وليد الآغا: بشرتني الأرض وأنقـذتني اللـوحة
02 أيلول 2014
.
لوحته تنقل المشاهد إلى عالم غني بألوان الحياة ومفعم بالحوارات الحضارية عبر الرموز السورية القديمة والحروف القادمة من أزمنة الحضارة الإنسانية الأولى على هذه الأرض ما يجعل منه فناناً مجبولاً بتراب وشجر وماء ومفردات سورية... إنه التشكيلي وليد الآغا.
يشتغل الآغا حاليا على أسلوبية جديدة بدأت معه منذ أكثر من عام وهي «تجربة تولدت من الأزمة» على حد تعبيره ويقول: «من غير قصد ظهرت على لوحتي هذه الحروف السريانية بعد بحث وتفتيش.. ولحسن الحظ أنها ظهرت الآن», سيكون إنتاجه القادم كله معتمداً على هذه الأسلوبية القائمة على علاقة الحرف السرياني القديم مع الحضارة السورية ورموزها الكثيرة وإعادة صياغتها بطريقة معاصرة ضمن مفهوم غرافيكي وتصويري للون والتكوين.
يعتمد أسلوب الآغا عبر تجربته الطويلة على الحرف القديم من النبطي إلى أبجدية جبيل وأبجدية رأس شمرا والموتيفات التراثية والهيروغليفية وهي ثيمات باقية في عمله الفني ولكنه سيضعها في حوارية بصرية مع أسلوبيته الجديدة ويقول: «اكتشفت مجموعة من العناصر التي لم تأخذ حصتها في لوحتي، ودخولها على سطح اللوحة سينشئ لغة بصرية جديدة عند المتلقي وحالة تفاعل مع اللوحة ما سيدخل عملي في طور فني جديد».
أثرت الأزمة في الفنان الآغا كغيره من السوريين فهو يراها: «فترة عصيبة نعيشها بكل ألمها وتفاصيلها وخلقت حالة من الجمود لدى الفنان مع نفسه فان لم يكن يعمل فهو في حالة مراقبة لعمل الآخرين ولكل فنان ظروفه الخاصة» ويبين الآغا أن الفنان الذي بقي في حالة عمل ولم يظهر عليه التأثر الخارجي فهو يعيش حالة ألم داخلي أكبر بكثير من الظاهر... ومن هنا فكل الفنانين قد تأثروا بهذه الأزمة.
لم يتوقف الآغا عن العمل خلال السنوات الماضية رغم الظرف الصعب الذي ولّد لديه دافعاً للاستمرار في العمل وإن لم يتمكن من عرض الأعمال التي أنتجها أثناء هذه الفترة داخل سورية بسبب عدم توافر شروط العرض المناسبة من مكان وأمن, لكنه شارك في معرض جماعي في بيروت قدم خلاله آخر ما اشتغل من لوحات بالأسلوب الجديد.
«اللوحة السورية موجودة منذ زمن في الخارج لكونها لوحة جدية».. هكذا يرى الآغا وجود العمل الفني السوري في الخارج ويعد أن الأزمة بمجملها خلقت وجوداً أكبر للوحة السورية في مختلف الساحات العالمية, وذلك بحكم الظرف وجود عدد كبير من التشكيليين السوريين في عدد كبير من الدول ترافق بحجم عمل ضخم وأساليب جديدة لعدة أسباب مع مشاركات لهؤلاء الفنانين في أهم المعارض والمزادات العالمية, وتالياً كل ذلك يعد رصيداً إضافياً للعمل الفني السوري حسب الآغا.
يرى صاحب التجربة الفنية الطويلة أن الحركة التشكيلية السورية فيها تجارب مهمة وراسخة وصاحبة هوية,إلى جانب تجارب تحاول الاقتراب من الفن المعاصر الحالي من أي هوية ويقول عنها: «حالة طارئة على الفنان الذي سيضطر للعودة بعدها للبحث عن شخصيته الفنية الخاصة وهوية لوحته».
ويلاحظ الآغا التخبط الفني في الحركة الشبابية التي تحوي كماً كبيراً من التقليد والتجريب العبثي من دون هدف واضح لنهاية مطاف اللوحة,مع محاولة البعض الوصول للشهرة بسرعة لبيع أعمالهم بأسعار عالية وبأي طريقة, وهذا يستلزم التنبه, ويقول: «يوجد شباب موهوبون يعيشون تجارب حقيقية وجدية وهم في حالة حوار مهم مع جيلنا والأجيال السابقة لهم, ما يحرّض لديهم البحث في اللوحة وطرق التعامل معها للوصول لهوية فنية لعملهم الفني ليكون شاهد عصر».
الملتقيات الفنية لها دور مهم في هذه الفترة لإعادة النشاط للحركة التشكيلية على حد تعبير الآغا ويقول عنها: «إنها تحرّك الركود الحاصل نتيجة عدم توافر شروط العرض وتخلق حواراً بين الفنانين وتحرّض لديهم حس العمل», وتساهم الملتقيات في تقريب الأجيال الفنية من بعضها عندما تضم فنانين من أعمار متنوعة على حد تعبير الآغا, ويتمنى زيادتها لما لها من دور إيجابي يعود على الجميع بالفائدة الفنية والنفسية ويساهم في زيادة النتاج الفني, وتالياً يوفر دافعاً لعرض هذه الأعمال للناس.
يمتلئ الآغا تفاؤلا بمستقبل سورية بكافة والحركة التشكيلية السورية بخاصة ويقول: «أعي تماما أن كل ما عشناه هو حرب إعلامية بحت عملت على تحريض الناس للتفريق بينهم», هذا في رأيه بدأ بالزوال مع اتضاح الحقائق وهو لا ينكر حالة الإحباط التي أصابته خلال الأزمة ولفترة قصيرة, ولكنه يشدد على أن ما لدينا من مخزون حضاري في داخلنا يستطيع التغلب على كل الهجمات الإعلامية ويوضح: «استعرضت ذاكرتي فوجدت أن من المستحيل إنكار الذات والانجرار وراء ما يزعمون فأعدت تحريض موهبتي وأنقذتني اللوحة».
ويختم الآغا: «بشرتني الأرض، وكل ما نشاهده يومياً من إصرار على الحياة أن الأزمة إلى زوال.. وحضارة سورية باقية ومستمرة».
محمد سمير طحان
tishreen.news.sy