ورش السيناريو: تجارب تشاركية لشباب سوريين يشتبكون مع الواقع المعاصر بأدوات ديمقراطية

21 تشرين الثاني 2011

يشكل النص بنية جوهرية للعمل الفني سواء على شاشة التلفزيون أو السينما حيث تنبع أهمية المقترح النصي من جدته وحداثة طرحه وصياغته للصراع زمنياً ومكانياً ولهذا تبزغ اليوم تجارب رائدة لمجموعة من الشباب السوريين من أجل تطوير محترفات لكتابة السيناريو أخذت على عاتقها الخروج من نمطية النصوص القديمة نحو إشراقات إبداعية تحقق لهم تواجداً حقيقياً في الوسط الفني وتنمي لهم مواهب عدة لإنتاج مقولات أكثر راهنية تشتبك مع الواقع من زوايا ووجهات نظر تكون فيها الكتابة ذات مدلولات اجتماعية مبنية على ديمقراطية المشاركة والاقتراح.

هي فرصة للتعبير عن الذات كما تقول الممثلة الشابة سوزان سلمان.. وتضيف.. ورشات السيناريو هي فسحة كي يقول الشباب ما يخصهم وما يقلقهم تجاه أحلامهم الكبيرة وطموحاتهم المستقبلية من خلال طرح هواجس تتعلق بقضايا الشباب ورغبتهم في المشاركة الجدية بكل ما يتعلق بنواحي الحياة السورية المعاصرة فمن خلال مشاركتي في ورشة مداد التي يشرف عليها المخرج زهير قنوع تمكنت أنا ومجموعة من رفاق دفعتي الدراسية في معهد الفنون المسرحية من طرح أفكار استطعنا عبرها الإحاطة ولو قليلاً بعالم الكتابة.

وتضيف الممثلة الشابة.. مشاركتي في ورش كتابة السيناريو وفرت لي فرصة كي أقف أمام الكاميرا لتمثيل شخصيات شاركت في كتابتها ما ساعدني كخريجة جديدة للفنون المسرحية من انتزاع فرصة للعمل في قطاع الدراما التلفزيونية بشكل لائق وإلى جانب نجوم أثبتوا وجودهم على الساحة وذلك في غياب دور حقيقي لمؤسسات الإنتاج لتقديم مثل هذه الفرص لوجوه جديدة ربما لا يغامر معظم المخرجين بتقديمهم في أعمالهم حتى في أدوار الصف الثاني.

الفرصة إذاً هي الغاية من مشاركة العديد من الشباب والشابات في هذا النوع من الورش الجماعية ولهذا يرى المخرج زهير قنوع أن ورش السيناريو اليوم تحقق نوعاً من تخاطب حر بين عقول مبدعة وشابة وقادرة على إعطاء أدوار لخريجين جدد يمثلون ما يشاركون في تأليفه فهم على هذا المستوى محترفون وخريجون أكاديميون يسهمون في صناعة فرصهم وحظوظهم للظهور ولصناعة فرص بأيديهم بعيداً عن أمزجة شركات الإنتاج في التسويق والتوزيع ويتساءل قنوع.. ما المانع من صناعة نصوص جيدة نابعة من مختلف أطياف ومشارب النسيج السوري؟ إن مثل هذا النشاط يحرض على إبداع نص شبابي عالي المستوى في طاقته وجدة طرحه لمشاكل مجتمعه.

ويتابع صاحب مسلسل وشاء الهوى.. ما فعلته أنني استطعت أن أقيم ورشا لكتابة سيناريوهات تحت عنوان مداد أسهم فيها أشخاص درسوا التمثيل والنقد المسرحيين ويشتغلون وفق مقاييس فنية أكاديمية بحتة لا تسعى إلى التجريب بقدر ما تسعى إلى إطلاق مواهب جديدة في عالم الكتابة والتمثيل ولذلك وصلنا إلى نتائج مرضية تجلت في إنجاز أربعة أعمال هي مسلسل ثلاثيات العشق الدمشقي الذي أخذنا وعداً مبدئياً من مؤسسة الإنتاج التلفزيوني بتحقيقه ومسلسل سيت كاز التي ستقوم شركة سورية الدولية بإنتاجه إضافةً لمسلسلي كيميا وأوراق اللذين مازالا قيد الإنجاز.

لكن هل تستطيع ورش السيناريو أن تحقق كسر احتكار النجوم وأولادهم في أداء أدوار الصف الأول وهل توفر مساحة لكتابة جديدة قادرة على مواجهة متطلبات السوق البصرية المتزايدة.. يقول المستشار الدرامي زيد الظريف.. نحن نطرح هذه التجارب لكتابة مشتركة وسط سوق فني مليء بالمفاجآت غالباً ما تكون الرهانات فيه خاسرة ومعقدة لكننا نحتاج على ما يبدو لفرصة كي نختبر هذه التجارب وعلى رأسها ورشة مداد التي فتحت أبوابها لخريجي معهد دمشق للفنون المسرحية بغية تحقيق فرص لهم بالتواجد ولتقديم موضوعات تاريخية وبيئية واجتماعية معاصرة لها طابع شبابي يميزها ويدفعها قدماً لنيل استحقاق وجودها على الخارطة الدرامية السورية.

ويوضح الظريف.. أعتبر أن أهم التجارب التي قمنا بها حتى الآن في ورشة مداد كانت مسلسل ثلاثيات العشق الدمشقي التي تناولت مدينة دمشق عبر وجهات نظر مغايرة ومن موقع جيل مثقف وواع وحريص على أمكنته الوطنية وعلى فاعليتها الثقافية والاجتماعية بعيداً عن التشاؤم واللامبالاة ومشاعر اللاجدوى التي تحاول الميديا العربية والغربية بثها في روح الأجيال الصاعدة ولذلك عقدنا العزم على أن نراهن على حداثة الموضوعات المكتوبة ومدى التصاقها بالمجتمع وطزاجتها وغناها درامياً.

يساهم الظريف في كتابة مسلسل كيميا بالتعاون مع الممثلة الشابة نور أحمد حيث يتم التركيز في هذا العمل على مفهوم المؤسسة الزوجية ومدى قدرة هذه المؤسسة على مواجهة العالم إضافةً لجرأة طرح تتعدى تقليدية العلاقة بين الأزواج نحو الدخول عميقاً إلى هواجس نفسية وأسئلة وجودية تتساءل عن قوة الرباط المقدس في مجابهة صعوبات اقتصادية واجتماعية تواجه الزوجين وتضعهما في كل مرة على نحو أقرب إلى الجنون منه إلى التوازن العاطفي والإنساني وخصوصاً داخل المجتمعات العربية المعاصرة.

الممثلة الشابة نور أحمد تعمل جنباً إلى جنب مع الظريف في توضيب عمارة أحداث مسلسل كيميا وتقول.. دخلت هذه الورشة مع زميلي زيد لأتعلم الكتابة ولأطلع على معمل الشخصية وطرق بنائها ومعالجتها محاولةً معايشة التفاصيل كافة للوصول إلى سيناريو متين ومتشابك وغني من حيث تناوله لحميمية العلاقات الزوجية وخصوصيتها في مجتمعنا ولهذا أعمل ليلاً نهاراً على متابعة عملي المشترك لأزاوج بين تصور الممثلة وتصور الكاتبة مقتربةً أكثر فأكثر من هواجس الشخصية ولواعجها الداخلية وسلوكها اليومي في نهاراتها ولياليها في طموحاتها وانكساراتها.

أسئلة كثيرة تطرحها فكرة الكتابة الجماعية للسيناريو لكنها تأخذ أبعاداً مختلفة لدى البعض الآخر من الشباب فيوضح الكاتب الشاب قيس مصطفى فكرة أخرى قائلاً.. في الحقيقة لا أجد فعل الكتابة سوى فعل ذاتيً وشخصي محض فمن خلال مشاركتي في ورشة كتابة جماعية اكتشفت أن هذا النوع من الكتابة لا يوفر حيزاً كافياً من التشاركية على العكس إنه يعزز التسلط من قبل الكاتب المحترف الذي غالباً ما ينحي بعض المقترحات لصالح مقترحه الشخصي موزعاً أفكاره على المجموعة من أجل التنفيذ ولهذا انسحبت من ورشة كتابة مسلسل طريق النحل حيث اعتبرت أنني غير قادر على الكتابة ضمن هذا المقترح وهذا راجع لقناعات شخصية لدي تولدت من هذه التجربة.

ويضيف رئيس القسم الثقافي في جريدة بلدنا.. الكتابة في الورشة تأخذ طابعاً ميكانيكياً في أغلب الأحيان له علاقة بالاحتراف لصياغة وتقطيع مشاهد لا العمل على صياغة شخصيات قوية ومتماسكة فكتابة الشخصية داخل الورشة تتم من قبل مجموعة كتاب ما يجعل شخصيات العمل الدرامي متنافرة ومفككة على خلاف الحال لو تمت كتابتها من قبل شخص واحد يعمل حتى النهاية على تطويرها وجعلها من لحم ودم وملتصقة بواقعها لا كرتونية ومفبركة ووظائفية.

ويعتقد مصطفى أن التواطؤ مع مقترحات الورشة لا يتيح بناء سليماً للشخصيات بل يخضع ذلك لمزاج السوق والوقت المتاح لإنجاز السيناريو وعلاقة الكاتب المشرف بشركات الإنتاج التي تفضل السرعة في العمل على حساب الجودة ما يترك آثاراً سلبية على صياغة الأحداث وجعلها أكثر جاذبية للمشاهد والمخرج والممثلين على حدٍ سواء.

بدوره يرى السيناريست عبد المجيد حيدر أن هذا النوع من الكتابة لم ينجح إلا في تجارب قليلة كان أهمها الورشة التي اشتغل عليها كل من الكاتبين نجيب نصير وحسن سامي اليوسف في عدة أعمال كان منها مسلسل الانتظار و زمن العار اللذان حققا شعبية كبيرة ونالا العديد من الجوائز المحلية والعربية أما معظم التجارب الأخرى فقد كانت عبارة عن ورش يديرها كاتب محترف كمشرف على مجموعة من الكتاب الجدد ولهذا غاب التفاعل المطلوب بسبب فروقات معرفية وثقافية لا تسمح بتعاون حقيقي بل ترجح فيها الكفة دائماً لصالح مقترحات الكاتب المشرف الذي غالباً مايشعر أنه يكتب وحده لا مع مجموعة.

ويضيف حيدر الذي ساهم في الإشراف على عدة تجارب في الكتابة الجماعية كان آخرها مسلسلي هذا العالم وأصعب قرار إن مفهوم الورشة يجب أن يكون بين عدد من الكتاب المحترفين وإلا تحولت ورشة كتابة السيناريو إلى دورة لتعليم فن السيناريو تنتج عملاً للتنفيذ بعد جهد جهيد ومعاناة لوجود خلل في آلية عمل هذه الورش تتمثل في طغيان الكاتب المحترف على أقرانه من الكتاب الجدد إلا أنه من الأهمية بمكان أن يتم إقامة وتفعيل ورش كتابة السيناريو فمن غير المعقول أن يكتب السيناريست 1200 صفحة وحده لأن ذلك بمثابة عقوبة في حين يمكننا أن نصل إلى رواية تلفزيونية جيدة عبر تضافر جهد عدة كتاب محترفين بعيداً عن نصوص مكتوبة بغير شروطها الفنية الاحترافية تعزز الصمت ومفرغة من حيويتها الدرامية وفي زمن مجد اقتصادياً وإنتاجياً.

من جهته يرى الناقد موسى أسود أن ورش كتابة السيناريو يمكن لها أن تنتج نصاً جيداً بالمصادفة لكن هذا لا يمكن تعميمه ولا اتخاذه كقانون ففي أغلب الأحيان يتحول السيناريو التلفزيوني إلى نوع من الاستسهال الأدبي لا يصل إلى الإبداعية بل يكرس أشكالا نمطية من التناول الفني فالنص هو أهم مكونات العمل الدرامي مهما طغت الصورة والصيغة البصرية ومهما استعرضت لن يفيدها شيء بوجود نص أو سيناريو رديء وحتى لو حصلت بعض النجاحات هنا أو هناك لتجارب جماعية إلا أن أسباب هذا النجاح غالباً ما تأتي من جدة الموضوعات وتكرار الثيمة وفق تغليب عناصر الدهشة وسيطرة الصورة.

ورغم المشاكل التي تعاني منها هذه الورش إلا أن الحديث يكثر عن انتشارها السريع واندثار بعضها بين ليلة وضحاها إلا أنه يجب التفريق بين مفهوم الورشة ومفاهيم تقنية أخرى فلقد كان للكاتب الكولومبي جابرييل غارسيا ماركيز تجربة الورشة في السينما أنتجت كتباً تعد الآن مناهج معتمدة في كتابه الدراما فورشة السيناريو منتشرة في أوروبا وهوليود وحتى في عالمنا العربي.

ولا بد من التفريق بين الورشة من حيث آلياتها المنهجية وبين من يحمل الاسم فقط فالورشة تقوم على تمارين خاصة تشكل حالة من التفاعل الجماعي تبدأ من حوار يولد كما من الأفكار عبر جلسات معروفة باسم جلسات العصف الذهني وبالتالي يحقق الفريق شرطين أساسيين يحتاجهما العمل الدرامي هما أفكار كثيرة وسرعة في الإنجاز.

وإن شيوع تجربة الورش الجماعية لكتابة السيناريو لا يلغي وجود جهات إنتاجية كبيرة تستغل الطاقات الشابة لسرقة الأفكار واستنزاف قدرة الفنانين الجدد مقابل فتات حيث يضطر الكثيرون للعمل لدى شركات تصدر رغبتها بكتابة جماعية هي ليست أكثر من مشاريع مبهمة هدفها الربح ولا تحترم أحدا بينما تظن أنها قادرة على تسخير الناس في الكتابة عندها تحت تسمية ورشة.

يقول الكاتب موفق مسعود صاحب ومؤسس ورشة النافذة.. الورشة كانت مختبراً وجزءاً من مشروع أدبي وثقافي أكبر فأنا كاتب لدي مشروعي الأدبي الخاص إلا أن نشاط الورشة لا يقتصر على كتابة السيناريو فقط بل العمل على بلورة مواهب الشباب في أكثر من مجال العمل الجماعي الذي يحتاج من الفرد أن يوقظَ ويستفز في داخله كل الأشياء التي يطالبه المجتمع بطمسها ونبذها تلك التي تخص الجانب الروحي والإنساني وقدرته وحقه في الحلم.

ويضيف مسعود لأشركَ الآخر في حلمي يجب عليه التخلي عن أحلامه والسمو بروحه واستفزاز أحلامه العليا وتغذيتها بالجهد والعمل الطويل ثم تمرين نفسه على الحوار حينها سنمتلك قاعدة صلبة لنطرح ما لدينا بقوة وليس بالإدعاء بأننا أصبحنا كتاباً بعد كتابتنا لمشهدين أو صفحتين.

ويوضح مسعود.. في ورشة النافذة الآخر هو شريك له نصف ثمن العمل في حال تم بيعه وسيبقى حقه محفوظاً له ضمن هذه النسبة حتى لو ترك الورشة وتم بيع العمل فيما بعد فالورشة كونها مشروعا لا بد أن تمر ببعض المحبطات وجذر الأزمة يكمن في عدم وجود ثقافة العمل إذ انني كثيراً ما أرى أن علي العمل لسنوات لتشكيل ثقافة العمل هذه قبل إنتاج أي شيء عند هؤلاء فالمشكلة في دخول بعض الطلاب وفي رأس أحدهم تصور أن بإمكانه بعد مرحلة قصيرة كتابة سيناريو سيبيعه بما يزيد على مليون ليرة هذا التصور الساذج جعل البعض يتصور نفسه أنه ذلك الساحر الذي سيغير وجه الدراما.

الورشة مشروع مستمر ومتجدد حسب مسعود يستمد ديمومته من تصور ما سيكون عليه في المستقبل فمن خلال إيقاظ ثقافة العمل نجعل الفن أداة تتصدى لآلة الدمار والجنون السافر الذي أنتجه العقل البشري فنحن في منطقتنا بأمس الحاجة لمثل هكذا مشاريع.


الوكالة السورية للأنباء - سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق