لوحات تنبض بالحياة.. فاتح المدرس: «أرسم لأُدرِك من أنا»

24 تشرين الثاني 2013

الفنان التشكيلي والقاص والشاعر فاتح المدرس الذي رحل جسداً عنا، ليبقى خالداً في الذاكرة من خلال ماقدمه عبر مسيرته الغنية شعراً وقصصاً وفناً، يعد من أبرز رموز الحداثة في الفن التشكيلي العربي، وهو من فناني القرن العشرين، وأول من أسس التجريد في سورية.

اطلق على نفسه بأنه رسام سوري عربي حديث، يرفض الأخذ بالمفاهيم المستوردة ومسبقة الصنع، كان شاهداً على جمال الأرض، والإنسان، وأحزان عصره، فغرامه بالفنون يمثل وجوده إذ قال «أرسم لأُدرِك من أنا».


من أعمال الفنان الراحل فاتح المدرس

لم يكن فاتح بعيداً عن أبناء وطنه وهمومهم فهو فنان عاش معهم وعايش ظروفهم المختلفة، فجميع لوحاته تميزت بشيء من الحزن، فأعطت صورة عن طفولته المعذبة ومراهقته الصعبة التي تحمل فيها الكثير من الألم والوحدة.

ولد الفنان فاتح المدرس عام 1922 في إحدى قرى مدينة حلب، وتلقى تعليمه فيها وفي مدينة عاليه اللبنانية، عندما تخلت عائلته عنه لم تسمح إمكانياته المادية في إتمام دراسته إذ كان يعيش في ذلك الوقت على مايبيعه من لوحات صغيرة.


من أعمال الفنان الراحل فاتح المدرس

ولحادثة وفاة والد فاتح الفنان عبد القادر تأثير كبير في وجدانه طيلة عمره، حسب ماورد في كتاب «جمر تحت الرماد... فاتح المدرس رحلة الحياة والفن».

في الأربعينيات كان فاتح فناناً سريالياً، يشرح كل لوحة من أعماله بتعليق فلسفي أو أدبي. كما تعلم على أيدي «الفنان غالب سالم، والفنان وهبي الحريري»، ثم تابع دراسته في روما بأكاديمية الفنون الجميلة، كما انتسب إلى المدرسة العليا للفنون الجميلة في باريس وتخرج فيها عام 1972 ويقال إن فاتحاً أخذ اتجاهاً آخر ساير فيه المدارس الرمزية الأوروبية في تلك الفترة، فتخلى عن أسلوب الصيغ التقليدية التي كانت سائدة في سورية وأخذ يخلق مفرداته اللغوية الخاصة به والتي اقتبسها من الفنون البدائية والقديمة لوطنه.

شارك في عام 1947 في معرض للفنانين العرب في بيت مري بـ لبنان، وبالمعرض الأول للفنانين التشكيليين السوريين في دمشق، أما في عام 1950 فنظّم المعرض الأول لأعماله في نادي اللواء بحلب، وبعد عامين شارك بمعرضين أحدهما كان في الولايات المتحدة والآخر بالسويد، كما أقام العديد من المعارض في داخل سورية وخارجها، إضافة إلى مشاركاته القيمة في المعارض السورية والعربية الجماعية.


من أعمال الفنان الراحل فاتح المدرس

لفنه ولوحاته نصيب كبير من التكريم، إذ حاز فاتح المدرس جائزة من أكاديمية الفنون الجميلة في روما، ومن وزارة المعارف السورية، وجائزة كرومباكر من جامعة كليفلاند فلوريدا «الولايات المتحدة الأميركية»، وفي عام 1952 نالت لوحته «كفرجنة» جائزة المعرض الثالث للفنون التشكيلية في المتحف الوطني بدمشق، وفي عام 1962 نال الميدالية الذهبية لمجلس الشيوخ الإيطالي، وجائزة شرف من بينالي ساو باولو لعام 1963، وجائزة الدولة السورية للفنون سنة 1968، وأيضاً حاز جائزة استحقاق من المعرض الدولي في جامعة كليفلاند- فلوريدا، وجائزة الشراع الذهبي من معرض الكويت الخامس للفنانين التشكيليين العرب، وبعد وفاته وتحديداً في عام 2006 نال وسام الاستحقاق السوري من الدرجة الممتازة الذي منحه إياه الرئيس بشار الأسد تقديراً لأعماله الفنية التشكيلية.

عيّن معيداً في كلية الفنون الجميلة بدمشق في عام 1961، وشغل منصب نقيب الفنانين التشكيليين السوريين، هو عضو في جمعية القصة والرواية، والمجلس الأعلى للفنون بدمشق، ومن مؤسسي اتحاد الفنانين العرب.

وضع مؤلفاً فيه «موجز تاريخ الفنون الجميلة»، وقدم عدة دراسات مثل « دراسة لتاريخ الفنون في اليمن قبل الميلاد»، و»دراسات في النقد الفني المعاصر» في عام 1954، إضافة إلى مجموعة محاضرات عن فلسفة الفنون ونظرياته عام 600 ق. م، وكتب مجموعتين شعريتين، الأولى عام 1959 بعنوان «القمر الشرقي يسطع على شاطئ الغرب» بالاشتراك مع شريف خزندار، والمجموعة الثانية كانت في أواخر الثمانينيات، كانت بالاشتراك مع الشاعر حسين راجي، كما أصدر مجموعة قصصية كتبها بمفرده وأطلق عليها «عود النعناع».


من أعمال الفنان الراحل فاتحل المدرس

رسم المدرّس للأم، ولفلسطين، وللثورة، وللنزوح، وللمقاومة الفلسطينية واللبنانية في الجنوب... كان له مواقف حاسمة وواضحة تجاه القضايا العربية الكبرى.

بالنسبة لألوان لوحاته فقد استمدها من حقول الشمال في حلب، كما كان للقرية والبيت العتيق مكان كبير في أعماله، التي كانت شديدة الاتصال بالطبيعة على اختلاف ألوانها، فلوحاته قريبة به وحده ميزته بين الفنانين التشكيليين السوريين والتعبيريين العرب.

فاتح المدرس هو الفنان المبدع والمتعدد المواهب الذي خلق من فنه عالماً غنياً بالشعر والقصة والرسم والموسيقى، وعن عمر يناهز السابعة والسبعين عاماً رحل في دمشق.


لودي صارجي

الوطن السورية

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق