معرض الربيع السنوي للعام 2014 «ولادة جديدة»

26 أيار 2014

بفضل النوايا الطيّبة والجدّية .. استعاد في هذه الدورة بعض حيويته وحضوره اللائق

انتهى مؤخّراً معرض الربيع السنوي 2014 .. في صالة المعارض بالمركز التربوي للفنون التشكيلية بمنطقة التجارة بدمشق .. والذي كان افتتاحه مميّزاً ومفاجئاً هذه المرّة للكثيرين الذين اعتقدوا ولأكثر من سبب عكس ذلك إن بالنسبة لعدد الحضور أو نوعيته من حيث علاقته بالفن التشكيلي وبالثقافة عموماً، هذه الظاهرة التي كنّا اعتدنا عليها خلال عقود منصرمة منذ انطلاقة المعرض السنوي العام لفناني القطر 1951، هذا التاريخ المرتبط والمعاصر لحركة الحداثة التشكيلية في سورية.

كان لفتني بداية العنوان الذي اختارته السيدة الدكتورة لبانة مشوّح وزيرة الثقافة لكلمتها للكتالوغ الخاص بمعرض الربيع السنوي للعام 2014 «ولادة جديدة» والتي جاء فيها: «للمرة الثالثة منذ بدء الحرب على سورية، يلتئم عقد الربيع التشكيلي ليشكّل ظاهرة قلّ نظيرها .. فنانون في ربيع العمر يخرجون من قوقعة الحزن ليعضّوا على ألم جراح كادت أن تثخّنهم .. ويفردوا أجنحة الأمل، ليحلّقوا في سماء يتنشّقون منها نسائم الشوق للحياة التي يستحقون».

إذن «ولادة جديدة» كان يمكن أن يكون عنواناً مناسباً لمعرض استحق المشاهدة هذه المرّة لتميّزه عن الدورات السابقة مع فائق التقدير لكل الجهود المبذولة من قبل المعنيين بالتنظيم والإدارة .. ومعرض الربيع السنوي الذي وصل إلى حالة حرجة من حيث المستوى الفني الذي أدى إلى عزوف بعض الفنانين المميّزين من الشباب في الحركة التشكيلية عن المشاركة خلال الثلاث سنوات المنصرمة، فقد استعاد في هذه الدورة بعض حيويته وحضوره اللائق بفضل النوايا الطيّبة والجدية التي بدأت بمرحلة الانتقاء واستمرت في التحضير وشكل العرض وغيرها من الأمور التنظيمية التي نتمنى أن تتوّج بالنجاح حتى مرحلة الاقتناء والتعويض على الفنانين المشاركين ويكون مجزياً وعادلاً.




إذن من حوالي الأربع مائة عمل فني تقدم للمعرض، كانت اختارت لجنة التحكيم فقط مائة وخمسون عملاً بكافة الاختصاصات (تصوير، نحت، غرافيك بمختلف تقنياتها ) وعمل فيديو آرت، بالإضافة إلى بعض المشاريع التجريبية بأساليب متنوعة وظّف فيها المشاركون ومعظمهم حديثو التخرج أدوات ومواد قد تكون غريبة وجديدة كاستخدام على الجمهور في هذه الأنواع من الأشكال الفنية، هذا وقد توزّعت الأعمال على صالة العرض الكبيرة بشكل مريح كمشاهدة وحركة وإضاءة وغيرها من الشروط وهذا برأيي ما أضاف نجاحاً إلى المعرض.

وحول ذلك كان الفنان عماد كسحوت مدير الفنون الجميلة في الوزارة وثّق إعجابه بما تم اختياره للعرض في كلمته بالكتالوغ : «لتوسيع دائرة العرض وطرح التجارب الجديدة حاولنا في هذا المعرض زيادة أفق الاختيار لفسح المجال للأفكار الخلّاقة والإبداعية غير التقليدية .. كالأعمال التركيبية والفيديو آرت .. بالإضافة إلى التصوير والنحت والغرافيك».




وسنستمر في فتح المجال لعرض المزيد من التجارب الأخرى في المعارض القادمة .. ليأخذ الفن التشكيلي بعداً أكثر انفتاحاً .. ولأجل مزيد من التألّق والإبداع.

إن تقدّم أربع مائة فنانة وفنان شاب للمشاركة في المعرض يعدّ بحد ذاته حالة صحيّة بغض النظر عن مستوى وأشكال التعبير في تلك الأعمال، وهذا ما فاجأ بعض المعنيين من الجهة الداعية للمعرض، حيث قرّرت بعد ذلك مع اللجنة المختصة بالتحكيم التشدّد في قبول الأعمال واختيار الأنسب وهذا يُسجّل كنقطة نجاح لصالح فكرة المعرض وتحقّقه.




ربما في هذا المعرض يلاحظ المتابع لأعمال الفنانين المشاركين توضّح معالم بعض التجارب الشابة فيها كحضور من حيث تأكيد خصائص البحث التشكيلي لبعضهم وهذا ما يميّز ويضيف إلى المعرض بعض الخصائص الهامة ويؤكّد ضرورة استمرارها في الوقت بالذات أكثر من أي فترة سابقة، وفي جولة على المعرض نلاحظ تميّز عديد من الأعمال كحضور في كل اختصاص سأشير هنا إلى نماذج منها لاختلافها عن السائد وليس لتفوّقها كأهمية أو قيمة، مع الأخذ بعين الاعتبار إلى تعذّر الإحاطة بكل ما هو مميّز من الأعمال وهي كثيرة كما أشرنا.

ففي اختصاص التصوير الذي اعتدنا على تفوّقه بالكمّ والنوعيّة فقد حقّق في هذا المعرض ربما هاتين الميزتين ولكن ليس بسهولة هذه المرّة بسبب الحضور اللافت لكلّ من النحت والغرافيك الذي كان مختلفاً في هذه الدورة، ومن قسم التصوير اخترنا للإضاءة أعمال كل من الفنانات والفنانين:

- ميرفت برمبو .. عنوان اللوحة «مشهد» مشغولة بألوان الزيت على قماش وبمقاس 80+70 سم، والتي قاربت فيها كموضوع فضاء المدينة وبأجواء أكثر تحرّراً منحازة فيها إلى التجريد كألوان واختزال في الرسم، كل هذا جعل المشهد يبدو أكثر متعة ودهشة.

- عزّة حيدر .. التي قدمت عملاً ضمن مفهوم التجريد والعنوان أيضاً «مشهد» 55+60 سم، معتمدة دائماً في صياغاتها على الجرأة والاختزال لتكتفي بتحديد بعض معالم ما تريد من الطبيعة بالقليل من الألوان ، معلنة بالضوء نهايات المشهد الذي لا يتوقّعه أحد رغم اقتناعه بالنتيجة المفاجئة والممتعة في آن ..

- سامي الكور .. لوحته حملت عنوان عشاء ومقاسها 120+120 سم فقد تميّزت بإضاءتها الموفّقة بتركيزها على بعض المناطق من الكادر مع إطفائها على معظم المساحة التي ازدحمت هي أيضاً بالمفردات اللطيفة المصاغة بألوان ضربات ريشة نزقة وقوية أظهرت مهارة ومعرفة باستخدام الأدوات والمواد.




- خولة العبد الله .. لوحتها المشاركة بعنوان «أمل» وهي بمقاس 100+70سم ومشغولة بألوان الأكرليك على قماش، وقد عُرف عن الفنانة عبر أكثر من مشاركة بتفوقها الأكاديمي الذي يعكس مهارات مميّزة بالواقعية التي تمتاز بنفحات سريالية لا تقلّل من رومانسية الحدث واستثنائية اللحظة التي تختارها الفنانة بعناية لتجسيد شخصياتها المتأمّلة والمترفة بالجمال.

- اسماعيل الشيخوني .. ربما هذه المشاركة الأولى له في معرض الربيع، «بورتريه» للفنان غسان النعنع بتقنية الزيت على قماش بمقاس 61.5+61.5 سم، والذي كان حقّق من خلاله حضوراً طيباً ولافتاً من رهافة اللمسة بالرسم بواسطة الريشة مباشرة وهي مشبعة باللون وعناية مركّزة من الضوء لمناطق محدّدة أضافت متعة المشاهدة بعد دهشة .

وفي الغرافيك ..
سأكتفي هنا بالاستعانة بشهادة من أهل الاختصاص للفنان طلال العبد الله عضو لجنة التحكيم عن اختصاص الحفر، لقد حقق الغرافيك في معرض الربيع هذا العام حضورا طيبا وتوسعا أفقيا، فقد شهد مشاركة كبيرة وتعددت تقنيات الأعمال المعروضة "طبعات معدنية، حجرية، خشب، لينوليوم ومركبة" وغلب على معظمها الطباعة باللون الواحد "أسود - بني" وندرة في المطبوعات الملوّنة، ومرد ذلك برأيي كان بسبب صعوبة إنتاج الأعمال بعامة والملوّنة بخاصة وغياب أدواتها تقريباً خارج مراسم كلية الفنون الجميلة.




لقد تميزت أعمال عدد من الفنانين الشباب وبجدارة كان من بينها لوحة «صرخة» لـ إياد نصيرات، و«من وحي الشرق» طباعة مركبة لـ جيهان حجة، وتجدر الإشارة لعملين عرضا في جناح التصوير لفنانين حفارين يزاوجان بين تقنيات كل من الحفر والتصوير لكل من علاء شرابي بعنوان «عزف على العود» ولوحة «بلا عنوان» لـ شادي العيسمي.

أما في النحت الذي كان أيضاً حاضراً بقوة هذه المرة فقد اخترنا هذا الأعمال للإضاءة.

- جوليا وهبي ..التي صاغت عملها أفقياً من الخشب بمقاس 100 سم، لمجموعة من الوجوه اصطفّت بمحاذاة بعضها تتنافس على التعبير معتمدة الاختزال والتبسيط في الإعلان عن الشكل ليحضر لافتاً من شكل توضّعه والفراغ لذي أحاطه من كل جهاته تقريباً.

- ربيع قرعوني .. ثنائية من الخشب نهضت برشاقة من الفراغ الذي تخلّلها محدثاً إيقاعاً متناغماً فيما بين الكتلتين وبينهما وبين الفراغ الخارجي الذي أحاط بالعمل ككلّ والذي كان بارتفاع حوالي 50سم.

- رشا ديب .. التي قدمت عملاً تركيبياً مستفيدة من الفراغ الذي أحاط بتشكيلها المعدني لعنصرين متقابلين يرتكزان على قاعدة أفقية من الخشب منحت العمل بعض الحنان رغم قساوة المعدن.
- ريم يونس .. عمل صغير بحجمه نسبياً (29+12+10سم) اختارت له عنوان «أبيض» لتضيف من خلاله تجريداً على الصياغة التجريدية أصلاً والتي أنهت من خلالها حركة لولبية لكتلة رقيقة وحيوية بتكوينها الذي يدفعنا إلى الدوران حولها لتكتمل المشاهدة.
- منتجب يوسف .. "بلا عنوان" رغم أن العمل من المشاهدة الأولى يُفصح عن شكل ديك أو طائر خرافي، صاغه باختزال للسطوح وتبسيط شديد لتشكيل في الفراغ نهض عمله بحيوية ورشاقة وتناغم بين الفراغ الذي ترسمه حدود الحجم والكتلة نفسها التي ارتفعت مع القاعدة عن مستوى المشاهدة بحدود الـ 60 سم، وهو مشغول من خشب القطلب.

وملاحظة إيجابية أيضاً وتسجل لصالح اللجنة المنظمّة في هذه الدورة أنها أرادت التذكير بالفنان نذير نبعة الذي كان له الفضل على جيل من الفنانين الذين استطاعوا أن يؤسّسوا فيما بعد مساراً وخصوصية لتجربتهم، وكأنها أرادت من ذلك أن توجه التحية كل معرض لفنان من هؤلاء بمثابة التكريم لهم .




وحول تجربة الفنان المكرّم كتب الفنان والناقد سعد القاسم مداخلة مختصرة نختار منها بعض السطور : «نذير نبعة هو أحد أميز الأساتذة لجيل امتاز بالتجديد، وأحد أقربهم إلى قلوبهم، ويوم يتم اختياره ضيف شرف مكرّماً في معرض للشباب، ففي ذلك استجابة لرغبة عميقة قديمة لدى فنانين تعلموا منه الكثير حين كانوا شباباً، وظلّوا بعد أن تخطّوا مرحلة الشباب، يحفظون في أعماقهم احتراماً وتقديراً غير عاديين لروح المبدع فيه، ولنبل الإنسان».

وقبل أن ننهي هذه الجولة في فضاء المركز التربوي للفنون التشكيلية الذي يحتضن للمرة الثالثة إبداعات المعرض السنوي بشقيه الربيع والخريف، فقد اشتمل هذا المعرض خلال فترة العرض (30/4 – 15/5/2014) في ركن خاص داخل صالة العرض على مجموعة مهمة من الكتب والإصدارات التي تعنى بمسائل الفن والتراث وقضايا العمل الفني والتشكيلي، وهي من إصدارات الهيئة العامة للكتاب بوزارة الثقافة، وهذه بادرة جديدة وجيدة أيضاً تسجل للجهة الراعية والمنظمة للمعرض.

غازي عانا

اكتشف سورية

من الأعمال المشاركة في معرض الربيع السنوي للعام 2014	من الأعمال المشاركة في معرض الربيع السنوي للعام 2014	من الأعمال المشاركة في معرض الربيع السنوي للعام 2014

بقية الصور..