النص الكامل للقاء الرئيس الأسد مع الصنداي تايمز البريطانية
03 آذار 2013
.
أجرت صحيفة صنداي تايمز البريطانية مقابلة مع السيد الرئيس بشار الأسد نشرت نصها الكامل الوكالة السورية للأنباء -سانا- صباح الأحد 3 آذار 2013:
فيما يلي النص الكامل للمقابلة:
صنداي تايمز: سيادة الرئيس، عرضكم الذي قدمتموه مؤخراً بإجراء حوار سياسي ترافق مع رفض الحكومة السورية للمجموعات التي يترتب عليكم تهدئتها من أجل وقف العنف، مثل المجموعات المسلحة و«الائتلاف الوطني السوري»، أي التحالف الرئيسي للمعارضة، وبالتالي فإنكم تقدمون غصن زيتون فقط للمعارضة الموالية، ومعظمها داخلية، والتي تتخلى عن الصراع المسلح وتعترف فعلياً بشرعية قيادتكم. مَن الجهات التي تبدون استعدادكم فعلاً للتحدث إليها؟
الرئيس الأسد: كي يكون جوابي دقيقاً، دعيني أولاً أصحح بعض المفاهيم الخاطئة التي يتم تداولها، والتي وردت في سؤالك.
صنداي تايمز: حسناً.
الرئيس الأسد: أولاً، عندما أعلنت الخطة، قلت إن هذه الخطة موجهة للمهتمين بالحوار، لأننا لا نستطيع وضع خطة تستند إلى الحوار مع جهات لا تؤمن به. وهكذا، فقد كنت واضحاً تماماً فيما يتعلق بهذه المسألة.
ثانياً، هذا الحوار المفتوح لا ينبغي أن يكون بين مجموعات حصرية بل بين جميع السوريين وعلى كل المستويات لأنه يدور حول مستقبل سورية. نحن ثلاثة وعشرون مليون سوري، ولنا جميعاً الحق بالمشاركة في صياغة مستقبل البلاد، وليس كما يعتبر البعض بأنه حوار بين الحكومة ومجموعات معينة في المعارضة، سواء كانت في الداخل أو في الخارج. إن استعمال تعابير «داخلية» و«خارجية» يمثّل تصوراً سطحياً للمسألة. الحوار أكثر شمولية، وهو يتعلق بكل سوري ويدور حول جميع أوجه الحياة في سورية. لا يمكن تحديد مستقبل سورية ببساطة بمن يقودها، بل بطموحات وتطلعات جميع أفراد شعبها.
الجانب الآخر للحوار هو أنه يفتح الباب للمسلحين لتسليم أسلحتهم، وقد أصدرنا أكثر من عفو لتسهيل هذا الأمر. هذه هي الطريقة الوحيدة لإجراء الحوار مع تلك المجموعات. وهذا ما كنا قد بدأناه، حتى قبل طرح الخطة، وقد سلّم البعض أسلحتهم وعادوا إلى ممارسة حياتهم الطبيعية.
إذا أردت الحديث عن المعارضة، ثمة مفهوم خاطئ آخر في الغرب، وهو أنهم يضعون كل الكيانات، حتى لو لم تكن متجانسة، في سلة واحدة، كما لو أن كل من يعمل ضد الحكومة معارض. ينبغي أن نكون واضحين حيال هذه القضية، ثمة معارضة تتكوّن من كيانات سياسية، وهناك إرهابيون مسلحون. يمكننا الانخراط في حوار مع المعارضة، لكن لا يمكننا الانخراط في حوار مع الإرهابيين. نحن هنا نحارب الإرهاب.
ثمة عبارة أخرى تُذكر بشكل متكرر وهي «معارضة الداخل» أو «المعارضة الداخلية»، ويصفونها «بالمعارضة الموالية للحكومة»، في الواقع فإن مجموعات المعارضة ينبغي أن تكون وطنية وموالية لسورية. إن المعارضة الداخلية والخارجية لا تتعلق بالموقع الجغرافي، بل بجذورها، وبمواردها وتمثيلها. هل غُرست هذه الجذور في سورية وهل تمثل الشعب السوري والمصالح السورية أو مصالح حكومات أجنبية؟ وبالتالي، هكذا ننظر إلى الحوار، هكذا بدأنا وهكذا سنستمر.
صنداي تايمز: لقد رفضت معظم مجموعات المعارضة هذا الطرح، على الأقل المعارضة الخارجية، وهي الطرف الذي يتم الحديث عنه على أنه المعارضة، والعالم بأسره يقف وراءها. معظمهم رفضوا مبادرتكم، ووصفوها بأنها «مضيعة للوقت»، وقال البعض بأنها مجرد «كلام سياسي لا فحوى له» استناداً إلى حالة انعدام الثقة؛ ووصفها وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ بأنها «تتجاوز حدود النفاق»، وقال الأميركيون بأنك «منفصل عن الواقع».
الرئيس الأسد: لن أعلّق على ما تقوله هذه الكيانات التي تُسمّى سوريّة لأنها غير مستقلة بقرارها. كسوريين، نحن مستقلّون ونرد على الأطراف المستقلّة، وهو ما لا ينطبق على هذه الكيانات. ولذلك لننظر في المزاعم الأخرى. إذا أردنا التحدث عن الانفصال عن الواقع، فإن سورية تحارب الخصوم والأعداء منذ سنتين، ولا يمكن فعل ذلك دون دعم شعبي، ولن يدعمك الناس إذا كنت منفصلاً عن واقعهم. ومن جانب آخر، أظهرت استطلاعات رأي أجريت مؤخراً في المملكة المتحدة أن نسبة كبيرة من البريطانيين يريدون من بلادهم عدم التدخل في شؤون سورية، وهم يعتقدون بأنه لا ينبغي على الحكومة البريطانية أن ترسل دعماً عسكرياً لما يسمونه «المتمردين» في سورية. ورغم ذلك، فإن الحكومة البريطانية تستمر في دفع الاتحاد الأوروبي لرفع حظر توريد السلاح المفروض على سورية وذلك للشروع بتزويد المجموعات المسلحة بأسلحة ثقيلة. هذا ما أسميه انفصالاً عن الواقع، أي عندما تكون منفصلاً عن الرأي العام في بلادك!
ويمضون أبعد من ذلك عندما يقولون بأنهم سيرسلون «مساعدات عسكرية» يصفونها بـ «غير المميتة». إن المساعدات الاستخبارية، وأجهزة الاتصالات والمساعدات المالية المقدمة مميتة جداً. وخير مثال على ذلك أحداث الحادي عشر من أيلول التي لم تُرتكب بأدوات مميتة. إن تطبيقات التكنولوجيا غير المميتة والمساعدات المالية هي التي تسببت بتلك الفظاعات. الحكومة البريطانية تريد إرسال مساعدات عسكرية إلى المجموعات المعتدلة في سورية، وهي تعرف تمام المعرفة بأنه لا وجود للمجموعات المعتدلة في سورية. جميعنا نعلم أن المجموعات التي نحاربها الآن هي القاعدة أو جبهة النصرة، وهي تابعة للقاعدة، ومجموعات أخرى تتبنى أيديولوجيا متطرفة. هذا ما يمكن وصفه بأنه يتجاوز حدود النفاق!
ما يتجاوز حدود النفاق أيضاً هو الحديث عن حرية التعبير وفي نفس الوقت يتم حظر القنوات التلفزيونية الفضائية السورية من الأقمار الصناعية الأوروبية. وعندما يتم ذرف الدموع على من يُقتل في سورية في أعمال إرهابية وفي نفس الوقت يُمنع مجلس الأمن من إصدار بيان يدين التفجيرات التي حدثت الخميس 21/2/2013 في دمشق، وقد كنتِ هنا، حيث قتل أو جرح ثلاثمئة سوري، بينهم أطفال ونساء، وجميعهم من المدنيين. ما يتجاوز حدود النفاق هو الحديث عن حقوق الإنسان وفي نفس الوقت الذهاب إلى العراق وأفغانستان وليبيا وقتل مئات آلاف الناس في حروب غير شرعية، والتحدث عن الديمقراطية بينما أوثق حلفائك هي الأنظمة الأكثر أحادية وسلطوية في العالم والتي تنتمي إلى القرون الوسطى. هذا هو النفاق.
صنداي تايمز: لكنكم تشيرون دائماً إلى الأشخاص الذين يقاتلون هنا بأنهم إرهابيون، هل تقبلون بأن البعض إرهابيون فعلاً، من جبهة النصرة والمجموعات المرتبطة بالقاعدة، لكن هناك آخرين مثل «الجيش السوري الحر»، أو المجموعات المنضوية تحت لوائه، أو المنشقين، وبعضهم أشخاص عاديون، شاركوا في إطلاق الانتفاضة، لكنهم ليسوا إرهابيين بل أشخاص يقاتلون من أجل ما يعتقدون بأنه الطريق الصحيح في هذه المرحلة؟
الرئيس الأسد: بالطبع، عندما نقول بأننا نحارب القاعدة، فإننا نعني بأن المجموعة الإرهابية الرئيسية والأكثر خطورة هي القاعدة. لقد قلت في العديد من خطاباتي ومقابلاتي بأن هذه المجموعة ليست الوحيدة في سورية، طيف هذه المجموعات يتسع ليشمل صغار المجرمين، ومهربي المخدرات، ومجموعات تقتل وتخطف من أجل المال فقط إضافة إلى المرتزقة والمسلحين؛ ومن الواضح أن هؤلاء لا يمتلكون أي أجندة سياسية أو دوافع أيديولوجية.
ما يسمى «الجيش الحر» ليس كياناً كما يريد الغرب لقرائكم أن يعتقدوا، إنه يتكون من مئات المجموعات – كما عرّفته الجهات الدولية التي عملت مع أنان والإبراهيمي - ليس لديهم قيادة ولا تراتبية، إنه مجموعة من العصابات المختلفة التي تعمل لأسباب مختلفة. إن ما يسمونه «الجيش الحر» مجرد عنوان أو مظلّة تستعمل لإضفاء الشرعية على هذه المجموعات.
هذا لا يعني أنه في بداية الصراع لم يكن هناك تحركات عفوية، كان هناك أشخاص يريدون إحداث تغيير في سورية، وقد أقررتُ بذلك علناً عدة مرات. ولهذا قلت إن الحوار ليس من أجل الصراع نفسه، بل من أجل مستقبل سورية، لأن العديد من تلك المجموعات التي طالبت بالتغيير باتت الآن ضد الإرهابيين، هي لا تزال تعارض الحكومة، لكنها لا تحمل السلاح. بالنتيجة فإن وجود احتياجات مشروعة لا يجعل السلاح مشروعاً.
صنداي تايمز: في خطتكم ذات المراحل الثلاث: المرحلة الأولى تتحدث عن وقف العنف، من الواضح أن هناك الجيش من جهة، وهناك مقاتلون على الطرف الآخر. في حالة الجيش هناك تراتبية، وعندما تريد وقف إطلاق النار هناك قائد يستطيع السيطرة على ذلك لكن عندما تتحدثون عن وقف إطلاق النار أو وقف العنف، كيف يمكنكم افتراض حدوث نفس الشيء بالنسبة للمجموعات المسلحة وأنتم تقولون بأن هناك مجموعات كثيرة جداً مجزأة ولا تخضع لقيادة واحدة.
هذه إحدى نقاط خطتكم، وبالتالي فهو طلب مستحيل. تتحدثون عن استفتاء، لكن مع وجود عدد كبير من المهجّرين داخلياً وخارجياً، والعديد منهم يشكّلون العمود الفقري للمعارضة، على الأقل المهجرون منهم، فإن استفتاءً بدونهم لن يكون عادلاً. المرحلة الثالثة تتعلق بالانتخابات البرلمانية، وينبغي أن يحدث كل هذا قبل عام 2014. إنها قائمة طويلة جداً من الأشياء التي ينبغي أن تحدث قبل العام المقبل. إذاً ما الشروط التي تضعونها للحوار ولجعل هذه الخطوات تحدث؛ ثم أليس بعض الشروط التي تربطونها بالحوار مستحيلة التحقق؟
الرئيس الأسد: هذا يعتمد على طريقتنا في النظر إلى الوضع. أولاً، لنقل إن البند الرئيسي في الخطة هو الحوار، والحوار هو الذي يضع الجدول الزمني لكل شيء آخر، وللإجراءات والتفاصيل المتعلقة بهذه الخطة. البند الأول في خطتي كان وقف العنف، إذا لم نستطع وقف العنف، فكيف يمكن أن نمضي إلى الإجراءات الأخرى مثل إجراء الاستفتاء والانتخابات؟، ورغم ذلك فإن القول بعدم إمكانية وقف العنف ليس مبرراً لعدم فعل شيء.
من جهة أخرى، كما قلت، نعم هناك العديد من المجموعات وليس لها قيادة واحدة، لكننا نعرف أن قيادتها الحقيقية هي تلك البلدان التي تموّلها وترسل لها الأسلحة، وهي بشكل رئيسي تركيا وقطر والسعودية. إذا أرادت الأطراف الخارجية فعلاً المساعدة في هذه العملية، ينبغي أن تضغط على تلك البلدان للتوقف عن تزويد أولئك الإرهابيين بالمال والسلاح. وبالنتيجة فإننا، كأي دولة ذات سيادة، لن نتفاوض مع الإرهابيين.
صنداي تايمز: يقول منتقدوك إن المفاوضات الحقيقية قد تفضي إلى سقوطك، وسقوط حكومتك أو نظامك، وأنك تعرف هذا، ولهذا السبب فإنك تقدّم سيناريوهات مستحيلة عملياً للحوار والمفاوضات؟.
الرئيس الأسد: أنا لا أعرف هذا، بل أعرف العكس. منطقياً وواقعياً، إذا كان هذا هو الحال، ينبغي على أولئك الخصوم أو الأعداء أن يدفعوا من أجل الحوار لأنه سيؤدي إلى سقوطي. لكنهم في الواقع يفعلون العكس. إنهم يمنعون ما يسمى «كيانات المعارضة الموجودة خارج سورية» من المشاركة في الحوار لأنهم يعتقدون أن العكس هو الصحيح، إنهم يعرفون أن هذا الحوار لن يؤدي إلى سقوطي، بل سيجعل سورية أقوى. هذا هو الجانب الأول.
الجانب الثاني هو أن الحوار بمجمله يتعلق بسورية وبمستقبلها وبالإرهاب، إنه لا يتعلق بالمناصب والشخصيات، وبالتالي لا ينبغي أن يصرفوا انتباه الناس بالتحدث عما سيحققه أو لن يحققه هذا الحوار للرئيس. بالنهاية هو من أجل سورية كما قلت منذ قليل وليس من أجلي أنا. في المحصلة كلامهم هذا ينطوي على تناقض، بمعنى أن ما يقولونه يتناقض مع ما يفعلونه.
صنداي تايمز: قلت إن دفعهم من أجل الحوار قد يؤدي إلى سقوطك؟
الرئيس الأسد: لا، ما قلته هو أنه طبقاً لما يقولونه هم، إذا كان الحوار سيفضي إلى سقوطي فلماذا لا يشاركون فيه؟ هم يقولون إنه سيؤدي إلى سقوط الرئيس، وأنا أدعوهم إلى الحوار، فلماذا لا يأتون إليه ليسقطوني؟ هذا بديهي، ولهذا قلت بأنهم يناقضون أنفسهم.
صنداي تايمز: سيادة الرئيس، جون كيري وهو رجل تعرفه جيداً، بدأ جولة ستأخذه عند نهاية الأسبوع إلى السعودية وقطر وتركيا حيث سيتحدث إلى هذه الدول عن وسائل «تنحيتك». وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، في لندن وبرلين، قال إن الرئيس الأسد ينبغي أن يرحل، كما قال إن أحد أول التحركات ينبغي أن تتمثل في وضع مقترحات جذرية لإقناعك بالتخلي عن السلطة. هل تدعوه إلى دمشق لإجراء محادثات معه، وماذا ستقول له؟ ما رسالتك له الآن بالنظر إلى ما قاله هذا الأسبوع ولما ينوي قوله لحلفائه عندما يزورهم في نهاية الاسبوع؟ وكيف يمكن أن تصف كيري من خلال معرفتك به في الماضي؟
الرئيس الأسد: أنا أفضّل وصف السياسات وليس الأشخاص. وبكل الأحوال ما زال من المبكر الحكم عليه، فلم يمضِ على استلامه منصبه كوزير للخارجية بضعة أسابيع.
وفيما يتعلق ببقية السؤال، فإن ما ذكرتِه يتعلق بمسائل أو قضايا سورية داخلية، ولن يُطرح أي موضوع سوري مع أي أشخاص أجانب. نناقش هذه المسائل فقط مع السوريين داخل سورية، وبالتالي فلن أناقشها مع أي شخص يأتي من الخارج. لدينا أصدقاء ونناقش قضايانا مع أصدقائنا ونصغي لنصائحهم، لكن في المحصلة القرار قرارنا كسوريين ونتخذه وفقاً لما نعتقد أنه الأفضل لبلادنا. لكن إذا كان أي شخص يرغب «بصدق»، وأشدّد على كلمة «بصدق»، أن يساعد سورية، وأن يساعد في وقف العنف في بلادنا يمكنه القيام بشيء واحد وهو الذهاب إلى تركيا والجلوس مع أردوغان وأن يقول له: توقّف عن تهريب الإرهابيين إلى سورية.. توقّف عن إرسال الأسلحة وتوفير الدعم اللوجستي لأولئك الإرهابيين. ويمكنه الذهاب إلى قطر والسعودية وأن يقول لهم توقّفوا عن تمويل الإرهابيين في سورية. هذا هو الأمر الوحيد الذي يمكن لأي شخص فعله في التعامل مع الجزء الخارجي لمشكلتنا، لكن لا يمكن لأي شخص من خارج سورية أن يتعامل مع الجزء الداخلي من هذه المشكلة.
صنداي تايمز: إذاً، ما رسالتك إلى كيري؟
الرئيس الأسد: رسالتي واضحة، وهي أن يفهم ما قلته الآن، ورسالتي ليست فقط لكيري بل لكل من يريد التحدث عن الأزمة السورية، وهي أن السوريين وحدهم هم الذين يمكن أن يقولوا للرئيس ابقَ أو ارحل ولا أحد غيرهم. أقول هذا بوضوح كي لا يضيع الآخرون وقتهم ولكي يعرفوا على ماذا يركّزون.
صنداي تايمز: ما هو الدور، إذا كان هناك أي دور، الذي يمكن لبريطانيا أن تلعبه في أي عملية سلام من أجل سورية. هل كان هناك أي اتصالات غير رسمية مع البريطانيين؟ وما هو رد فعلكم على دعم السيد كاميرون للمعارضة؟ وماذا كنت ستقول له لو كنت جالساً معه، خصوصاً وأن بريطانيا تدعو إلى تسليح المتمردين؟
الرئيس الأسد: ليس هناك أي اتصالات بين سورية وبريطانيا منذ وقت طويل. أما التحدث عن دور فلا يمكن فصل الدور عن المصداقية، ولا يمكننا فصل المصداقية عن تاريخ ذلك البلد. بصراحة، وأنا الآن أتحدث إلى صحفية بريطانية وإلى الجمهور البريطاني، اشتهرت بريطانيا (في منطقتنا) بلعب دور غير بناء في مختلف القضايا وعلى مدى عقود، وبعضهم يقول قرون. أنا أتحدث الآن عن التصور العام في منطقتنا. ومشكلة حكومة كاميرون أن خطابها السطحي وغير الناضج يبرز فقط هذا الإرث من الهيمنة. أقول هذا بصراحة. كيف يمكن توقُّع أن نطلب من بريطانيا أن تلعب دورا في حين أنها مصممة على عسكرة المشكلة؟ كيف يمكن أن نطلب منهم أن يلعبوا دوراً في جعل الوضع أفضل وأكثر استقراراً، وكيف يمكن أن نتوقع منهم تخفيف حدة العنف، في حين أنهم يريدون إرسال المعدات العسكرية للإرهابيين ولا يحاولون تسهيل الحوار بين السوريين؟ هذا غير منطقي. أعتقد أنهم يعملون ضدّنا وفي الوقت ذاته ضد مصالح المملكة المتحدة نفسها. هذه الحكومة تتصرف بطريقة ساذجة ومشوَّشة وغير واقعية. إذا أرادوا أن يلعبوا دوراً فعليهم تغيير هذا والتصرف بطريقة أكثر عقلانية ومسؤولية. وإلى أن يفعلوا ذلك، لا نتوقع من مشعل الحرائق أن يكون رجل إطفاء.
صنداي تايمز: في العام 2011، قلت إنك لن تضيع وقتك بالتحدث إلى الكيان الذي يقود المعارضة، أتحدث الآن عن الكيانات الخارجية للمعارضة. وفي الواقع فإنكم بالكاد اعترفتم بوجود مثل تلك المعارضة. ما الذي غيّر رأيكم مؤخراً؟ وأي نوع من المحادثات تجرونها مع مجموعات المعارضة التي تعتبر مكوّناً وعاملاً رئيسياً في هذه الأزمة، خصوصاً بالنظر إلى ما قاله وزير خارجيتكم، وليد المعلم، في مطلع هذا الأسبوع عندما كان في روسيا بأن الحكومة مستعدة للتحدث إلى المعارضة المسلحة؟ هل لكم أن توضحوا ذلك؟
الرئيس الأسد: في الواقع لم أغيّر رأيي. مرة أخرى، هذه الخطة غير موجّهة لهم، إنها موجهة لكل سوري يقبل الحوار. لذلك فإن إطلاق هذه المبادرة لا يشكّل تغييراً في رؤيتنا. هذا أولاً.
ثانياً، ومنذ اليوم الأول من هذه الأزمة، قبل حوالي عامين، قلنا إننا مستعدون للحوار، وبالتالي لم يتغير شيء، لدينا موقف ثابت من الحوار. قد يفهم البعض بأني غيّرت رأيي لأنني لم أعترف بالكيان الأول للمعارضة ومن ثم اعترفت بالكيان الثاني. في الواقع فإني لم أعترف بأي منهما؛ والأهم من ذلك أن الشعب السوري لا يعترف بهم ولا يأخذهم على محمل الجد. عندما يفشل مُنتَج معين في السوق فإنهم يسحبون المنتج، يغيّرون اسمه ويغلفونه بشكل مختلف ومن ثم يطرحونه مجدداً في السوق، لكنه لا يزال على عيبه، الكيانان الأول والثاني هما نفس المنتج، لكن الغلاف مختلف.
فيما يتعلق بما قاله وزير خارجيتنا، فقد كان واضحاً جداً. جزء من خطتنا هو أننا مستعدون للتفاوض مع أي شخص، بما في ذلك المقاتلون الذين يسلّمون سلاحهم. لن نتعامل مع الإرهابيين المصممين على الاستمرار في حمل السلاح، وإرهاب الناس، وقتل المدنيين، ومهاجمة الأماكن العامة والمؤسسات الخاصة وتدمير البلاد.
صنداي تايمز: سيادة الرئيس، العالم ينظر إلى سورية ويرى أن البلاد تتعرض للتدمير، حيث قُتل ما لا يقل عن سبعين ألف شخص، وهُجِّر حوالي ثلاثة ملايين، والانقسامات الطائفية تتعمق. العديد من الناس في سائر أنحاء العالم يحمّلونك المسؤولية، ماذا تقول لهم؟ هل أنت مسؤول عما حدث للبلد الذي تقوده؟
الرئيس الأسد: تذكرين هذه الأرقام كما لو كانت مجرد أرقام إحصائية، فيما يستعمل بعض اللاعبين هذه الأرقام لدفع أجنداتهم السياسية، للأسف، هذا هو الواقع. وبصرف النظر عن دقة هذه الأرقام، فكل رقم منها يمثّل رجلاً أو امرأة أو طفلاً سورياً. عندما تتحدثين عن آلاف الضحايا، نحن نرى آلافاً من العائلات التي فقدت أحباءها والتي ستحزن عليهم لسنوات وسنوات، لا يمكن لأحد أن يشعر بالألم كما نشعر به نحن.
وإذا نظرنا إلى موضوع الأجندات السياسية، ينبغي أن نطرح أسئلة أكثر أهمية في ظل الوضع على الأرض والذي يجعل من المستحيل الحصول على أجوبة دقيقة، وأول هذه الأسئلة هو كيف تم التحقق من هذه الأرقام؟ وما هي نسبة المقاتلين الأجانب فيها؟ وما عدد المقاتلين الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و 30 عاماً؟ وكم عدد المدنيين – النساء والأطفال الأبرياء؟
من جهة أخرى، نعلم جميعاً كيف تم التلاعب بعدد القتلى والضحايا في الماضي لتمهيد الطريق للتدخل الإنساني في عدد من الدول. ونذكر هنا أن الحكومة الليبية أعلنت مؤخراً أنه كان هناك مبالغة كبيرة في عدد الأشخاص الذين كانوا قد قتلوا قبل غزو ليبيا، قالوا إن 5000 شخص قتلوا من كل جانب في حين أن الأرقام التي كان يتم الحديث عنها في ذلك الوقت كانت بعشرات الآلاف. وفي مثل آخر، فإن البريطانيين والأميركيين الذين كانوا موجودين فعلياً في العراق خلال الحرب قالوا إنهم لا يمتلكون حتى الآن أرقاماً دقيقة حول عدد الضحايا العراقيين الذين قتلوا بسبب غزوهم لهذا البلد. وفجأة نجد أن نفس المصادر لديها أرقام دقيقة جداً حول ما يحدث في سورية. هذه مفارقة غريبة.
أقول لكِ ببساطة إن هذا الرقم لا وجود له في الواقع. إنه جزء من الواقع الافتراضي الذي يريدون خلقه لدفع أجندتهم في التدخل العسكري تحت عنوان التدخل الإنساني.
صنداي تايمز: إذا سمحت لي، فيما يتعلق بهذه النقطة حتى لو كانت الأرقام مبالغاً بها وليست دقيقة، فهي أرقام أكّدتها مجموعات سورية. رغم ذلك هناك آلاف الأشخاص الذين قتلوا، بعضهم مقاتلون لكن بعضهم أيضاً مدنيون، وبعضهم قُتل نتيجة الهجمات العسكرية، على سبيل المثال، بسبب القصف المدفعي أو الغارات الجوية على بعض المناطق. إذاً، حتى إذا لم نجادل بالأرقام الفعلية، إلاّ أنهم رغم ذلك يحمّلونك المسؤولية عن مقتل أولئك المدنيين الذين قتلوا بسبب الهجمات العسكرية. هل تقبلون بذلك؟
الرئيس الأسد: أولاً، لا نستطيع التحدث عن الأرقام دون التحدّث عن الأسماء، الناس الذين قتلوا لهم أسماء. ثانياً، لماذا قُتل هؤلاء؟ أين وكيف قتلوا؟ من قتلهم؟ عصابات مسلحة، مجموعات إرهابية، مجرمون، مختطِفون، الجيش، من؟
صنداي تايمز: إنه خليط من كل هذه العمليات.
الرئيس الأسد: نعم إنه خليط، لكن سؤالك يعني ضمنياً أن هناك شخصاً واحداً يتحمل المسؤولية عن الوضع الراهن وعن جميع هؤلاء الضحايا. والحقيقة هي أنه منذ اليوم الأول والوضع في سورية يتأثر بالديناميكيات العسكرية والسياسية، وكلاهما يتحرك بسرعة، وفي مثل هذه الأوضاع، هناك محفِّزات وعوائق. إن افتراض أن طرفاً واحداً مسؤول عن جميع العوائق وأن طرفاً آخر مسؤول عن جميع المحفزات أمر مناف للعقل والمنطق.
لقد قُتل عدد كبير من المدنيين الأبرياء، والكثير من السوريين يكابدون ويعانون. كما قلت من قبل، إن هذا لا يؤلم أحداً في العالم كما يؤلمنا نحن السوريين، ولهذا ندفع نحو الحوار السياسي. أنا لست في وارد توزيع اللوم هنا، لكن إذا كنت تتحدثين عن المسؤولية، فإن الأمر الواضح هو أن لدي مسؤولية دستورية تقضي بالمحافظة على سورية والسوريين من المجموعات الإرهابية والمتطرفة.
صنداي تايمز: ما هو دور القاعدة والجهاديين الآخرين، وما هو التهديد الذي يشكلونه لسورية والمنطقة وأوروبا؟ هل أنت قلق من أن تتحول سورية إلى ما يشبه ما حدث بالشيشان في الماضي؟ هل أنت قلق حيال مصير الأقليات إذا خسرتم هذه الحرب، أو نشوب حرب طائفية شبيهة بما حدث في العراق؟
الرئيس الأسد: دور القاعدة في سورية كدورها في كل مكان من هذا العالم: القتل، وقطع الرؤوس، والتعذيب ومنع الأطفال من الذهاب إلى مدارسهم؛ لأن أيديولوجيا القاعدة، كما تعلمين، تزدهر حيث يسود الجهل. إنهم يحاولون اختراق المجتمع بأيديولوجيتهم الظلامية المتطرفة، وهم ينجحون في ذلك.
أما إذا أردنا التحدث عن القلق حيال أي شيء في سورية، فنحن لسنا قلقين على «الأقليات»، هذا وصف سطحي لأن سورية هي مزيج من الأديان، والطوائف، والعرقيات والأيديولوجيات التي تشكّل معاً خليطاً منسجماً ومتناغماً بصرف النظر عن الحصص أو النسب المئوية.
ينبغي أن نقلق على غالبية الشعب السوري المعتدل بطبيعته والتي ستصبح أقلية إذا لم نحارب هذا التطرف – وعندها ستتوقف سورية عن الوجود.
وإذا كان هناك قلق على سورية بهذا المعنى، ينبغي الشعور بالقلق على الشرق الأوسط، لأننا المعقل الأخير للعلمانية في المنطقة. وإذا كان ثمة قلق على الشرق الأوسط، ينبغي على العالم بأسره أن يكون قلقاً على استقراره. هذا هو الواقع كما نراه.
صنداي تايمز: ما مدى التهديد الذي تشكله القاعدة الآن؟
الرئيس الأسد: التهديد الذي تشكله بأيديولوجيا أكبر من التهديد بعمليات القتل التي ترتكبها. القتل خطير بالطبع، لكن المسار الذي لا يمكن عكسه هو مسار الأيديولوجيا، هذا هو الأمر الخطير، وقد دأبنا على التحذير من ذلك منذ سنوات، حتى قبل الصراع. لقد كان علينا التعامل مع تلك الأيديولوجيات منذ أواخر السبعينيات، كنا أول من تصدى لأولئك الإرهابيين في المنطقة، أولئك الذين كانوا يرتدون عباءة الإسلام.
لطالما حذرنا من ذلك، خصوصاً في العقد الماضي، خلال غزو واحتلال أفغانستان والعراق. إن الغرب يتصرف برد الفعل وليس بالفعل والمبادرة، علينا أن نبادر وأن نعالج الأيديولوجيا أولاً. فحرب على الإرهاب دون معالجة الأيديولوجيا لن تجدي نفعاً وستجعل الأمور أسوأ.
إن القاعدة وأيديولوجيتها تشكل تهديداً وخطراً ليس فقط على سورية بل على المنطقة بأسرها.
صنداي تايمز: نُقل عن المسؤولين الأميركيين مؤخراً، وخصوصاً بالأمس، أن القرار الأميركي بعدم تسليح المتمردين يمكن أن يتم تعديله. إذا حدث ذلك، فما تداعياته من وجهة نظركم في سورية وفي المنطقة؟ وما هو التحذير الذي توجهونه ضد هذه الخطوة؟ إنهم يتحدثون الآن عن تزويد المتمردين بالعربات المصفحة والتدريب والسترات الواقية.
الرئيس الأسد: تعرفين أن الجريمة لا تتعلق فقط بالضحية والمجرم، بل بالمتواطئ والشريك الذي يقدم الدعم، سواء كان الدعم معنوياً أو لوجستياً. لقد قلت مراراً إن سورية هي بمثابة خط تماس جغرافياً وسياسياً، واجتماعياً، وأيديولوجياً، ولذلك فإن اللعب بهذا الخط سيكون له تداعيات خطيرة في سائر أنحاء الشرق الأوسط.
وفي الوقت ذاته، هل الوضع أفضل في ليبيا اليوم؟ في مالي؟ في تونس؟ في مصر؟ إن أي تدخل لن يجعل الأمور أفضل، بل سيجعلها أسوأ. وعندما يتزعزع استقرار هذه المنطقة، فإن أوروبا والولايات المتحدة والمتواطئين الآخرين سيدفعون الثمن عاجلاً أو آجلاً. إنهم لا يستشرفون ما سيحدث في المستقبل.
صنداي تايمز: ما هي رسالتك إلى إسرائيل بعد غاراتها الجوية التي شنتها على سورية؟ هل ستردّون؟ وكيف ستردون على أي هجمات مستقبلية تشنها القوات الإسرائيلية، خصوصاً وأن حكومتها قالت إنها ستفعل ذلك مرة أخرى إذا دعت الحاجة؟
الرئيس الأسد: لقد ردّت سورية في كل مرة، لكن بطريقتها، وليس بالمثل، والإسرائيليون وحدهم يعرفون ما نقصده، أي كيف كان ردّنا.
صنداي تايمز: هل لكم أن تتوسعوا في ذلك؟
الرئيس الأسد: نعم، الرد لا يعني صاروخاً بصاروخ أو رصاصة برصاصة. لا ينبغي أن يكون ردنا معلناً بالضرورة؛ والإسرائيليون وحدهم يعرفون ما أعنيه.
صنداي تايمز: لكن لا تستطيع أن تخبرنا كيف؟.
الرئيس الأسد: نحن لا نعلن ذلك.
صنداي تايمز: قابلت صبياً في السابعة من عمره في الأردن.
الرئيس الأسد: صبي سوري؟
صنداي تايمز: صبي سوري كان قد فقد ذراعه وساقه في هجوم صاروخي في الحراك. قُتل خمسة أطفال من أسرته في ذلك الانفجار. كأب، ما الذي يمكن أن تقوله لذاك الصبي؟ ولماذا قُتل كل هذا العدد من المدنيين الأبرياء، سواء في الغارات الجوية أو في عمليات القصف التي يقوم بها الجيش وأحياناً بإطلاق النار من قبل ما يسمى بالشبيحة؟
الرئيس الأسد: ما اسم ذلك الصبي؟
صنداي تايمز: الحقيقة كان لدي اسمه ... لكن .. يمكن أن أحضره لكم لاحقاً.
الرئيس الأسد: كما قلت، لكل ضحية في هذه الأزمة اسم، ولكل ضحية أسرة. الطفل صابر مثلاً، وعمره 5 سنوات، فقد ساقه وهو يتناول الفطور مع أسرته في بيته، وفقد والدته وأفراد أسرته الآخرين. ريّان طفل عمره 4 سنوات شهد ذبح شقيقيه لأنهم شاركوا بمسيرة جميعاً. ليس لأي من هذه الأسر أي انتماء سياسي.
الأطفال هم الرابطة الأكثر هشاشة في أي مجتمع، وللأسف فهم في كثير من الأحيان يدفعون أبهظ الأثمان في أي صراع. كأب لدي أطفال صغار، أعرف معنى أن يتعرض الأطفال للأذى من شيء بسيط، فكيف إذا تعرض لأذى كبير أو إذا فقد المرء طفلاً، إنه أسوأ شيء يمكن لأي عائلة أن تواجهه.
في كل الصراعات، هناك هذه القصص المؤلمة التي تصيب أي مجتمع. لكن هذا هو الدافع الأكبر والأقوى بالنسبة لنا في محاربة الإرهاب. الإنسانيون الحقيقيون، الذين يشعرون بالألم الذي نشعره حول أطفالنا وحالات الفقدان التي تصيبنا، عليهم أن يشجعوا حكوماتهم على منع تهريب الأسلحة والإرهابيين ومنع الإرهابيين من الحصول على أي معدات عسكرية من أي بلد.
صنداي تايمز: سيادة الرئيس، عندما تستلقي في سريرك في الليل، هل تسمع الانفجارات في دمشق؟ وكحال السوريين الآخرين، هل تشعر بالقلق على عائلتك؟ هل تقلق من أن سلامتك الشخصية قد تتعرض للخطر؟
الرئيس الأسد: أنا أرى الأمور بشكل مختلف تماماً... هل يمكن لأي شخص أن يكون آمناً شخصياً أو أن تكون عائلته آمنة إذا كان البلد في خطر؟ إذا لم يكن البلد آمناً، لا يمكن أن يكون الفرد آمناً. لذلك، وبدلاً من أن تشعر بالقلق على نفسك أو عائلتك ينبغي القلق على كل مواطن وكل عائلة في بلدك. إنها علاقة متبادلة.
صنداي تايمز: تعلمون المخاوف لدى المجتمع الدولي حيال الأسلحة الكيميائية في سورية. هل يمكن لجيشكم أن يستعملها كخيار أخير ضد خصومكم؟ وتشير التقارير إلى أنه تم نقل هذه الأسلحة من مكان إلى آخر عدة مرات. إذا كان ذلك قد حدث، فلماذا؟ هل تشاطرون المجتمع الدولي قلقه حول إمكانية وقوعها في أيدي المتمردين الإسلاميين أو المجموعات المرتبطة بالقاعدة على سبيل المثال، ما هو أسوأ ما يمكن أن يحدث لهذه الأسلحة؟
الرئيس الأسد: كل ما ذُكر فيما يتعلق بالأسلحة الكيميائية في سورية في وسائل الإعلام أو في أحاديث السياسيين لا يعدو كونه تخمينات، نحن لم نناقش، ولن نناقش أبداً، مسائل تتعلق بأسلحتنا مع أحد.
ما ينبغي للعالم أن يقلق بشأنه الآن هو وصول المواد الكيميائية إلى أيدي الإرهابيين، وقد تم نشر مقاطع فيديو تظهر اختبار مواد سامة على حيوانات أمام الكاميرا وتهديدات للسوريين بأنهم سيموتون بنفس الطريقة. لقد تبادلنا هذه المقاطع مع بلدان أخرى، وهذا ما ينبغي للعالم أن يركّز عليه بدلاً من فبركة عناوين مضللة حول الأسلحة الكيميائية السورية لتبرير أي تدخل في سورية.
صنداي تايمز: أعلم أنك لا تقول إن هذه الأسلحة آمنة أو غير آمنة. لكن ثمة مخاوف حول ما إذا كانت آمنة أو ما إذا كان لا أحد يستطيع الوصول إليها.
الرئيس الأسد: ما من بلد يتحدث عن قدراته.
صنداي تايمز: أمر آخر يكثر الحديث عنه أيضاً: ما هو دور حزب الله وإيران وروسيا؟ وهل تعرفون بوجود أي مقاتلين من حزب الله في سورية وماذا يفعلون؟ وما هي الأسلحة التي يزودكم بها حلفاؤكم الإيرانيون والروس، وما هي أشكال الدعم الأخرى التي يقدمونها لكم؟
الرئيس الأسد: الموقف الروسي واضح جداً فيما يتعلق بالأسلحة - إنهم يزودون سورية بأسلحة دفاعية وبشكل يتوافق مع القانون الدولي.
حزب الله، وإيران وروسيا يدعمون الشعب السوري في حربه ضد الإرهاب.. دور روسيا بنّاء جداً، ودور إيران داعم جداً ودور حزب الله هو الدفاع عن لبنان وليس الدفاع عن سورية. نحن بلد عدد سكانه 23 مليون نسمة ولدينا جيش وطني وقوات شرطة قوية، لسنا بحاجة إلى مقاتلين أجانب يدافعون عن بلدنا.
السؤال الذي ينبغي أن يُطرح هو حول دور البلدان الأخرى – قطر، وتركيا والسعودية، وفرنسا، وبريطانيا، والولايات المتحدة - التي تدعم الإرهاب في سورية بشكل مباشر أو غير مباشر، عسكرياً أو سياسياً.
صنداي تايمز: سيادة الرئيس، هل لي أن أسألك عن موقفك أنت؟ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قال مؤخراً إن الأخضر الإبراهيمي اشتكى من أنه يريد أن يرى قدراً أكبر من المرونة من نظامكم وأنه في حين أنكم لا تقولون لا، يبدو أنكم أيضاً لا تقولون نعم. هل تعتقدون أنه يمكن التوصل إلى تسوية تفاوضية تظل بموجبها رئيساً، وهو ما يتساءل عنه كثيرون؟
الرئيس الأسد: لا تتوقعي من سياسي أن يقول فقط نعم أو لا بالمعنى المطلق، إنه ليس اختباراً متعدد الخيارات بحيث تشيرين إلى الجواب الصحيح أو الخاطئ. يمكن أن تتوقعي من السياسي أن يقدم رؤية، ورؤيتنا واضحة جداً، لدينا خطة، وكل من يريد أن يتعامل معنا يمكنه فعل ذلك من خلال خطتنا، هذا واضح جداً كي لا يكون هناك إضاعة للوقت.
هذا السؤال يعكس ما يتم تداوله في وسائل الإعلام الغربية حول شخصنة المشكلة برمتها في سورية، والإيحاء بأن الصراع برمته يتعلق بالرئيس ومستقبله.
إذا كانت هذه الحجة صحيحة، فإن رحيلي سيوقف القتال. من الواضح أن هذا مناف للعقل والمنطق، والسوابق الحديثة العهد في ليبيا، واليمن، ومصر تشهد على ذلك. دافعهم هو تجنب جوهر القضية وهو الحوار والإصلاح ومحاربة الإرهاب. إن إرث تدخلاتهم في منطقتنا يتمثل في الفوضى والدمار والكوارث. إذاً كيف يمكنهم أن يبرروا أي تدخل لهم في المستقبل. هم لا يستطيعون ولذلك فإنهم يركزون على تحميل المسؤولية للرئيس ويدفعون من أجل رحيله؛ والتشكيك في مصداقيته؛ وما إذا كان يعيش في فقاعة أم لا؛ وما إذا كان منفصلاً عن الواقع أم لا. وهكذا فإن محور الصراع يصبح الرئيس.
صنداي تايمز: بعض المسؤولين الأجانب دعوا إلى محاكمتكم بتهم ارتكاب جرائم حرب في محكمة الجنايات الدولية بوصفكم الشخص المسؤول عن أعمال الجيش، هل تخشون المحاكمة من قبل محكمة الجنايات الدولية، أو احتمال الملاحقة القضائية في المستقبل والمحاكمة في سورية؟
الرئيس الأسد: عندما تُطرح أي قضية تتعلق بالأمم المتحدة، فإنك تثيرين قضية المصداقية، وجميعنا نعرف، وخصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وعلى مدى السنوات العشرين الماضية، بأن الأمم المتحدة وكل المنظمات التابعة لها بلا استثناء هي ضحية الهيمنة بدلاً من أن تكون معقلاً للعدالة. لقد أصبحت أدواتً مسيّسة لزعزعة الاستقرار ومهاجمة البلدان ذات السيادة، وهو ما يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة نفسه.
السؤال الذي ينبغي طرحه الآن هو: هل سيحاكمون القادة البريطانيين والأميركيين الذين هاجموا العراق عام 2003 وتسببوا بمقتل أكثر من نصف مليون شخص، ناهيك عن الأيتام والمشوهين والمعاقين؟ هل سيحاكمون الأميركيين والفرنسيين وغيرهم ممن هاجموا ليبيا دون قرار من الأمم المتحدة في العام الماضي، وتسببوا أيضاً في مقتل مئات أو ربما آلاف الأشخاص؟ هم لن يفعلوا ذلك.. الجواب في غاية الوضوح.
من جانب آخر، تعرفين أن إرسال المرتزقة إلى أي بلد يعتبر جريمة حرب طبقاً لمبادئ نورمبيرغ وطبقاً لميثاق لندن لعام 1945، وبناء عليه هل سيحيلون أردوغان إلى هذه المحكمة لأنه أرسل المرتزقة إلى سورية؟ وهل سيفعلون الشيء ذاته مع القطريين والسعوديين؟ إذا حصلنا على أجوبة هذه الأسئلة، عندها يمكننا التحدث عن منظمات السلام وعن المصداقية.
جوابي مختصر جداً وهو أنه عندما يدافع الناس عن بلادهم فإنهم لا يأخذون في الاعتبار أي أمر آخر.
صنداي تايمز: النظر إلى الوراء والحكم على الماضي بمنظور الحاضر أمر رائع سيادة الرئيس.
إذا أتيح لك إعادة عقارب الساعة عامين إلى الوراء، هل كنت ستتعامل مع أي شيء بطريقة مختلفة؟ هل تعتقد أن هناك أشياء كان ينبغي معالجتها بطريقة مختلفة؟ وما هي الأخطاء التي تعتقد أن بعض أنصارك ارتكبوها وكنت ترغب بتغييرها؟
الرئيس الأسد: يمكن أن تطرحي هذا السؤال على رئيس إذا كان هو المسؤول الوحيد عن كل سياق الأحداث. في حالتنا في سورية، نعرف أن هناك الكثير من اللاعبين الخارجيين، وبالتالي يجب تطبيق الحكم على الماضي من منظور الحاضر على كل لاعب من هؤلاء. يجب سؤال أردوغان على سبيل المثال: هل كنت سترسل إرهابيين لقتل السوريين؟ هل كنت ستقدم دعماً لوجستياً لهم؟ ويجب سؤال السعوديين والقطريين: هل كنتم سترسلون الأموال للإرهابيين وللقاعدة أو لأي منظمات إرهابية أخرى لقتل السوريين؟ وينبغي طرح نفس السؤال على المسؤولين الأوروبيين والأميركيين: هل كنتم ستوفرون مظلة سياسية لأولئك الإرهابيين الذين يقتلون المدنيين الأبرياء في سورية؟
في سورية، اتخذنا قرارين: القرار الأول إطلاق الحوار والقرار الثاني محاربة الإرهاب. إذا طلبتِ من أي سوري أن يحكم على الماضي بمنظور الحاضر وسألته ما إذا كان سيقول لا للحوار ونعم للإرهاب، لا أعتقد أن أي شخص عاقل سيوافقك الرأي. لذلك، أعتقد أنه إذا حكمنا على الماضي بمنظور الحاضر نجد أننا بدأنا بالحوار وسنستمر في الحوار، وقلنا بأننا سنحارب الإرهاب وسنستمر في محاربته.
صنداي تايمز: هل تفكر على الإطلاق بإمكانية العيش في المنفى، إذا وصلت الأمور إلى ذلك الاحتمال؟ وهل ستخرج من البلاد إذا كان ذلك يزيد من فرص السلام في سورية؟
الرئيس الأسد: مرة أخرى، الأمر لا يتعلق بالرئيس. ما من مواطن أو شخص وطني يمكن أن يفكر بالعيش خارج بلاده.
صنداي تايمز: لن تغادر أبداً؟
الرئيس الأسد: ما من شخص وطني يمكن أن يفكر بالعيش خارج بلاده. وأنا حالي كحال أي سوري وطني.
صنداي تايمز: ما مدى الصدمة التي تسبب بها الانفجار الذي أودى بحياة بعض كبار ضباطك، بمن فيهم صهرك؟
الرئيس الأسد: أنت تذكرين صهري، لكن هذه ليست مسألة عائلية، فعندما يتم اغتيال مسؤولين رفيعي المستوى فإن المسألة مسألة وطنية وليست عائلية. إن جريمة كتلك تجعلنا أكثر تصميماً على محاربة الإرهاب. الأمر لا يتعلق بالمشاعر بقدر ما يتعلق بما ينبغي فعله.
صنداي تايمز: أخيراً سيادة الرئيس هل لي أن أسألك عن زميلتي ماري كولفن التي قتلت خلال عملية قصف لمركز إعلامي معارض في بابا عمرو في 22 شباط من العام الماضي؟ هل تم استهدافها، كما أشار البعض، لأنها أدانت الدمار على التلفزيون البريطاني والأمريكي؟ أم إنها كانت ببساطة سيئة الحظ؟ هل سمعت بمقتلها حينذاك، وإذا كنت قد سمعت ماذا كان رد فعلك؟
الرئيس الأسد: بالطبع، سمعت بقصتها من وسائل الإعلام. عندما يذهب صحفي إلى مناطق صراع، كما تفعلين أنت الآن، لتغطية الأحداث ونقلها إلى العالم، أعتقد أن هذا عمل شجاع جداً. وكل شخص أو مسؤول عاقل وكل حكومة ينبغي أن تدعم الصحفيين في جهودهم لأن ذلك سيساعد في تسليط الضوء على الأحداث على الأرض وفضح البروباغاندا أينما وجدت. للأسف، ففي معظم الصراعات هناك صحفيون يدفعون حياتهم ثمناً لذلك. من المحزن دائماً عندما يقتل صحفي، لأنه ليس مع هذا الطرف أو ذاك، وليس حتى طرف في المشكلة.. إنهم هناك فقط لتغطية الأحداث.
ثمة حرب إعلامية على سورية تمنع إيصال الحقيقة إلى العالم الخارجي. لدينا 14 صحفياً سورياً قتلوا منذ بداية الأزمة، ولم يقتلوا جميعاً في الميدان، بعضهم استُهدف في منزله، واختُطف وعُذِّب ثم قُتل. بعضهم لا يزال مفقوداً. هوجمت أكثر من محطة تلفزيون سورية من قبل الإرهابيين وقنابلهم. والآن ثمة حظر على بث القنوات التلفزيونية السورية على أنظمة الأقمار الصناعية الأوروبية.
ومن المعروف أيضاً كيف أن المتمردين استغلوا الصحفيين أحياناً لمصلحتهم، وأفضل مثال على ذلك الصحفي البريطاني الذي تمكن من الهرب منهم.
صنداي تايمز: تقصد أليكس طومسون؟
الرئيس الأسد: نعم، لقد تم استدراجه إلى فخ من قبل الإرهابيين كي يتم اتهام الجيش السوري بقتله. ولهذا من المهم دخول البلاد بشكل قانوني، والحصول على تأشيرة دخول. لم يكن هذا هو الحال في حالة ماري كولفن. لا نعرف لماذا، والأمر ليس واضحاً. إذا دخلت إلى البلاد بشكل غير قانوني، لا يمكن أن تتوقعي من الدولة أن تكون مسؤولة عما يحدث.
على عكس الاعتقاد السائد، فمنذ بداية الأزمة حصل مئات الصحفيين من سائر أنحاء العالم، بمن فيهم أنت، على تأشيرات دخول وهم يغطون الأحداث ويرسلون تقاريرهم بحرية من داخل سورية دون أي تدخل في عملهم ودون أي عوائق تحول دون إنجاز مهامهم.
صنداي تايمز: شكراً جزيلاً.
الرئيس الأسد: شكراً لك.
سانا