تل سوكاس الأثري

31 تشرين الأول 2011

يعتبر سهل جبلة من أكبر السهول في الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ومن أغناها بالآثار وتحيط به جبال الساحل التي تمر بمحاذاة الشاطئ عند اللاذقية وبانياس كما تشتهر المدينة بتلالها الأثرية الهامة منها / تل سيانو وتل سوكاس وتل التويني وتل حمامين وتل نبع الرز وتل الشهب وتل دوير الخطيب/.

ويعتبر تل سوكاس الذي يقع على مرفأ طبيعي من أفضل المرافئ على الساحل الفينيقي وللمرفأ خليجان شمالي وجنوبي وهو ثلاثي الشكل تقريبا ارتفاعه /24/ م قسمه العلوي مؤلف من أنقاض أتربة أما القسم السفلي فهو مؤلف من الصخور الكلسية وتنحدر هضبة التل نحو الجنوب الغربي وقمته من الزاوية الشمالية الشرقية ظهرت على شكل تلة صغيرة بارزة على الهضبة وعلى سطحها وجنباتها حجارة منحوتة دلت على وجود برج.

ويطل تل سوكاس على الساحل مباشرة ويتوسط المسافة تقريبا مابين جبلة وعرب الملك وعلى بعد ستة كيلومترات جنوب مدينة جبلة يرسم خط الشاطئ في جنوبه وشماله خليجين صغيرين متناظرين ومتساويين بمساحة تقدر ب 16 دونما وتنتهي إلى خليجه الجنوبي ساقية سوكاس الصغيرة التي تنبع من عين الدلبة وتنتهي إلى خليجه الشمالي ساقية عين القصب وقبو سوكاس وهما ساقيتان لا يتجاوز طول الواحدة منهما الـ 2 كم.

وترتفع هامة التل إلى 24 مترا عن سطح البحر حيث يأخذ التل شكل مثلث قاعدته في الشمال وهامته في شماله الشرقي وتنحدر جوانبه بميل واضح ولاسيما في منحدره الشمالي الغربي ويصلح خليجاه لرسو المراكب البحرية الصغيرة لتأمين فيه من خطر الأمواج العاتية.

وأشار إبراهيم خيربك مدير مديرية الآثار بجبلة إلى أن تل سوكاس الأثري من أهم التلال الأثرية على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط الذي قدم للبشرية مزيجا حضاريا رفيع المستوى بدءا من الحضارة الكنعانية إلى الفينيقية والعربية والإسلامية وشكل مرفأ التل نقطة تواصل واتصال ثقافي وتجاري عبر المتوسط.

وأضاف خير بك أن المصادر الأوغاريتية تشير إلى أن تل سوكاس هو مدينة شوكي القديمة وكانت مأهولة منذ العصر الحجري الحديث وحتى العصر العربي الإسلامي ويتميز التل بقيمته التاريخية ودلالته الحضارية ويقدم مزيجا حضاريا رفيع المستوى لعدة ثقافات أهمها الكنعانية والفينيقية والعربية الإسلامية وكان مرفأه يوزع البضائع المحلية والمستوردة إلى عالم المتوسط وقد شكل عبر تاريخه الطويل نقطة تواصل واتصال ثقافي وتجاري عبر المتوسط ما بين مدن شرق المتوسط وغربه ويدل على ذلك الودائع الثقافية التي اكتشفت في التل والبعض منها معروض في متاحف دمشق واللاذقية.

وحول معنى كلمة سوكاس أوضح خير بك أن الكلمة مؤلفة من مقطعين /سو كاس/ سو.. عرفتها الكنعانية والآكادية وهي بمعنى ذي أو هي وفي الكنعانية أداة الإشارة / ذا ذو ذي/ والكأس بمعنى كأس فيكون المعنى ذو الكأس وهذا الاسم ذو دلالة لأن الموقع تل يشبه الكأس.

وعن القيمة التاريخية والدلالة الحضارية للموقع أوضح خيربك أن له شكلا هرميا ويتألف قسمه العلوي من الأنقاض والأتربة والجزء السفلي من الصخور الكلسية وكانت قبل الحفريات أكمة صغيرة بارزة عن الهضبة وعلى سطحها وجنباتها حجارة منحوتة وغشيمة تدل على وجود برج.

وعلى منحدر التل الشمالي سنام مرتكز على نتوء صخري وأكبر الظن أنه برج أو حصن خارجي وكان في الجهة الغربية بقايا جداره من الحجارة المنحوتة.

ومنحدرات التل الشمالية والغربية والجنوبية كثيرة الانحدار وللاكمة من الغرب قاعدة عريضة تحت القسم العلوي من المنحدر ويشكل الصخر في غرب التل هضبة منخفضة قد حتها البحر كثيرا وفي هذه الناحية والناحية الشمالية من التل بقايا مقالع قد تكون استخدمت كملاحات.

وأضاف.. لقد لفت التل انتباه العلماء منذ نهاية القرن التاسع عشر وفي عام 1934 أجرى عالم سويسري عمليتي سبر في التل كما نفذت خمسة مواسم من الحفريات المنظمة فيه بين عامي 1958 و 1963 من قبل بعثة دانمركية وفي عام 1956 التقط السيد فيستي وهو باحث آثار كان ضمن البعثة الدنماركية من سطح التل كسرا فخارية تمثل عهودا تمتد من 3000 إلى 1400سنة قبل الميلاد وهي تنطبق تماما على ما وجده باحث الآثار بميل فورير في سبرية عام 1974 وكان أحدهما بشكل خندق والثاني بشكل بئر.

واستنادا إلى مذكرات فورير التي نشرتها مدام اريخ فغن فإن الطبقات لم تكن متماثلة في السبرين رغم أن عددها سبعة في كليهما وأعمق طبقاته تعود لنهاية عصر البرونز وبالمقابل فإن المستوى الأخير في الخندق يعود لحوالي 2800 قبل الميلاد والمستوى الخاص المحدد تاريخه بين 2499 و2300 قبل الميلاد عثر فيه على جدار عريض جدا بارتفاع مترين عده / فورير/ الجدار الخارجي لأحد المعابد وهناك طريق مواربة ممتدة في عدد من الطبقات المنخفضة في الخندق.

ويرى فورير أن الطبقة الأولى تضم بقايا مستعمرة يونانية كانت قائمة بين 609 و 539 قبل الميلاد ورغب نبوخذ نصر في إنشائها بعد معركة كركميش وقضى عليها كورش فأصبح الموقع خاليا منذ ذلك الوقت ولكن وجود الكسر الهلنسيتية والعربية يناقض ذلك.

وقد اعتقد بادئ الأمر أن تل سوكاس هو مكان جبلة القديم قبل العهد الروماني ثم اعتبرها فيما بعد في تل التويني وجعل تل سوكاس موقع بالتوس القديمة مستندا إلى التأويل المذكور سابقا وغير المقنع لتل سوكاس موقع بليتا.

ولا يعتبر سكان المنطقة كلمة سوكاس عربية أو فينيقية أو يونانية ويعتبرونها انعكاسا لاسم يوناني وفي نصوص رأس شمرا ذكر لمدينة باسم شوكسي بين أوغاريت وسيانو ولكن من غير المحتمل أن اسم سوكاس الذي فيه الحرف الصوتي / أ / أطول حروفه مدا يمكن أن يكون مشتقا من شوكسي بصرف النظر عن الموقع الجغرافي للتل.

وذكر/ دوسو/ أشكالا منوعة للاسم الحديث /سوفاس.. شوكاس وسوكات / ولكن الارتكاز فيها جميعا على المقطع الأخير وقد زالت الخرائب التي رآها دوسو بقرب الخليج الجنوبي عند مصب النهر.

والكسر الفخارية السطحية جنوب النهر تعود لما قبل الهيلينستيين ومنها ما هو روماني أو أحدث عهدا وهناك ما يدل على مداخل قبور وعلى الرأس الصخري جنوب الخليج مقالع أو ملاحات وعلى النهر آثار لجسر روماني أعيد بناؤه في العصر الوسيط وهناك جدول صغير يصب في الخليج الشمالي والطريق تجتاز الجدول بقنطرة من العصر الوسيط وشمال الخليج بقايا مدافن رومانية أو بيزنطية محفورة في الصخر وعلى الهضبة فوق تلك المدافن آثار فسيفساء واجر وفخار وكسر مرمرية وحجار طواحين من العصر الروماني أو من العصر القديم المتأخر وعلى شاطئ البحر مقالع.

وأوضح خيربك بدأت الحفريات في تل سوكاس في العام 1958 وبلغت مساحة الحفريات 677 مترا مربعا تقريبا وكان العمل بطيئا وذلك بسبب العثور مباشرة تحت السطح على بقايا تحصينات وبسبب طريقة البناء التي تتطلب انتباها بالغا فجدران البيت تبنى بالحجارة الغشيمة وبالطين وتجعل أرضية البيت من التراب مع خلطة بكسر الفخار لمعالجة الرطوبة.

وأضاف: كانت أرضيات البيوت تجدد بين وقت وآخر فكل بيت فيه عدد من الأرضيات فوق بعضها يصعب تمييزها عن بعضها خاصة إذا كانت سيئة الصنع أو تالفة كما أن السكان يستخدمون لرصف أرضيات البيوت كل ما يقع تحت أيديهم من الكسر التي حتتها أمواج البحر وتعذر في مثل هذه الحالة الوصول إلى تاريخ صحيح عن طريق الكسر الفخارية ولا يمكن ذلك إلا بعد تحر دقيق لإيجاد الكسر التي هي في مكانها الصحيح أو ما يدل منها على تأريخ صحيح وخاصة ان نحن إزاء الفخار اليوناني الذي يسمح بتعيين الزمن بشكل محدد جدا وطبيعي أن احدث الكسر عهدا بين الكسر التي صنعت منها أرضية البيت هي التي تعين عهد إنشاء تلك الأرضية كما أن أحدث القطع المكسورة التي يعثر عليها في مكانها فوق الأرضية هي التي تعين زمن انهيار البيت.

وأوضح خيربك أن الحفريات كشفت عن حفرة أجراها رجال المدفعية في الحرب العالمية الثانية وخنادق في المرجح أنها تعود للحرب العالمية الأولى وأعمال الحربين قد أتلفت جزئيا التحصينات القديمة التي كانت مغيبة في الأرض وهي بقايا سور منحوت السطوح عرضه 150 سم وبرج كبير مقاييسه 98 مترا تقريبا مبني بنفس أسلوب السور لكن بعناية أقل إذ تتناوب في مداميكه حجارة كبيرة وصغيرة وباب البرج في الواجهة الغربية ويبدو أن السور والبرج قد تهدما إثر زلزال كما توجد آثار الحريق في بعض الأماكن الأخرى.

وأثبتت المكتشفات الأثرية أن حضارة تل سوكاس ازدهرت خلال الألف الثاني قبل الميلاد وكان معاصرا لحضارة أوغاريت التي حظي منها الازدهار كما حظي منها الدمار على يد شعوب البحر الغازية التي ألحقت الخراب والدمار بحضارات الساحل السوري عام 1180 قبل الميلاد.

ومن المكتشفات الأثرية في التل الفخاريات المحلية والمستوردة إضافة إلى لقى مصرية وقبرصية ويونانية إضافة إلى اكتشاف معالم العمارة من مساكن وتحصينات وأبراج وخزانات ومستودعات كما تم الكشف عن معالم المعبد الفينيقي الذي شيد بداية القرن الخامس قبل الميلاد وهو معبد للإله رشف كان قد شيد فوق معبد إغريقي وهذا شكل من أشكال استمرار العبادة في الموقع.


الوكالة السورية للأنباء - سانا

Share/Bookmark

اسمك

الدولة

التعليق