الفنان ناصر نعسان آغا تحت مجهر الجمعية العربية المتحدة

26 أيار 2012

تأملات نقدية في لوحات الفنان ناصر نعسان آغا

ضمن نشاطات الجمعية العربية المتحدة للآداب والفنون في مدينة حلب، أقامت الجمعية ندوة فنية بعنوان «الفن التشكيلي في حلب – الفنان ناصر نعسان آغا نموذجاً» مساء الخامس والعشرين من شهر أيار الحالي 2012 على مسرح مديرية الثقافة في مدينة حلب، وتطرقت الندوة إلى الفن التشكيلي في مدينة حلب مستشهدة بلوحات الفنان ناصر نعسان آغا.

كانت البداية مع عرض فيلم وثائقي يتحدث عن الحركة التشكيلية في مدينة حلب وأبرز أعلامها في الفن التشكيلي من أمثال الأستاذة الكبار محمود حماد ونذير نبعة وصولاً إلى الفنانين لؤي كيالي وفاتح المدرس، ثم فناني الجيل الحالي من أمثال وحيد مغاربة وسعد يكن وعبد الرحمن موقت، وكيف انتقلت الحركة التشكيلية على يديهم لتصل إلى وضعها الحالي. وبعد الفيلم جرى نقاش بحضور كل من الناقد الفني التشكيلي الأديب طاهر البني والفنان التشكيلي ناصر نعسان آغا مع إدارة رئيس الجمعية العربية المتحدة الأستاذ عبد القادر بدور.

ثم دار الحديث خلال الأمسية عن الفن التشكيلي في سورية بشكل عام مع الاستشهاد بالتجربة الفنية التشكيلية للفنان ناصر نعسان آغا، حيث أشار الناقد التشكيلي طاهر البني إلى أن لوحات الأخير استطاعت أن تتخذ موقعاً متميزاً في صالات العرض الفنية في عدد من العواصم العربية والأوربية وذلك منذ مطلع التسعينات وحتى يومنا هذا، مشيراً إلى أن تميز اللوحات يكمن في موضوعاتها الآسرة ومعالجتها الفنية الجديدة، ويضيف البني: «تجمع لوحات الفنان ناصر نعسان آغا بين الرسم الواقعي من ناحية، والتصوير التجريدي من ناحية أخرى حيث يقدم لوحاته بأسلوب حيوي و مبتكر ومناخ رومانسي جمالي، الأمر الذي أدى إلى أن تحظى هذه اللوحات باهتمام لافت في الوسط الثقافي ولدى المولعين باقتناء الأعمال الفنية. كما أنه مما يميز لوحاته عدم تخليها عن الموضوعات ذات الطابع المحلي وبالتالي تقديم صيغ جمالية لاقت اهتماماً كبيراً في معظم الأوساط المحلية والعربية».


من أعمال الفنان ناصر آغا

ويشير البني إلى أن ما سبق أدى إلى تنامي أهمية التجربة التي طورها الفنان ناصر آغا خلال عشرين عاماً حيث أن تلك الخبرة انتقلت من الرسم الواقعي إلى التصوير الفني المتجدد وعدة تجارب أخرى حيث يقول: «حظيت التجربة التي قدمها الفنان ناصر آغا بجهد متواصل منه لإتقان أساليب العمل الفنية وخصائصه بكل مكوناتها التقنية والنفسية، ما أدى إلى تطوير لوحته والوصول بها إلى مراتب مرتفعة أعجبت كل من المشاهدين العاديين والفنانين المتخصصين، وتمكن بهذا من تحقيق المعادلة الصعبة وأصبح من الفنانين ذوي التجربة المهمة في سورية ومدينة حلب».

وكان المعرض الأول الذي أقامه الفنان ناصر نعسان آغا في صالة الخانجي عام 1992 - والكلام ما يزال للناقد طاهر البني - قد تناول فيه موضوعين أساسيين هما «صورة الحي الشعبي» و«الطبيعة الصامتة»، ويقول البني عن ذلك: «يمثل هذان الموضوعين الأكثر انتشاراً في تلك الفترة، حيث قام الفنان بدوره بمعالجة هذين الموضوعين بطريقة مميزة وعبر رؤية حالمة سعت إلى رصد المعالم الهامة في الحي الشعبي والبيت الحلبي القديم بكثير من الحرص، وعملت على إبراز التفصيلات في مفردات العمارة المحلية من منظور هندسي إلى نسب سليمة إلى مراعاة المفاهيم والقيم. ولكن نلاحظ أيضاً قيامه في الوقت ذاته بالتصرف بالصيغ اللونية التي أدت بدورها إلى إحداث بعض المفارقات ضمن المساحات المضيئة والمعتمة، ما أدى إلى إثارة جو مفعم بالرومانسية. ومع تقدم العمر، تطورت التجربة التشكيلية لديه لنراها في معارضه اللاحقة مثل المعارض التي أقامها في الفترة 2002- 2005 في كل من حلب ودمشق ومدينة جدة في المملكة العربية السعودية. في تلك المعارض، بتنا نرى صور الحي الشعبي ومعالم البيت الحلبي القديم كإحدى أبرز موضوعاته، حيث ظهرت الحارات الضيقة بطرقها المرصوفة بالحجـارة وقناطرها وأكشاكها الخشبية وحوانيتها الصغيرة بصياغة دقيقة مرهفة تغمرها الإضاءة المسرحية الفاتنة. كما أننا رأينا في الوقت نفسه صورة البيت الحلبي بباحته الواسعة وغرفه ونوافذه ذات الزخارف الحجرية والقمريات الجصية في تلك اللوحات مع ظهور السلالم الحجرية ذوات المساند المعدنية المزينة بالزخارف الشرقية محيطة بالباحة التي توسطتها فسقية رخامية تتدفق المياه من نافورتها وتحيط بها الطيور البيضاء التي تستحم بمياهها قبل أن تحطّ على أغصان شجرة النارنج والليمون المحاطة بعرائش الياسمين والعسلة. هذه الصورة الجميلة للبيت الحلبي، لقيت اهتماماً كبيراً من الفنان حيث ركز عليها في لوحاتها وجسّدها ضمن معارضه التي قدمها في تلك الفترة».


من أعمال الفنان ناصر آغا

ويتابع البني قائلاً أن المفردات السابقة كانت تظهر واضحة جلية في لوحات ناصر نعسان آغا إضافة إلى اعتنائه بالتفاصيل لتشكل صورة فنية جذابة مميزة للدار حيث تجلى ذلك بشكل كبير في المعرض الذي أقامه الفنان عام 1998 في دمشق حيث كانت فكرة «البيت الحلبي» أكثر بروزاً ووضوحاً إضافة إلى معالجته لموضوع الطبيعة الصامتة بشيء من التميز لا سيما تلك المزهريات العابقة بألوان البنفسج والقرنفل أو صور بعض الفاكهة، والتي تعبر عن بعض الأشياء الصغيرة الموجودة في مرسمه الجديد في منطقة جسر الملك فيصل بحلب، ويضيف البني: «لدى الحديث عن لوحات الطبيعة الصامتة، فإننا غالباً ما نراها ضمن مساحات صغيرة. قد يعود الأمر إلى أنها تمثل استراحة من موضوعه الأول الخاص بالمنزل الحلبي الذي كان يشغل المساحات الكبيرة والمتوسطة من لوحاته. كما أننا بتنا نرى في لوحاته اللاحقة مواضيع جديدة مثل البحر والقوارب الصغيرة التي تتهادى متراقصة فوق الأمواج يقدمها بأسلوبه الخاص الذي يقترب من التجريد ويتناسب مع اهتماماته وشخصيته. كما رأينا تجسيداً لبيوت معلولا المتسلقة بين الصخور (وتحديداً ضمن معرضه الذي أقامه في صالة بلاد الشام بحلب عام 1999)، حيث تناول هذا الموضوع برؤيا خاصة مختلفة عن تلك التي قدمها باقي الفنانين السوريين عندما غمرها بالضياء الأبيض الموشى بالزرقة. وفي الوقت ذاته، تناول مشاهد لبعض الأحياء التقليدية في مدينة جدة السعودية من خلال معرضه الذي أقامه في الصالة العالمية بجدة عام 2000. ولكن العنصر الجديد الذي أخذ يطرحه في لوحاته الأخيرة كان الصور المؤلفة من بعض العناصر النسائية والتي أخذت تنساب إلى لوحاته المعبرة عن البيت الحلبي شيئاً فشيئاً لتكون مفردة جديدة ضمن مفردات لوحاته».

وبالرغم من الذاكرة البصرية الخاصة به، والتي احتفظت بكل مفردات البيئة المحلية والمشاهد المعمارية العربية التي جسدها في لوحاته، استطاع الفنان ناصر آغا أن يتجاوز المفاهيم التقليدية الجامدة، وبالتالي إعادة صياغتها بما يتناسب مع إحساسه الفني العالي حيث بتنا نرى ذات المفردات ولكن مع حلة جديدة وطبيعة جديدة أكسبتها جمالية تجعلنا ننظر إليها كما لو كنا نراها أول مرة، ويقول الناقد البني أن هذا الفعل الإبداعي لم يأتِ بمحض الصدفة، بل جاء نتيجة بحث دائم وتواصل دؤوب في الفن ويضيف: «يمكننا هنا القول بأن الفنان ناصر آغا كان يستمد مفرداته من ذاكرته التي احتفظت بمعالم العمارة العربية ولكن لم يقدمها بطريقة آلة التصوير إنما استخدمها بطريقة مختلفة حيث استغنى عنها واكتفى بما هو معبر وموحٍ من مفرداتها وقدمها بطريقة أبرزت جمالاً أخر مختلف. فالنوافذ و الأبواب والأقواس والمقرنصات والمشربيات وفسقيات الماء؛ كلها توارت خلف سحائب اللون التي شرعت تزحف من أطراف اللوحة لتحجب بعضها وتبرز بعضها الآخر في محاولة لخلق مناخ لوني حيوي. كما أن ضربات الفرشاة السريعة علاوة على لمساتها الناعمة حيناً أقامت توازناً بين الموجودات والمجردات ونظمت العلاقة بين زحف الألوان الباردة وانحسار الألوان الحارة حيث أدت إلى إثارة الإيقاع البصري بين القوى المتنافرة: العتمة والنور، الحار والبارد، الظاهر والمستتر، القديم والحديث».


من أعمال الفنان ناصر آغا

ويعتبر الفنان والناقد طاهر البني من أبرز النقاد التشكيليين في مدينة حلب. حاصل على إجازة في اللغة العربية وآدابها من جامعة حلب. عمل مدرساً لمادة الفنون في ثانويات حلب كما أنه أقام عدداً من المعارض الفردية والجماعية على مدار أكثر من ربع قرن. له العديد من الكتب أبرزها «الفنًّ التشكيلي بحلب»، «ذاكرةُ الفنِّ التشكيلي في سورية»، «تجاربُ تشكيليةٌ رائدة»، «أطياف في التشكيل السوري». كما أن له العديد من المشاركاتِ في الندواتِ وإعداد الحلقات الإذاعية حول الفن التشكيلي. ونال جائزة الإبداع الفني لمجلسِ مدينة حلب (2003)، والجائزة الأولى لمعرضِ الفنانين المعلمين المركزي بدمشق (2006). عضو نقابةِ الفنونِ الجميلة واتحاد التشكيليين العرب واتحاد الصحفيين في سورية.

بدوره أشار الفنان ناصر نعسان آغا إلى أن الفن التشكيلي بالنسبة له هو عبارة عن خطوط وألوان ومساحات تقدم حالة من الدهشة للبحث عن حالة من التوازن والتواصل مع الآخر مشيراً إلى أن الدين والعلم قدموا حلولاً للمجتمع إلا أن الفن قدم العديد من الأسئلة التي جعلته في رحلة بحث للإجابة عنها.

يذكر أن الفنان ناصر نعسان آغا من مواليد مدينة إدلب، إلا أنه مقيم في مدينة حلب منذ سنوات طويلة. له عدة مشاركات عربية مثل فيها سورية في مهرجانات دولية وعربية وأحرز العديد من الجوائز وأبرزها «بينالي الخرافي عام 2008» في الكويت. كما أنه عضو اتحاد الفنانين التشكيليين في سورية وله العديد من المشاركات في المعارض الجماعية والفردية إضافة إلى معارض دولية ومهرجانات. أعمالُه موزعةٌ في العديد من دولِ العالمِ، وهو عضو في الجمعية العربية المتحدة للآداب والفنون.


أحمد بيطار - حلب

اكتشف سورية

Share/Bookmark

صور الخبر

من أجواء الندوة النقدية حول أعمال الفنان ناصر نعسان آغا

من أعمال الفنان ناصر نعسان آغا

من أعمال الفنان ناصر نعسان آغا

بقية الصور..

اسمك

الدولة

التعليق