الفنانة أسماء فيومي: الفن ليس فوضى بل خلق خالص

03 أيار 2012

تزدحم لوحات الفنانة أسماء فيومي بوجوه نساء وأطفال تربطهم علاقة حميمة مع الأرض مستوحاة من الأساطير السورية القديمة التي تعتبر وجه المرأة بمثابة أرض الوطن، فرسمت المرأة ضمن المدينة ورسمتها داخل البيوت وهي تحتضن الطفل لأن المرأة والطفل هما أسطورة الخلق.

وتتحدث فيومي بلغة أقرب إلى الشعر في مقابلة مع سانا فتقول: «إن المرأة هي رحم الأرض والطفل هو البرعم الذي سيحميها، والمرأة الأم هي الوطن وحفنة التراب التي أردت أن أصل إلى وطني وأرضي من خلالها، هي توأم المنازل والشبابيك والأبواب وتعريشات الكروم والنور المتسرب من وراء الأزقة والأسطح المتعانقة».

بدأت فيومي الرسم عندما أمسكت القلم لأول مرة مدفوعة بموهبة نادرة وهاجس ظل يرافقها طوال حياتها فشجعها الأهل واحترموا موهبتها ورغبتها في دخول كلية الفنون الجميلة التي تخرجت منها عام 1965وبعد زواجها شجعها رفيق دربها غسان جبري ووقف إلى جانبها وعندما كبر الأولاد كانوا لها أصدقاء وعوناً على إنجاح تجربتها الغنية.

وإذا كانت الفنانة أسماء محظوظة بدعم من حولها إلا أن الصعوبات كانت تأتي من المجتمع خارج محيطها العائلي انطلاقاً من قناعة البعض بأن الفن يقتصر على الذكور. وهي تأسف لكون هذه الأفكار ما زالت تسيطر على الكثير من الناس ومنهم المثقفون الذين يشككون بقدرة المرأة على الإبداع مقارنة بالرجل فيغمزون من قيمة الفن الذي تنتجه الفنانة مقارنة بنظيرها الفنان وهذا ما دفعها إلى التحدي طوال مسيرتها الفنية.

وعن علاقتها بالألوان والأدوات تقول: «ألواني تأتي فجأة وتذهب فجأة فيسكنني اللون لفترة ويستولي على عيني لدرجة لا أستطيع الفكاك منه، وعندما أتحرر منه يسكنني لون آخر ولا أرغب في العودة إلى اللون السابق إلا عندما يتسرب قليلاً قليلاً في الزوايا ويصبح جزءاً من رؤياي».

أما المواد فهي أحد مفاتيحها للتغيير وعندما تستخدم الكولاج بمواد نبيلة كالورق والخيوط الكتانية فإن هذه المواد تنقلها بلطف للتحرر من التكرار وإيجاد حلول جديدة. فاللوحة مسألة تحتاج إلى حل كمسألة الرياضيات عناصرها التكوين والتوازن والمضمون والعطاء العاطفي ضمن مقاييس التشكيل الأكاديمية بغض النظر عن الأسلوب سواء كان تجريدياً أم واقعياً. فالفن ليس فوضى بل هو خلق خالص والفنان الذي يرسم ما بداخله لا يمكن أن تكون أعماله تكراراً لأعمال غيره لأن لكل فنان داخله الخاص ومن هنا تعتبر الألوان والمواد وطريقة استعمالها خرقاً لأساليب مكررة وعنصراً مساعداً على التجديد.

ولا تخطط الفنانة فيومي للانتقال من حالة إلى أخرى لذلك فإن مشاريعها المستقبلية تنطلق مما يعتمل في داخلها من حب وشوق وخوف وقلق إزاء كل ما يجري من حولها فتتابع بجدية كبيرة معاناة الإنسان في كل بقعة من الأرض فكيف إذا كانت هذه المعاناة في وطنها الذي تحب: «أنا لست مسيسة لكنني أكره العنف وأخاف على بلدي وأريد استعادة وطني الآمن، وفي هذا الوقت الصعب رسمت وأفرغت كل غضبي وأسئلتي على القماش الأبيض».

وأضافت: «لدي الآن أكثر من عشرين لوحة قلقة متسائلة غاضبة بينها ثلاثية، فرسمت في الأولى صراخاً صامتاً من خلال فم مطبق وعين مفتوحة إلى آخر حدود الانفتاح تريد أن تعرف ما الذي يجري وفي الثانية رسمت الرأس مرفوعاً باتجاه السماء يسأل الإله إلى أين نحن ذاهبون، وفي الثالثة عيون مغمضة لا تريد أن ترى ولكنها تطلب السلام».

وتعود الفنانة فيومي بذاكرتها إلى الستينيات من القرن الماضي عندما كانت تحمل حقيبتها على ظهرها وتتجه الى بساتين الزبلطاني لترسم الطبيعة، لم يكن يعترضها أحد بل كان الفلاحون يقدمون لها كأساً من الشاي بكل احترام وهي ترسم، وتتساءل بمرارة: «ترى هل تستطيع الآن أي شابة أن تمارس هذا الطقس الجميل بعد أن ملؤوا الرؤوس بالمحرمات».

وكل ما تتمناه فيومي أن تستمر في الرسم دائماً وأبداً إلى لحظة الموت فهي تمارس طقسها الفني بالدخول إلى مرسمها لعدة ساعات يومياً كما تمضي بعض الوقت في القراءة وأكثر ما تحب قراءته هو الأساطير السورية القديمة وكل ما كتب عن سورية التي تحبها وهذا ما يدفعها إلى الإكثار من زيارة المتحف الوطني بدمشق والتجول في حديقته فتملؤها العزة بالانتماء لهذا الوطن الموغل في القدم والإنسانية.

وتزور فيومي التي قاربت السبعين من العمر معارض الفن التشكيلي وتتابع أعمال الفنانين الشباب الموهوبين لتعرف كيف يفكرون وماهي أحلامهم وتنصحهم بأن لا يقلدوا أحداً بل يتبعوا أحاسيسهم الداخلية بكل صدق، كما تتابع أعمال الفنانين العالميين مشيرة إلى «أن على الفنان أن يطور نفسه من الداخل مهما تقدم به العمر».

وخلال تجربتها الفنية على مدى خمسة وأربعين عاماً أقامت الفنانة فيومي عشرين معرضاً خاصاً وأكثر من خمسين معرضاً مشتركاً مؤكدة أن الرسم هو لغتها وأن لوحاتها هي مرآة لتاريخها وتاريخ ما يحدث حولها.


الوكالة العربية السورية للأنباء - سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق