين في أمسيات ثقافية، واستقطب الباحثين الفرنسيين الذين يريدون علاقة بسورية:

1- نظم دورات لتعليم الأطفال السوريين اللغة العربية، ملبيا رغبة أهلهم الذين لا يريدون لهم ارتياد معهد العالم العربي الذي يهيمن عليه الصهيونيون والمعارضة السورية.

2- نظم صفا خاصا لأطفال حلب المهجرين يتابعون فيه دراسة البرنامج المدرسي السوري. أمّن لقاءات الجالية السورية الوطنية بالوفود التي تعبر باريز ومنها وفد من أعضاء مجلس الشعب. ونظم أمسيات ثقافية وفنية شارك فيها موسيقيون وفنانون ومحاضرون من أصدقاء سورية.

3- تبين صفحة هذا المركز المنشورة على الإنترنت أنه مثل متقدم على النشاط الذي يحمي اللحمة السورية ويحفظ العلاقات بالمثقفين والديبلوماسيين الفرنسيين النزيهين. يستحق إذن المكافأة والثناء. وكان يفترض أن تزين قاعته بوسام ثقافي يعبر عن تقدير الإخلاص في العمل الثقافي الوطني في مكان محاصر، في زمن يتميز بانحطاط الثقافة والسياسة الغربية، وبالفراغ الفكري والثقافي هنا. لكن حدث النقيض! لايتأخر أبدا الانتقام من المخلص والوطني!

لا نستطيع تفسير قرار وزارة الثقافة الخطر إلا بتقليص سيادة الدولة على مساحات منها الثقافة، التزاما بتوصيات المنظمات الدولية الساهرة على اقتصاد السوق. أو بغياب الرؤية الستراتيجية التي تقدر أن واجبها الأول بحث تقصير الثقافة عن السياسة، والفراغ الفكري، وواجب مواجهة الفكر التكفيري، وبحث خسائر الآثار السورية، وانحسار مكانة وزارة الثقافة المستمر عن مكانتها في الحياة العامة منذ تركتها الدكتورة نجاح العطار، والتسرب من المؤسسات التي ربتها، وخطر استبعاد التراث الحضاري السوري من المناهج الدراسية الخ. في سياق الرؤية الستراتيجية فقط نفهم دور المراكز الثقافية السورية في اوروبة، وضرورة السعي لتثبيتها وتوسيعها!

لكن وزارة الثقافة تركت مهمة حماية ما بقي من المساحات الثقافية، والتخطيط لكسب مساحات جديدة، وتنازلت عن فضاء سوري ثقافي نشيط بإغلاق المراكز الثقافية السورية في اوروبة! ومتى تطوعت بهذه الهزيمة؟ في وقت سقوط مشروع الحرب على سورية، وانتصارات الجيش السوري، وصلابة القرار السياسي، ومثابرة السوريين على الدفاع عن الوطن ومنهم العاملون في المراكز الثقافية في اوروبة! هل مصادفة أن يعلن افتتاح مركز ثقافي تديره المعارضة السورية المتمردة على الدولة السورية في منتصف هذا الشهر في تركيا، وأن تغلق وزارة الثقافة مراكزها في الموعد نفسه تقريبا؟!

لا يمكن أن يقبل المدافع عن الدولة السورية قرار وزير الثقافة! لماذا رددنا إذن أن الثقافة خندق أمامي، وأننا لدغنا من الوهم بأن الثقافة كمالية وليست ضرورة سياسية وروحية، وأن النفقة على الثقافة ذات مردود بعيد المدى؟! أهكذا ينفذ توجيه السيد الرئيس إلى تدارك الفراغ الفكري، ومواجهة الفكر التكفيري؟! أهكذا ندعم الجاليات السورية التي صمدت في سنوات الحرب ونحرمها من مكان اللقاء الثقافي، ونرسل أبناء الجالية ليتعلموا اللغة في معهد العالم العربي أو في الجوامع التي تسيطر عليها داعش؟! أهكذا نحفظ العلاقة بالغربيين النزيهين أصدقاء سورية فنغلق المكان السوري للقاء بهم؟!

باسم ضغط النفقات نسبب هذه الخسائر «الستراتيجية» ونرتكب خطأ سياسيا فادحا! ونهجر السوريين في المغترب ونكسر أيدي المدافعين عن الوطن في الغربة! تريدون ضغط النفقات؟ اضغطوها في شكل آخر! خفضوا رواتب العاملين في تلك المراكز إذا كانت فائضة. تنازلوا عن سياراتكم وعن بونات البنزين التي تستهلكها وزاراتكم، وسنستبشر عندئذ بحل مشكلة المواصلات العامة! أما إغلاق المراكز الثقافية، الفسحة الباقية من سورية لجالياتها ولأصدقاء سورية، فهو إلغاء الصوت السوري، ولا يمكن إلا أن يستنكر ويثير احتجاج السوريين في المغترب! ولا يمكن إلا أن نشك في الدافع الحقيقي إليه! وكأنما مشروع كل مرحلة في وزارة الثقافة أن تدمر جزءا مما سلِم من مرحلة سابقة!

كان المفترض أن تدافع وزارة الثقافة عن مراكزها الثقافية، وأن تحاول نشرها حيث لا توجد، لا أن تبادر إلى إغلاقها! لكن يبدو أننا كلما ابتعدنا عن الدلف في وزارة الثقافة وجدنا أنفسنا تحت المزراب!

هكذا بدأت الحرب على سورية بمنع بث القنوات السورية على الأقمار العربية. وبعد أربع سنوات صمدت فيها المراكز الثقافية في اوروبة، افتتحت وزارة الثقافة عهدها الجديد بمنع الصوت السوري من الفضاء الاوروبي حيث كان مسموعا ونشيطا وفعالا في أقسى الأيام!

- - - -
هوامش:

1 – يحضر نشاطات المركز الثقافي في باريز ديبلوماسيون وسفراء فرنسيون سابقون في سورية منهم السفير ألان غرونيه، والسفير جان كلود ريشار، والسفير ميشيل رامبو، والسفير برنار لوران، وكبار موظفي الدولة السابقين ومنهم من لا يزال على رأس عمله، وأعضاء في البرلمان ومجلس الشيوخ الفرنسي منهم فيليب ماريني، وشخصيات فرنسية منهم الكولونيل ألان كورفيز، والأمير سيكست هنري دو بوربون، والكونتيسيه دو كاستر، والكونتيسيه كوليت تولستوي رئيسة جمعية أصدقاء تولستوي في فرنسا، ورواد من الفنانين الفرنسيين، ورئيس جمعية الصداقة السورية الفرنسية المحامي بيير موشون، والمستشار الوزاري بيير مونتورسي، وموظفون من وزارة الخارجية الفرنسية عملوا سابقا في سورية مثل السيد ايمانويل ايمار، ورؤساء جمعيات ثقافية وفنية، ورجال دين على رأسهم المونسنيور ستيفانو مازوتي ممثل السفارة البابوية في باريز، والمونسنيور فيليب بروتون الأسقف الفخري لأبرشية ايرداكس، والأب ميشيل لولونغ، وعدد من الصحفيين الباحثين منهم ريشار لابيفيير وكريستيان بروزيو وغابرييل مازنيف وفريدريك بيشون.

2 – يدرس اللغة العربية في المركز الثقافي السوري ثلاثون طفلا سورياً.

3 - من نشاط المركز الثقافي السوري في فرنسا المنشورة في الإنترنت:

Description:

http://www.centreculturelsyrien.com/images/logo.gifDescription:

Description:

http://www.centreculturelsyrien.com/images/drapeau.jpg

المركز الثقافي العربي السـوري - بـاريس

LE CENTRE CULTUREL ARABE SYRIEN A PARIS
a le plaisir de vous convier aux activités du mois de Janvier 2015,
Au centre culturel arabe syrien, 12 avenue de Tourville. 75007 Paris


ناديا خوست

nmc.sy المجلس الوطني للإعلام

Share/Bookmark

مواضيع ذات صلة:

اسمك

الدولة

التعليق

رشدي السالم:

فعلا وللأسف دائما من تحت الدلف لتحت المزراب!!!! هل المهرجانات المتبعثرة والمتعثرة التي تقام بين الفينة والأخرى هي أهم من المراكز الثقافية السورية في العالم؟ وهل الحفلات التي تقام هنا وهناك ودون خطة عمل واضحة ودون أي هدف أو رؤية لا ثقافية ولا استراتيجية وفي بعض الأحيان لا فنية، هل تلك الحفلات هي اهم من المركز الثقافي السوري في باريس او مدريد او سان باولو؟ عجبي!!!!

الشام

سليم عوض:

لماذا لا تتم دراسة تنشيط تلك المراكز عوضاً عن إقفالها.. أوافق الدكتورة خوست بكل ما ذكرته، نحن في هذه الأيام بأمس الحاجة لتلك المراكز وتنشيطها أكثر وتفعيلها أكثر وتسليط الضوء على نشاطها لا إغلاقها، وهل يعقل ان السبب الوحيد هو ضبط وخفض النفقات؟!!! كيف لنا أن نصدق هذا؟ ونحن نشاهد احتفالات ومهرجانات وإنتاج أفلام سينمائية وحفلات لكل أنواع الموسيقى وووو وكلها على حساب وزارة الثقافة!!!!

سورية

عجيب المدهوش:

وشو منشان المراكز الثقافية المنتشرة بالبلد والعاطلة عن العمل؟؟ شو منشانها يا ترى رح يخصصولها مكافآت على عطالتها؟ أم أنه سيشملها الإغلاق؟

سورية