مدينة قنوات

19 آذار 2012

تحتضن في جنباتها الكثير من المعالم والأوابد الأثرية التي يجهلها الكثير من السوريين وحتى أبناء المنطقة أنفسهم والتي جعلت منها متحفا أثريا طبيعيا يدل على تعاقب الحضارات على مر العصور انها مدينة قنوات باسمها اليوم وكاناثا باسمها القديم.

وتقع قنوات التي اطلق عليها اسم توبولس شمال شرق مدينة السويداء على بعد حوالي 7 كيلومترات عنها وهي تمتد على سفوح وادي أخضر.

وتعتبر قنوات أو كاناثا إحدى مدن ديكا بوليس العشر وهي اتحاد المدن الهلنستية الواقعة شرق نهر الأردن وذلك في القرن الأول قبل الميلاد ثم انتقلت إلى السيطرة البيزنطية في القرن الرابع الميلادي وحتى القرن السابع وبعد ذلك أضحت مركزا أسقفيا هاماً ومركزاً من مراكز الحج المسيحي كما يقول المهندس وسيم الشعراني مدير آثار السويداء.

ويقع في القسم العلوي من المدينة والذي يسمى المدينة العليا مجمع للمعابد تقول الروايات ان زائريها كانوا يمارسون تقاليدا خاصة مديدة ما جعل تلك الرقعة المقدسة بالنسبة اليهم تتحول في القرن الأول قبل الميلاد إلى معابد تتكون من ثلاث مساطب محفورة في الأرض الصخرية عند أحد السفوح مع أبنية دينية ذاتية تتميز عن بعضها في المسقط الأفقي والشاقولي.

أما في الجنوب فينتصب معبد زوس الذي أقيم في النصف الثاني من القرن الأول قبل الميلاد إذ انه بعد تهديم الهيكل المركزي أقيم بناء جديد على منصة المعبد القديم في القرن الثالث الميلادي مازالت آثاره سليمة حتى اليوم.

وفي الغرب من هذا المعبد يشير الشعراني إلى وجود منصة ضخمة متجهة شرق غرب كان قائما عليها قديما معبد بهيكل مركزي له واجهة أفقية كان يطلق عليه اسم المعبد ذو الصالة العريضة.

وتعتبر قنوات نموذجا لفنون العمارة المسيحية حيث يوجد فيها كنيستين بازيليك تقعان وسط المدينة الأولى تدعى الغربية وبنيت في القرن الرابع على أنقاض المعبد الوثني والثانية الشرقية وبنيت في القرنين الخامس والسادس ميلادي وكانت مقرا لأسقف المدينة وتشتهر ابوابهما بزخارفهما المزينة بأغصان نباتية.

ولاتزال معالم الكنيستين باقية حتى اليوم ومن يزورهما يشاهد المذبح المكان المخصص لصلاة الكاهن وجرن المعمودية كما يوجد على الجدران كتابات يونانية ذات صياغة شعرية مؤلفة من أكثر من 16 سطر عثر عليها أثناء الحفريات الى الشرق من الكنيسة الثانية.

ويوجد خارج قنوات وغربي التجمع السكني في موقع بارز على مصطبة مرتفعة فوق سفوح جبل العرب معبد اكتسب إطارا ضخما في المرحلة الهلنستية حيث اجتمعت صالات عدة وبهو تبعا للنظام الدوري ويرجع المعبد الأقدم إلى أواخر القرن الأول قبل الميلاد ويعود إلى هذا البناء نقش كتابي على اسم رايوس وهو إله محلي كما يقول الشعراني.

ويضيف الشعراني انه يتقدم معبد زوس وإلى الشمال منه خزان الماء وقد بني على شكل أقواس حجرية متتالية ومتجانبة يبلغ عددها ثمانية عشر قوسا بعمق سبعة أمتار وتحمل سقفا حجريا مؤلفا من بلاطات بازلتية متطاولة تشابه في صناعتها التقنية المستخدمة في بناء السور لذا من المرجح أنه بني في فترة بناء السور أي في مطلع القرن الرابع الميلادي.

ومن آثار قنوات الرائعة الحمامات التي بالرغم من انها اصغر من الحمامات المعروفة في بصرى وفي شهبا الا انها تتميز بطابع مختلف فهي مكونة من أبنية متعددة مشيدة على الطراز الروماني الإمبراطوري ومنفذة على نفس الطرق التقنية.

ويتابع الشعراني انه من خلال أعمال التنقيب التي جرت مؤخرا أمكن التعرف على نفس الأقنية والمجاري المتعلقة بالحرارة وكذلك الأقنية التي تجلب بواسطتها المياه إلى تلك الحمامات كما جرى تحديد الصالة الساخنة كالداريوم والصالة الفاترة تيبيداريوم وقسم حمام البخار لاكونيوم أوسوداتوريوم.

ويشير الشعراني إلى أنه لا تزال أجزاء أخرى من مباني تلك الحمامات التي تقع في الجزء السفلي من المدينة على حافة الطريق الصاعدة حاليا باتجاه السراي الأثرية مطمورة تحت مبنى البلدية ومبنى المسجد المجاورين ويعود تاريخ بناءها إلى النصف الأول من القرن الثاني الميلادي.

وبجوار مفترق طرق على امتداد الطريق الرومانية الصاعدة إلى معبد زوس والمتجهة إلى سيع يقع فندق أو كما يسمى قديما نزل إلى الشرق من مبنى الحمامات و يرجع تاريخه إلى عامي 124-125م وتدل كتابة يونانية موجودة على الجدران على وظيفته كفندق أو نزل.

ويحوي المبنى طابقين كما يقول الشعراني مع مدخل مبلط بالحجر البازلتي أما واجهته فمبنية بالحجر البازلتي المنحوت بشكل جيد ويميز فيها صلبان من العصر البيزنطي ومن ثم تحول المبنى لاحقا إلى مقر لسكن إحدى الشخصيات الدينية الهامة.

وبعيدا عن اسوار المدينة العريقة باتجاه الوادي الجميل يوجد منشأة دينية موءلفة من معبد لآلهة المياه ومسرح صغير من المحتمل أنه بني من أجل القيام بالطقوس والشعائر الدينية الخاصة بالمعبد.


آثار كنيسة بيزنطية
في مدينة قنوات الأثرية

ويضيف الشعراني إن المسرح بني في قسمه الأكبر على الأرضية الصخرية للسفح تتقدمه الأوركسترا من الغرب ويرتبط هذا المسرح بالمعبد عن طريق مجرى مائي منحوت من الحجر البازلتي.

وأشار إلى أن المعبد يتغذى بالمياه من نبع ينبلج من بين صخور السفح الشرقي أما المتبرع لبناء المسرح الصغير فقد كان يشغل وظيفة رئيس المجلس المحلي وقد تبرع بمبلغ وقدره عشرة آلاف دينار مرتين وذلك تبعا لنقش كتابي يعود للمتبرع ما زال محفوظا في مكانه ضمن الموقع.

ومن أهم آثار قنوات مقابر واسعة الامتداد تقع في شمالي وغرب المدينة وكذلك على السفح الشرقي للوادي عبارة عن مدافن برجيه إما على شكل دائري أو مستطيل وعلى طابقين في أغلب الحالات تعود كافة القبور المعروفة إلى العهد القيصري وتشبه في شكلها الأضرحة.

ويوضح الشعراني انه بالمقارنة مع الواجهات البسيطة فقد تركزت العناية على التشكيل الداخلي وكما هو الحال في القبور البرجية في تدمر فانه توجد هنا في بعض القبور قنطرة معقودة في الجانب الخلفي للمدفن ويبدو أنها خصصت لرب الأسرة ومواضع للدفن في الجدران الجانبية.

وبالرغم من عدم توفر المعلومات الكثيرة حول قنوات كونها قد سكنت قبل العصر الهلنستي فقد ظهرت خلال التنقيبات في معبد سيع فوق الهضبة نقود تعود الى الاسرة البطلمية في القرن الثالث قبل الميلاد كما وجدت نقود نبطية.

وتثبت الآثار الرومانية المتواجدة على مر العصور انها كانت مدينة مأهولة بالسكان فيما بعد كما يرجح الباحثون أن بناءها تم قبل بصرى.

والجدير بالذكر أن تلك المعالم الرائعة التي ميزت المنطقة منذ آلاف السنين تتلاقى مع جمال الطبيعة وكروم العنب وبساتين الزيتون وهي تبعد عن دمشق حوالي 100 كيلومتر.


مي عثمان

الوكالة السورية للأنباء - سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق

حسن نجار:

أعجبني الموقع وأتمنى تخصيص موضوع لمدينة (براد الأثرية )

سورية